كثيراً ما كان يواجه المسلمون في دول مختلفة مشكلات ومصاعب لم تكن أقل مما حدث في ميانمار، وكانت تواجه بضعف شديد في المساندة من جانب الدول الإسلامية والعربية، ولم يختلف الأمر كثيراً بالنسبة لقضية مسلمي «الروهينجيا» في ميانمار (بورما سابق)، فالتقارير الدولية التي ترد على استحياء في ظل تعتيم حكومي شديد بتوفير أي معلومات عن وضع المسلمين هناك, تؤكد هذه التقارير أن الأمر لا يمكن أن يكون أقل من عملية تطهير عرقي لا تقل عما جرى لشعب البوسنة والهرسك على أيدي الصرب ولشعوب مسلمة يغطي التعتيم على مآسيها.. ففي الأسبوع المنصرم، ورغم قيام رئيس الوزراء التركي «رجب طيب أردوغان» بزيارة لمعسكرات المنكوبين بصحبة زوجته ووزير خارجيته «أحمد داود أوغلو»، فإن المجزرة لم تتوقف حيث تتواصل حملة الإبادة والتطهير العرقي، فقد قامت قوات الأمن بمرافقة مجموعة من البوذيين بإشعال النيران في قرى المسلمين في مدينة «كيوكتو»، وتم إحراق 320 بيتاً، وقتل 20 مسلماً حرقاً، وهذا ما أعلن عنه بشكل رسمي، إلا أن نشطاء أكدوا أن العدد تجاوز ذلك بكثير، هذا في ظل حملة اعتقالات واسعة في صفوف المسلمين خاصة الشباب، ويقول نشطاء بورميون: إن عدد السجناء من أبناء المسلمين تجاوز الـ10 آلاف سجين، يعيشون أوضاعاً صعبة، بل إن معظمهم لا يُعرف عنه شيء، والكثير منهم قيل: إنه قتل داخل السجن. وقد قامت السلطات البورمية مؤخراً بوضع ملصقات في جميع مدن وقرى المسلمين «الروهينجيين» في آراكان، تتوعد بالإعدام لمن يدلي أو يرسل أي معلومة لأي جهة خارجية، كما تم إحراق 7 قرى مسلمة بأكملها منذ الأحد المنصرم، حتى يومنا هذا، وقام البوذيون سراً وبمساعدة الجيش بتسميم برك المياه والآبار في قرى المسلمين في منطقة «مونغدو» وبلدة «رامري»، وقد مات الكثير بعد شرب الماء المسمم! آراكان.. تاريخ من المعاناة حقيقة ما يحدث في بورما - للأسف - ليس وليد اللحظة، فهي أزمة ممتدة الجذور، وهذا يتطلب علاجاً طويل الأجل بجانب الإغاثة العاجلة، فما يحدث في ميانمار ليس سمة اتسم بها النظام الحالي، بل تاريخ طويل من المعاناة للمسلمين هناك يجب توثيقه. فالتاريخ سجَّل مشاهد لا تقل بشاعة عن تلك التي نسمع عنها ونشاهد جزءاً منها عبر الصور والمقاطع المصورة، ففي عام 1942م تعرض المسلمون في آراكان المسلمة لمجزرة استمرت 40 يوماً راح ضحيتها 150 ألف شهيد مسلم آراكاني، وقد أبيدت منطقة كاملة كان يسكنها المسلمون، وظل الوضع على ما هو عليه حتى عام 1959م، وقد وعدت الحكومة المسلمين بحقوق متساوية مع باقي الشعب. وجاء الجنرال «تي ون» ليحكم بورما عام 1962م، وقد أصدر قرارات أنهت أي أمل أو طموح لدى المسلمين، فقد قرر تحويل ملكية كل الشركات والمؤسسات الخاصة إلى الحكومة؛ مما أدى إلى استحواذ الحكومة على اقتصاد البلد وتجريد المسلمين من قوتهم الاقتصادية، ثم قام بتغيير العمال المسلمين بعمال بوذيين، وأعطى البوذيين حق احتجاز المسلمين وتعذيبهم. King dragon إحدى أهم وأبشع المحطات التاريخية في تاريخ مسلمي آراكان، كان في عام 1978م، حيث تم التضييق على المسلمين