وكالة أنباء أراكان ANA: (المجتمع)
«969».. منظمة دينية بوذية مغلفة بالتعصب المقيت حتى باتت رمزاً لكيان يسعى للقضاء على شركاء في الوطن ويسبقونهم في التاريخ
من الصعب أن تجد رجال دين يحملون سيف القتل والإجرام وهذا هو حال رهبان البوذية الذين يقودون «منظمة 969»
يزداد الأمر سوءاً إن اقترن حب المعتقد بجهل وأمية أو شهوة وسلطة، وهو ما سماه الله عز وجل: «اتباع الهوى» تجلى ذلك في مآسٍ إنسانية كبيرة بعضها نعيشه واقعاً الآن؛ مثل إجرام الصهيونية في فلسطين، والصين مع الأويجور، وإيران مع مسلمي البلوش السُّنة.
وفي ميانمار (بورما سابقاً) تظهر الصورة بوضوح في تحالف بين رجال العسكر المتحكمين في السلطة بدعم ومساندة من رجال الدين الطائفة الأكثر عدداً هناك في ميانمار، وقد بدأ هذا التحالف عام 1962م، وبحسب وكالة «إيرين»، قال ائتلاف «أكسفورد بورما» (OBA)، وهي جماعة حقوقية في جامعة أوكسفورد في لندن تعمل على تعزيز حقوق الأقليات العرقية في ميانمار: إن السياسة البورمية تشجع البوذية المتجانسة، أي الهوية البورمية من خلال اضطهاد الدولة لغير البوذيين القائم منذ أمد طويل، وقد بلغ إجرام الرهبان البوذيين أن قاموا بتنظيم عدة مسيرات واحتجاجات عارمة في آراكان للمطالبة بطرد المنظمات الإغاثية العاملة في مناطق وجود اللاجئين الروهينجيين ومنع الوفود الدولية من زيارة مخيماتهم التي تزداد أحوالها المأساوية سوءاً يوماً بعد يوم في تحدٍّ لكل القيم والمعايير الإنسانية.
قصة «969»
هي حركة دينية أساسها عقائدي دينها البوذية المغلفة بالتعصب المقيت والجهل للقيم الإنسانية، بحيث أصبحت حركة ترمز لكيان يسعى للقضاء على مجموعة أخرى من البشر يشاركونهم الأرض ويسبقونهم في التاريخ؛ وهم المسلمون، فهي حركة قومية بوذية متطرفة، أسسها راهب في ماندالاي في فبراير عام 2013م، ويتزعم هذه الحركة الآن الرهب البوذي المتطرف «ويراثو»، وتشير الأرقام (969) الاسم لمآثر بوذا وتعاليمه ورهبنته، حيث تشتق الأرقام من سمات بوذا التسع وسمات دارما الست وسمات الرهبنة التسع.
قادة هذه الحركة من الرهبان يتمترسون خلف دعوى لا إنسانية وهي قتل المسلمين وطرهم، وقد بدأ الأمر بمقاطعة المسلمين ووصل إلى مرحلة القتل ثم الإبادة عبر اقتراح القوانين والعمل على إصدارها والتي من شأنها تقنين الاضطهاد والإبادة بحق المسلمين تحت دعوى حماية البوذية وأتباعها.
وقد نشرت وكالة «رويترز» خبراً قبل عام عن بشاعة هذه المنظمة ودعواتها المناهضة للقيم الإنسانية، أشارت الوكالة إلى أن هذه الحركة أصبحت رمزاً لتيار يسعى إلى عزل المسلمين الذي يشكلون 5% على الأقل من تعداد ميانمار البالغ 60 مليون نسمة، ورغم صدق الخبر في مضمونه فإن التصحيح الواجب هو أن نسبة المسلمين بلغت 15% من تعداد السكان في ميانمار نصفُهم في إقليم آراكان ذي الأغلبية المسلمة.
خطب بطعم الكراهية
من الصعب عندما تجد رجال الدين هم من يحملون سيف القتل والإجرام بل من الظلم أن يكون رجل الدين هو المادة المشتعلة التي توضع كي تحرق الآخرين بدون وجه حق، وهذا حال رهبان البوذية الذين يقودون منظمة «969»، ففي عام 2013م ألقي «ويراثو» وهو أحد قادة هذه الحركة وأكثر رهبانها تشدداً خطبة في يانجون حرض فيها صراحة على مقاطعة المسلمين، مدعياً أنهم خطر على البوذية، وأنهم يسعون لقتلهم، ومن الغريب أن هذه الخطبة وأمثالها التي تعتبر عظات لأتباع هذه الطائفة بشكل واسع، حيث نقلت بعض الصحف عن ناشطين روهينجيين قولهم: إن الأسطوانات التي تحمل هذه العظات هي من المواد الأكثر انتشاراً ومبيعاً هناك.
