[caption align="alignleft" width="300"]دموع أركان[/caption]
| كمال علي الخرس |
صورة لطفلة صغيرة تهرول عارية وهي في حالة رعب من القصف على إحدى القرى الفيتنامية، هزت ضمير العالم وأثرت في إنهاء القتال في فيتنام، صورة واحدة فعلت الكثير، لكن كم صورة يجب ان يحكيها التاريخ، وتنشرها حية وسائل الاعلام عن مأساة شعب الروهينجا المسلم في ميانمار، حتى يستيقظ العالم وينقذ شعب يعاني لقرون؟
شريط طويل من الأرض، يطل جنوبه على خليج البنغال، ويفصله طبيعيا في الشمال عن بورما او ميانمار جبال اركان وهي امتداد لسلسلة جبال الهمالايا الشاهقة. كانت تسمى سابقا اركان، والآن هي ولاية راخين تابعة لدولة ميانمار، في هذه الولاية يعيش شعب الروهينجا المسلم، هم ليسوا فئة مضطهدة فقط، انهم فئة مسحوقة بكل ما تعني الكلمة من معنى، قرون تلتها عقود اخيرة من القمع والقتل والتهجير والإذلال يعيشها شعب بكامله، شعب يُعامل كأنه غريب في أرضه من قبل اقوام هاجروا إليها لاحقا، وليس لهم من ذنب سوى عقيدتهم.
اركان الذي يروي بعض المؤرخين ان الاسلام دخلها عن طريق التجار المسلمين في القرن الثامن الميلادي، وبعد اعجاب الناس بأخلاقهم وتعاملهم بدأ الإسلام في الانتشار. وبعد قرون وفي القرن الخامس عشر أصبح لاركان ملك مسلم، واستمر الحكم حتى سنة 1784 بعد مرور ثمانية وأربعين ملكا حكموا اركان لفترة تقارب ثلاثة قرون ونصف قرن. لكن في هذه السنة حدث تحول كبير، يمكن ان يكون ضمن التراجع الذي شهده العالم الاسلامي بشكل عام إذ احتل احد الملوك البوذيين اركان وبدأوا في سياسات اضطهاد وطمس لهوية اركان.
المكتبات العلمية التي كانت البلاد تزخر بها ودور العلم والعبادة، والثقافة الاسلامية كلها اصبحت اهدافا مفضلة للملك المُحتل. بعدها بقرن من الزمان تقريبا بدأت الحقبة الاستعمارية التي اتبعت سياسة فرق تسد، ولو ان في هذه الحقبة بعض فترات الهدنة والراحة لشعب الروهينجا المسلم، إلا انه اثناء الحرب العالمية الثانية وتحديدا في عام 1942 بدأت عمليات إبادة لشعب الروهينجا، ضمن هجمات منظمة راح ضحيتها عشرات الالاف من ابناء الشعب وحرقت قرى بكاملها، وتم استهداف الآلاف من النخب العلمية والدينية والثقافية من هذا الشعب المظلوم، والمغلوب على أمره.
مرحلة مظلمة اخرى لشعب غير معترف به في أرضه جاءت مع حكم العسكر الذي استلم السلطة في بورما او ميانمار عام 1962، فقد اتبعوا سياسة تنكيلية ضد المسلمين الروهينجا، من تهجير جماعي، الى مصادرة أراضٍ، الى منع تنقل، حتى وصل الامر الى عدم الاعتراف بهم كشعب اصلي وإنما مهاجرون غير شرعيين على ارض اركان، أرضهم التي عاشوا فيها لقرون. وكانت اولى الجرائم التي قام بها العسكر في بورما عند تسلمهم زمام السلطة، تهجير نحو ثلاثمائة ألف من الروهينجا خارج وطنهم. وفي عام 1978 قامت السلطات العسكرية هناك بتهجير نحو نصف مليون من المسلمين من اركان، وقت مات في ظروف التهجير القاسية اربعون الفا اغلبهم من النساء والأطفال والشيوخ، حتى ان المنظمات الإنسانية الدولية اصبحت تطلق على الروهينجا تسمية اكثر الاقليات اضطهادا في العالم.
شعب يتعرض في هذا العصر الذي يقال عنه عصر حقوق الانسان وعصر الحريات الى أقسى درجات الاضطهاد والظلم والتنكيل، من غالبية تسلطت عليه فأذاقته الويلات، من تهجير ومن عمليات ابادة جماعية، وحرمان من المواطنة، ولا يقدم احد له سوى جرعات مسكنة فقط لا تضمد ولا تشفي جراحاته الغائرة.
كم قرن من الزمان يحتاج الانسان في اركان أن يقيم في أرضه حتى يُمنح صفة مواطن، أو يُمنح صفة إنسان؟ كم قرن من المآسي وكم ألف وألف روح يجب أن تزهق حتى تتحرك الضمائر فتوقف الجريمة المنظمة المستمرة ضد المسلمين في آركان؟
لو يخصص آدمي ساعة واحدة من يومه لمشاهدة الصور المؤلمة وقراءة القصص الحزينة عن مأساة الإنسانية في اركان، لخاطب نفسه بعدها قائلا، لو كان لقارة آسيا مقلتان لأجرتا الدمع حزنا على اركان.
المصدر / alraimedia