وكالة أنباء أراكان ANA : (الألوكة)
في الجزء الأول من مقالة: "أونج سان سو كي" وألمانيا: ماذا قدَّما لمسلمي الروهينجا في بورما؟" كنا قد ترجمنا مقالةً بعنوان: "بورما وحقوق الإنسان: على ألمانيا أن تمارس ضغوطًا أكبر لوقف انتهاكات حقوق الإنسان"، وتحدثنا في تعليقنا على المقالة المترجمة عن عنصرَين مهمَّين فيما يخصُّ قضية أقلية الروهينجا المسلمة في بورما، وهما: حجم المأساة التي تعيشها تلك الأقلية المسلمة في ظل ما يتعرَّضون له مِن قتْل وترويع وتهجير من جهة، وما يُواجهونه من قوانين جديدة تحدُّ من حريتهم الدينية وتُضيِّق عليهم من جهةٍ أخرى.
أما العنصر الثاني، فهو الدور الذي يقوم به كل من المجتمع الدولي متمثلاً في الموقف الأوروبي من قضية مسلمي الروهينجا، وضربنا مثالاً لذلك بالموقف الألماني، وكذلك الدور الذي يلعبه السياسيون والحقوقيون البورميون في هذا الصدد، وضربنا مثالاً لذلك بدور السياسية البورمية المُعارِضة "أونجسان سوكي" والحاصلة على جائزة نوبل للسلام.
في هذا الجزء من المقالة نترجم - بعون الله - جزءًا من حوار صحفي أجرته صحيفة "دي ﭬيلت" (Die Welt) الألمانية مع "أونج سان سو كي" تتحدث فيه عن قضية مسلمي الروهينجا، ونتعرَّف من خلال ذلك الحوار على رؤيتها للقضية وموقفِها من المذابح التي يتعرَّض لها مُسلمو بورما.
الصحيفة تحدَّثت عن "أونج سان سو كي" قائلةً: إنها أحد أبرز الشخصيات في بورما، وإنها تسعى لتحقيق الديموقراطية في بلادها، وإن المُعارِضة البالغة من العمر 68 عامًا عادت إلى الحياة السياسية عام 2010 بعد 15 عامًا من الإقامة الجبرية، وإنها تقود "التحالف الوطني من أجل الديموقراطية" في البرلمان، وتُناضل من أجل تحويل ميانمار - وهو الاسم الذي تمَّ اعتماده رسميًّا لبورما بعد الحكم العسكري للبلاد - إلى دولة قانون.
وأضافت الصحيفة: إنه بالرغم من أن "أونجسان سوكي" تعتبر أحد الوجوه المضيئة لبورما، إلا أنها تعرَّضت في الأشهر القليلة الماضية إلى انتقادات شديدة في الخارج، أبرز تلك الانتقادات هو أن "أونجسان سو كي" لم تقم بما يكفي من أجل حماية الأقلية المسلمة المضطهدة في البلاد.
الصحيفة قالت: إن "أونج سان سو كي" ستجيب في الحوار الوحيد الذي أجرته أثناء زيارتها الرسمية الأولى لألمانيا عن الكثير من الأسئلة.
وإليكم ترجمة الجزء الخاص بقضية أقلية الروهينجا المسلمة وموقف "أونج سان سو كي" منها:
صحيفة "دي ﭬيلت": تتعرَّض بعض المجموعات في بلادك، وعلى رأسهم مسلمو "الروهينجا" للعنف بشكل مُستمرٍّ، والبعض يتَّهمونكِ بعدم الدفاع عن حقوق هؤلاء الناس، فماذا تقولين في ذلك؟
"سو كي": لطالما دافعتُ عن حقوق الإنسان، كما أن حزبي يُدين العنف دائمًا، ما علاقة ذلك بعقد صفقات مع العسكريِّين؟ المشكلة هي أن الحكومة لا تفعل ما يَكفي لوقف العنف، لكن الناس لا يركِّزون على ذلك، فالحكومة لم تقم بما يلزم في إقليم "أراكان" غربي البلاد لكي تمنع حدوث أعمال عنف، ونحن نقول ذلك منذ أن اندلع العنف، فلماذا لم يسأل أحد الحكومة عن ذلك؟ والمجتمع الدولي لا يسأل الحكومة عن كل هذا، لكنهم يسألونني أنا عن ذلك، بينما ليس لديَّ سلطة حقيقية، فما الذي يجب عليَّ فعله إذًا؟
صحيفة "دي ﭬيلت": لكن الناس يُريدون أن يَسمعوا منكِ تصريحاتٍ أكثر وضوحًا فيما يخصُّ مسألة الأقليات تلك، إنهم يَنتظرون منكِ الوقوف إلى جانب الضعفاء والمظلومين.