وللعلم، فقد أودع «ويراثو» السجن لتحريضه على أعمال شغب ضد المسلمين عام 2003م وأفرج عنه في عام 2012م حين أطلقت الحكومة سراح مئات من السجناء السياسيين.
وقد اتهمت منظمة «هيومان رايتس ووتش» الحكومة بعدم القيام بما يلزم لوقف خطاب الكراهية الذي يبثه هو وسائر الرهبان البورميين.
وتعليقاً على هذا الموضوع، قال «فيل روبرتسون»، نائب المدير التنفيذي لمنظمة «هيومان رايتس ووتش» في جنوب شرق آسيا: «الحكومة لا تنفذ القاعدة القانونية الأساسية لمحاسبة المحرضين على العنف، فإذا كنت تحرض وتنخرط في أعمال العنف فينبغي أن تخضع للمساءلة، سواء كنت ترتدي رداء الرهبان البوذيين ذا اللون الزعفراني الأصفر أم لا».
ويرى «جرايسون» أنه في حين أن المُثُل العليا للنصوص الدينية البوذية تحض الناس على السلام والسلمية، لكن أوجه التباين بين الواقع والتعاليم «تزدهر بسهولة» في أوقات انعدام الأمن الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، مثلما هي الحال في مرحلة الانتقال الحالي للديمقراطية في ميانمار.
المبرر من عقيدتهم
حينما تسمع عن حجم العنف الممارس من قبل الجمعات البوذية وأفرادها المنتمين لها ربما يستغرب البعض خاصة إن كان عالماً ببعض ما تدعو لها البوذية من تعاليم، خاصة أنها تؤكد السلام واللاعنف، لكن واقعياً يحدث غير ذلك حيث نجح الرهبان المتشددون الدمويون في تحريف مبدأ «الأهيمسا» (ahimsa) أو اللاعنف، الذي يعتبر أحد المبادئ الخمسة الأساسية للتعاليم البوذية، وقد قام المتشددون بتحريف هذا المبدأ وفقاً لادعاء الدفاع الشرعي عن النفس ومدخل النية على حد زعمهم (في إشارة إلى مبدأ بوذي آخر يُعرف بالتناسخ)، وقد استخدم الرهبان المتشددون وأتباعهم في ميانمار هذا الاعتقاد بغية تبرير تجريد المسلمين من الإنسانية، وتصنيف العنف ضدهم باعتباره نوعاً من أنواع الدفاع عن النفس، ما دام بالإمكان إثبات «حسن نوايا» الرهبان.
وحول هذه النقطة عبر وكالة «إيرين»، قال «مايكل جرايسون»، أستاذ الدراسات الدينية، والمحرر المشارك لدراسة بعنوان الحروب البوذية، وهي دراسة صدرت في عام 2010م: «في التقاليد البوذية، النية تُعد استثناءً من القاعدة عند ارتكاب العنف»، وأضاف: «إذا اعتبر العنف وسيلة لحماية البوذية وكان لدى مرتكبه أفكار طاهرة تهدف لمساعدة البوذية أو الدفاع عنها، عندئذ يصبح مقبولاً».
لكن أعضاءً في الطائفة البوذية الدولية أدانوا ما أسمونه التلاعب بالاستثناء لتبرير العنف، وقال «ريتشارد جومبريتش»، مؤسس ومدير «مركز أوكسفورد» للدراسات البوذية، في إشارة إلى استمرار العنف ضد المسلمين في ميانمار وسريلانكا وجنوب تايلاند: «نشعر بالخجل الشديد من المعاملة المُروعة التي تتم تجاه المسلمين الآن في بعض الدول البوذية».
هكذا تتحرك عصابات بوذية تتستر قيادتها خلف ستار الدين يحميها نظام عسكري قمعي كل هدفه أن تظل مصالحه محمية عبر الأكثرية الحاقدة في ظل نظام دولي متخاذل يحقق مصالحة بالسيطرة على قادة هذه الدولة المحورية التي تمثل نقطة مهمة في خريطة العالم بين الشرق والغرب؛ الشرق بقيادة الصين وروسيا، والغرب بقيادة الولايات المتحدة وأوروبا.