[caption id="" align="alignleft" width="300"] بين ميانمار وسوريا[/caption]
شكراً لقناة الجزيرة لبثها فيلماً وثائقياً من إنتاجها، تكشف فيه مجازرَ شعبِ روهنجيا في آراكان في دولة بورما. والذي بثته مساء السبت الواقع فيه 8/12/12، وأظهرت من خلاله الإبادة الخفية لمسلمي ميانمار .
لقد انتهيت لتوّي من مشاهدة الفيلم، فانتابني الصداع والقلق من ظلم الإنسان وتلذّذه برؤية دماء الأبرياء. وكأنّ «دراكولا» بُعِثَ من جديد ليكون دولة لا فرداً. ورحت أتساءل: كيف تقع مثل هذه الأحداث والمجازر الرهيبة في ظل القرن الواحد والعشرين، وتحت سمعِ العالم وبصرِه، وبتنفيذ همجيّ من دولةٍ عضو في الأمم المتحدة؟ ثم كيف لا يتحرك العالم، ولا يُدعى مجلسُ الأمن، ولا تحتجُّ منظماتُ حقوق الإنسان، وتطلب إحالة حكام تلك الدولة الجائرة على محكمة الجنايات الدولية؟ ثم كيف لا تثور حمية المسلمين ــ لا أقول في العالم العربي الممزق وذي المجازر الكبرى في سوريا والعراق والصومال ــ، ولكن في الدول القريبة من ميانمار، وبخاصة بنغلادش التي ترفض بكل أسف استقبال المسلمين الفارين من ميانمار،وهي جارتهم الحدودية، مخالفةً بذلك تعاليم دينها الأمجد، والقوانين الدولية التي تُلزم بإغاثة الفارّين من حرب أهلية. وكذلك الهند وباكستان وماليزيا وإندونيسيا جيران آراكان في بورما البوذية.
أمّا تلك الصرخات الخافتة من هنا وهناك، فهي لا تعدو صفيراً ضعيفاً في صحراء التِّيه لا جدوى منها. فصراخ أطفال الميانمار يتعالى وهم يلقون في النار!! وصرخات نساء اغتصبن بشراسة فاقت همجية الصرب ضد مسلمات البوسنة وكوسوفو. فكما كان هناك كان هنا في ميانمار: مقابر جماعية وقرى محروقة، وتهجير مخيف، وتعذيب يتفننُ به المجرمون السفاحون،ومن أوصال تُبتر، ونساء يغتصبهنّ جنود الدولة. وإحداهنّ حكت أمام عدسة الجزيرة بأن عشرين جندياً اغتصبن امرأة ثم ماتت!!!. إنّ صرخات الأطفال والنساء والشيوخ تحتاج أكثر من صرخات، إنها تحتاج إلى فعل يوقف السفاحين عن مجازرهم البشعة.
انه لمن المؤسف، أن المسلمين في العالم لم يفعلوا شيئاً، وقليلةٌ هي الدول التي استنكرت، وحتى من استنكر من دول ومنظمات، لم يكن استنكارها بالمستوى المطلوب. أما الإغاثة فشبه معدومة، ولم تكن بالشيء الذي يُذكر فيُسجّل !! بينما تستمر معاناة الروهنجيا مع استمرار إبادة لا تزال تُنْشب أظفارَها في شعب حُظّر عليه حقُّ الحياة، فقتلوه واضطهدوه وذبحوه وحرقوه تحت ظلال كثيفة من صمت أممي رهيب.
شكراً للجزيرة على فيلمها الوثائقي، فهي قد ساهمت مساهمة لافتة في كشف القناع، وإزاحة الستار عن الإبادة الخطيرة في حق شعب الروهنجيا المسلم، وأطْلَعَتِ العالم على هول ما يجري، ووثقت الجرائم وتركتها تتحدث عن نفسها: كيف يكون الظلم والاستبداد؟ وكيف يقتل البوذيون المسلمين ويُبيدونهم بلا هوادة!!.
صحيح أنّ أوباما رئيس أميركا، كان في أولى زياراته، بعد فوزه بالرئاسة الأميركية الثانية، لدولة ميانمار أثار مسألة مسلمي الروهنجيا مشكوراً، لكن لم تهدد الحكومة هناك بمقاطعة اقتصادية على الأقل. وعلى هذا، حُقَّ لنا أن نتساءل: وماذا بعد؟ هل ستتوقف الإبادة؟ وهل سيعود المسلمون المهجَّرون والجرحى وهل سيتم الإفراج عن المعتقلين؟ وهل ستُبنى البيوت والقرى المحروقة؟ وهل سيسمح البوذيون لهم بالزواج والإنجاب والتجارة والتعليم؟ وهل اقتنع البوذيون بحق المسلمين في الحياة؟ وهل ستُعوِّض عليهم حكومة ميانمار وتعتذر، أم ستستمر في حربها الالغائية المجرمة!! ؟ لكن ما نعرفه يقيناً، أن الرئيس أوباما تسلم من طفلة على أرض المطار باقة وردٍ، قد تكون رُويت بدماء أطفال مسلمين!!!.