"سو كي": ماذا يُريد أولئك النقَّاد أن يسمعوا مني؟ هل يريدون مني أن أدين وأستنكر العنف؟ لقد فعلنا ذلك بالفعل، وأعتقد أن المسألة لا تتعلَّق بذلك، بل تتعلق بأن أولئك المنتقِدين يريدونني أن أدين أشخاصًا بعينهم، ومجموعات بعينها، ومنظمات بعينها، بينما نحن نحاول أن نخلق حالةً من التناغم والمصالحة في بورما، ماذا سيفيدنا لو قلنا: إن العنف موجود من الطرفين، وإن الأقلية هي أقلية، وإن الأغلبية أغلبية، إن العنف هو العنف بغض النظر عمَّن يُمارسه، وهذا أمر مهمٌّ بالنسبة لنا، فالعنف لا بدَّ أن يُدان مهما كانت الجهة التي تقوم به، ولا يمكننا أن ننظر للعنف على أنه عنف فقط عندما يأتي من طرف محدد دون الآخر.
صحيفة "دي ﭬيلت": ألا ترين أن هذه ليست وجهة نظر مثالية؟ أليس من حق الأقليات عند نقطة معينة أن تدافِعَ عن نفسها حتى ولو كان ذلك باستخدام العنف؟
"سو كي": لكن ألا تعتقدين أن هذا هو دور الحكومة أن تقوم بالدفاع عن الأقليات؟ هذا رأيي.
صحيفة "دي ﭬيلت": لكن ماذا إذا لم تقم الحكومة بواجبِها في الدفاع عن تلك الأقليات؟ ماذا إذا كانت الحكومة جزءًا من المشكلة؟
"سو كي": أعلم أن الحكومة هي جزء كبير مِن المشكلة، وأنه مِن الواجب عليها بحكم المسؤولية الحيلولة دون تعرُّض الأقليات للعنف، ونحن دائمًا ما نتساءل: ما هي خطة الحكومة في إقليم "أراكان"؟ ولماذا لا تَحول الحكومة دون وقوع أعمال عنف؟ لكن أحدًا لا يهتمُّ بتساؤلاتنا تلك.
صحيفة "دي ﭬيلت": ألا تتأثَّرين عندما تسمَعين عن مصير أقلية الروهينجا؟
"سو كي": بالطبع أتأثَّر؛ ولكن ليس فقط من أجل الروهينجا وحدهم، بل إني أتأثَّر وأتعاطَف مع كل إنسان مُعَذَّب يُعاني.
صحيفة "دي ﭬيلت": لماذا يرى البوذيُّون في بورما أن أقلية الروهينجا المسلمة هي مصدر تهديد لهم؟
"سو كي": لأن البوذيين في إقليم "أراكان" لاحَظوا أن أعداد المسلمين تنمو بشكل رهيب، وبحسب قانون أقره الحاكم العسكري فإن المسلمين غير مسموح لهم بمُغادَرة إقليم "أراكان"، وهذا يعني أن المسلمين مُحاصرون في الإقليم، وأعدادهم تتزايد بشكل كبير، وهو ما يُشعِر البوذيين بأنهم مهدَّدون داخل ذلك الإقليم، ويرون أنه ليس هناك مخرج لتلك الأزمة، فيفكرون في حل تلك المعضلة بأيديهم.
صحيفة "دي ﭬيلت": لكن هذا لا يتطابق تمامًا مع القيم والتعاليم البوذية.
"سو كي": ربما هذا الأمر لا علاقة له بالبوذية، بل أمر إنساني، فتعاليم بوذا تُحرِّرنا من الخوف، لكن كم واحد منا يستطيع التحرر من مَخاوفه؟ الخوف أمر إنساني، والبوذية لا تقول لنا: "لا بد ألا تخافوا"، بل تقول لنا: إننا يجب أن نتجاوز الخوف ونتخطاه، ونحن جميعًا نحاول ذلك.
صحيفة "دي ﭬيلت": ماذا كنتِ ستصنَعين لأقلية "الروهينجا" لو كنتِ في سدة الحكم؟
"سو كي": كنتُ سأسعى لتحقيق دولة القانون التي طالَما نادينا بها، وقد لاحَظَ الجميع أن الشرطة في الهجمات الأخيرة التي وقعت في البلاد لم تكن ترغَب في التدخُّل، بينما أحداث العنف تتصاعَد، حتى تم فرض حظر التجوال في النهاية، لماذا لم يسأل أحد الحكومة عن أدائها؟ ولماذا لم تقم الحكومة بتوجيه الشرطة؟
صحيفة "دي ﭬيلت": هلا توضِّحين الأمر أكثر!