بشدة، وتم قتل عدد كبير منهم، واستخدمت أبشع وسائل التعذيب والاغتصاب مع البقية، كان الهدف من هذه العملية إرغام المسلمين على ترك بورما، وقدت أدت العملية إلى وجود ما يقارب 300 ألف لاجئ على الحدود البنجالية، بعد أن قُتل الكثيرون من أهل آراكان، وقام البوذيون بتغيير اسم آراكان إلى «راكيين»، وهو اسم القبيلة المنحدر منها البوذيون هناك. اضطهاد بالقانون ليس أشد بطشاً ولا ظلماً من أن يكون هذا الظلم مقنناً، وهذا ما يحدث في آراكان، فيكفي أن نقول: إن قانون ميانمار يقضي بـ: - لا يحق للمسلمين البنيان باستخدام الإسمنت، فالخشب فقط هو المحدد لهم لبناء بيوتهم. - لإنشاء أي شركة تجارية يجب أن يشارك البوذي المسلم، ويمتلك 50% من الشركة دون أن يساهم برأس المال. - يُحرم المسلمون من استخدام المرافق الحكومية بما فيها المستشفيات. - يُُحرم على المسلمون الدراسة في الجامعات أو العمل الحكومي. - يُمنع المسلمون من امتلاك خطوط هواتف أرضية أو نقالة، وكذلك يُمنعون من امتلاك السيارات. - يحق للشرطة الدخول لمنازل المسلمين وإلقاء القبض عليهم دون تصريح، ولا يحق للمسلمين الدفاع عن أنفسهم. - يُمنع المسلم من زيارة أقاربه في قرية مجاورة إلا بتصريح. - يُحرم المسلم من أي إثبات لهويته أو جنسيته. - يُجبر المسلمون على العمل عند البوذيين بدون مقابل. اجتماع تنسيقي كانت منظمة التعاون الإسلامي قد عقدت اجتماعاً دولياً في الثالث من أغسطس الجاري، وبحضور ممثلي بعض الجمعيات الخيرية الفاعلة في العالم العربي والإسلامي، وبحضور مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة. وخرج الاجتماع بعدة توصيات تم طرحها على اجتماعات منظمة التعاون الإسلامي والقمة الإسلامية المنعقدة بمكة المكرمة يومي 14 و15 أغسطس الجاري، وكانت أهم تلك التوصيات هي مطالبة حكومة ميانمار فتح المجال لدخول المساعدات الإنسانية بشكل عاجل وفوري، بجانب تنظيم حملة إعلامية دولية في أجهزة الإعلام، بما فيها الإعلام الاجتماعي؛ لتبادل المعلومات حول الأزمة الاجتماعية طويلة الأمد هناك، وما ترتب عليها من عواقب إنسانية صعبة، هذا بجانب أن يتم تشكيل لجنة دائمة على مستوى منظمة التعاون الإسلامي لمعالجة الأزمة الممتدة. دموع سيدة تركيا في مشهد مثل قطر غيث للمسلمين في بورما، ورسالة درامية لمسلمي العالم، كانت زوجة رئيس الوزراء التركي «رجب طيب أردوغان»، وبحضور وزير الخارجية التركي «أحمد داود أغلو»، يشاهدها العالم وهي تكفكف دموعها أثناء لقائها مع بعض أبناء بورما المنكوبين، حيث دلت انفعالاتها على حجم المأساة التي يعيشها هؤلاء المستضعفون، وقد كانت زيارة زوجة «أردوغان» ووزير خارجيته في إطار السعي لإغاثة مسلمي بورما من حرب التطهير العرقي. ورغم هذه الزيارة وما سبقها من خطوات على مستوى المنظمات الدولية التي أدانت الأحداث، فإن مشاهد القتل وأخبار الاضطهاد مازالت تتوالى، ومازلنا نتساءل: هل فقط سيكفي لحل مشكلة هؤلاء المسلمين أن نطعمهم ونكسوهم لوقت ثم نرحل، أم سيكون هناك حلول جذرية لأزمة ممتدة لعقود خلت؟
المصدر المقالة : المجتمع