عجيب أمر الدول، وأمم الأرض ومجلس أمنها الدولي، حيث يمارسون لعبة الصيف والشتاء على المكشوف، دون أدنى درجة من الحياء والخجل، أو هما غير موجودين في قاموس الدول الكبرى. فها هم يعلنون استقلال تيمور الشرقية في إندونيسيا المسلمة مثلا بين ليلة ضحاها، فتصبح دولة عضواً في الأمم المتحدة، بينما شعب روهنجيا في منطقة آراكان في بورما يُحرم من حق الحياة، فلا تكترث له الدول، بل يُترك لمصيره في إبادة بوذية رهيبة، وكلُّ ذنبه أنه مسلم. بينما المسلمون في العالم غافلون!
كتبت الأسطر أعلاه وقد تناسيت، لوهلة قصيرة، شعب سوريا الأبيَّ البطل، كيف يُبيده حاكمه الطاغية؟ وكيف ترمي طائراته براميل المتفجرات ويُقْذَف بالصواريخ؟ وكيف يرتكب شبيحته الذبح والاغتصاب والتعذيب، وكل أنواع القتل المُذلّ، بل ودفن الأحياء أطفالا ونساء وشيوخاً، وقطع أعضاء الجسد واحداً تلو الآخر، بل والتنكيل به ذبحاً وركلاً وضرباً حتى بعد الموت.
بينما تترك أممُ الأرض «المتحضرة» شعب سوريا لمصيره، سحابة أكثر من عشرين شهراً حتى تاريخه، ويستمر هذا الشعب البطل العظيم في تقديم الدماء دفاقة سخية، وحتى اليوم، هناك أكثر من خمسمائة ألف شهيد وجريح، وملايين المشردين واللاجئين !! بينما ينهار اقتصاده وتدمَّر مدنُه وقراه، وأيضاً قوته العسكرية التي رضي بتمويلها، لأنَّ الحكام وعدوه أن تستخدم في مواجهة العدو الإسرائيلي. فإذا بالعدو مرتاح منذ أكثر من أربعين سنة. بينما تحولت أفواه الراجمات والصواريخ والرصاص إلى صدور الشعب تفتك بهم قتلاً وقصفاً: بشراً وشجراً وحجراً كما فعلت من قبل في بعض مناطق لبنان وأخص بالذكر طرابلس الفيحاء.
لكن لماذا نعتب على أمم الأرض ؟ ألم تنتفض أميركا وتتململ أوروبا؟ فها هم، ولله الحمد، يعترفون بالائتلاف السوري ويعتبرونه ممثلاً للشعب كما هم يهددون ويحذرون أنّه إذا ما استخدم (الأسد) الأسلحة الكيماوية والجرثومية ضد شعبه، فذاك يعني تجاوزه الخط الأحمر ولا يقبلون به. ألا يعني ذلك، أن ما استخدمه الطاغية من طائرات نفاثة وعامودية لتلقي بالبراميل المتفجرة، عدا الأطنان من القنابل والصواريخ، بينما آلاف الدبابات تتحرك على الأرض إضافة إلى المجازر وألوان التعذيب...كل ذلك هو دون الخط الأحمر في عرف الدول المحتكرة لنفسها النفوذ في العالم الثالث!! ؟
إنّ كل ما يفعله النظام وما يفعله (الأسد) لا يستحق بعرف بعض الدول الكبرى قراراً من مجلس الأمن، لا تحت الفصل السابع ولا السادس ولا حتى تحت الصفر. (فالأسد) الطاغية لم يستعمل بعد الإبادة ضد شعبه بالكيماوي وهذا يكفي... وكفى الله العالمَ شرَّ القتال!! نقول: وما ينفع التحذير إذا قال الأسد أيضاً عليَّ وعلى أعدائي يا كيماوي، ويا جرثومي، ويا فسفوري. والذي بدأ، لتوه،باستخدامه. ومع هذا لم يُحرّك هذا الاستخدام ضمائر الدول؟؟!!!.
بقول واحدٍ حازم: مسلمو ميانمار وشعب سوريا لعنتان في جبين القرن الواحد والعشرين،. وكلتا اللعنتين تضافان إلى اللعنات الكثيرة الملتصقة بجبين الدول. ولعل أهمها مذابحُ فلسطين وتهجير شعبها واصطناع دولة إسرائيل، واحتلال كشمير وإلحاق ثلثيها بالهند، والحروبُ اللبنانية ومذابحها الرهيبة، واعتداءات إسرائيل عليه أيضاً، ومذابح الشيشان وكوسوفو والهرسك، وحربُ أفغانستان وغزو العراق. كل ذلك ألا يُثْقل كاهل (الأمم المتحضرة التي احتكرت قيادة العالم) بدءًا بالهند وروسيا، مروراً بالصرب في يوغوسلافيا، وانتهاء بأوروبا وأميركا. وعلى هذه الأخيرة تُلقى اللعنات!!!
المصدر/ اللواء