"سو كي": أنا نَفسي أحتاج إلى توضيح، فليس من الحكمة الجلوس مع أشخاص يُحتمَل أنهم يرغبون في قتل أشخاص آخرين أو حرق منازلهم، وكان على الشرطة أن تمنع وقوع مثل تلك الأفعال، ومن أجل ذلك نحن في حاجة إلى دولة القانون، وعندما نحقِّق دولة القانون تلك، يُمكِننا التفكير في إزالة الأسباب التي تؤدي إلى اندلاع العنف.
صحيفة "دي ﭬيلت": لديكِ إيمان قويٌّ في قدرات الحكومة على الحل، لكن ألا ترَين أن الأمر في حاجةٍ إلى ما هو أكثر من ذلك لإحلال السلام في بلد مُنقسِم مثل بورما؟
"سو كي": حتى الماهاتما غاندي نفسه، والذي أحترمه كثيرًا، لا يُمكنه أن يفعل شيئًا لأناس يَقتُل بعضهم بعضًا، في البداية لا بد من إيقاف القتل، وهو ما تستطيع الحكومات وحدها فعله، وعلى الشرطة أن تلتزم وأن تُوقِف العنف.
تعليق المترجم:
في الجزء الأول من المقالة التي بين أيدينا كنا قد أشرنا إلى أن "أونج سان سو كي" ربما تتعرَّض لضغوط ومساوَمات تُجبِرها على التخلي عن نصرة قضية الروهينجا، وربما تفعل ذلك من منظور شعوبي؛ كونها بوذية في الأساس وليست من أبناء أقلية الروهينجا، لكن هذا الحوار يزيل الكثير من الشكوك والتكهُّنات حول موقف تلك السياسية البورمية؛ حيث بدا واضحًا أنها تتنصَّل من مسؤوليتها كسياسية بارزة لها ثقل دولي في إبراز معاناة شعب الروهينجا والتضامن الواضح مع قضيتهم، ونراها تكتفي فقط بانتقاد الأداء الحكومي دون الإشارة إلى الإجرام الذي تمارسه تلك الحكومة في حق مسلمي الروهينجا، بالإضافة إلى أنها لم تتحدَّث عن تهجير المسلمين ولا عن قتلهم وتعذيبهم، ولا عن القوانين المُجحِفة في حقهم، بل نراها تتحدث عن "عنف" متبادَل من جميع الأطراف، كما أنها تُبرِّر - على استحياء - للبوذيِّين ما يقومون به من مذابح في حق مسلمي الروهينجا في إقليم "أراكان"؛ بإشاراتها أن أعداد المسلمين في الإقليم تنمو بشكل هائل، وأن البوذيين يفعلون ما يفعلونه بدافع الخوف من المسلمين.
"أونج سان سو كي" لم تكتفِ بكل هذا، بل راحت تستكثر على الأقلية المسلمة حق الدفاع عن نفسها، مشيرة إلى أن ذلك هو دور الدولة، رغم أنها تعترف في موضع آخر أن الدولة هي جزء كبير من المشكلة، كما أنها تُطالب المجتمع الدولي بالتحدث إلى الحكومة وسؤالها عن ذلك الوضع المأساوي للأقلية المسلمة، وألا يتحدث معها أحد في هذا الشأن، وكأنها غير معنيَّةٍ بالأمر برمَّته.
وحتى عندما سُئِلت عن تعاطُفِها وتضامُنِها مع المظلومين من أبناء الأقلية المسلمة، لم تشأ أن تبدي تعاطَفَها دون الإشارة إلى أنها تتعاطَف ليس مع الروهينجا وحدهم، بل مع كل مَن يُعاني، وبدا واضحًا أن مُحاوري الصحيفة حاولوا الحصول منها على تصريح واضح بالتضامن مع مسلمي الروهينجا، أو إعلان صريح عن إجرام السلطة الحاكمة في بورما تجاههم، لكن دون جدوى.
وأنا هنا أتعجَّب ممَّن يَنتظرون من تلك السياسية البورمية البارزة أن تنتصِر لقضية مُسلمي الروهينجا، وهي ترى القضية كما بَدا مِن تصريحاتها في ذلك الحوار الصحفي.
وأتعجَّب مِن الدافع الذي قد يدفع سياسيةً مثلها تسعى إلى الوصول إلى السلطة إلى الدخول في معركة ينظر إليها الكثيرون على أنها خاسرة، لا سيما أنها تحتاج أصوات البوذيين في الانتخابات المُقبِلة.
وأتعجَّب أكثر من حصول تلك السياسية على جائزة "نوبل" للسلام؟
وأتعجب أكثر وأكثر عندما يُصبح مصير أقلية مُسلمة مضطهدة رهنًا بتحرك الآخرين لا بتحرُّك المسلمين!
فرَّج الله كرب إخواننا في بورما وحقن دماءهم... اللهم آمين!