وكالة أنباء أراكان ANA | الحياة
لا شك أن الإسلاموفوبيا منتشرة بين العديد من الشعوب الغربية ولها جذور تاريخية، وكثيراً ما تترجم إلى إجراءات تعسفية تصل إلى أعمال عنف ضد المسلمين في تلك الدول. ففي الولايات المتحدة، على سبيل المثال، تبلغ الاعتداءات على المسلمين، وفق إحصاءات الـ «إف بي آي»، ما بين 100 و150 سنوياً منذ حادثة 11 أيلول (سبتمبر) 2001، وفي إنكلترا قد تصل إلى أكثر من 500 حادثة اعتداء سنوياً في الوقت الحاضر، وكذلك الأمر بالنسبة الى دول أوروبية أخرى. غير أن العنف الذي تولّده هذه الظاهرة في الدول الغربية، لا يمثل سوى نقطة صغيرة في بحر العنف الناتج من الإسلاموفوبيا على المستوى العالمي، خصوصاً في بلدان شرق آسيا أمثال ميانمار (بورما) وسري لانكا والصين والهند، الذي للأسف لا ينال التغطية الإعلامية الجديرة به، خصوصاً في الإعلام العربي والمسلم باستثناء القليل منه.
في ما يلي قصة ترهيب المسلمين في ميانمار.
جمهورية ميانمار (بورما سابقاً) حيث الغالبية الساحقة والحاكمة تتبع الديانة البوذية (حوالي 90 في المئة من السكان في التعداد)، لم تكن يوماً مثالاً للتسامح الديني مع المسلمين أوالمسيحيين أو الهندوس أو أية من الأقليات الـ135 المعترف بها رسمياً. غير أنها، وباعتراف جميع المراقبين الدوليين، لا تتعامل مع أي منها بالوحشية والعنف اللذين تتعامل بهما مع المسلمين الذين يشكلون حوالي 5 في المئة (أي 2،2 مليون شخص) من الشعب، وخصوصاً مع المجموعة الإثنية المسلمة المعروفة بالروهنغيا التي تشكل نصف المسلمين أو أكثر في البلاد، وتعيش في غالبيتها في شمال ولاية أراكان غربي ميانمار.
بعد تظاهرات ومواجهات حصلت بين الروهنغيا والبوذيين في الولاية راح ضحيتها 300 قتيل و140000 شخص مهجر، غالبيتهم الساحقة من المسلمين، تكثفت حملة ضد المسلمين عامة ووضعت أعداداً كبيرة من الروهنغيا في ما يشبه معسكرات اعتقال أو حاصرت قراهم وبلداتهم، بالاشتراك مع الدولة، وحركات بوذية تباركها الدولة مثل حركة 969 التي تستمد إسمها من التعاليم البوذية الدينية ويرأسها الراهب البوذي المتطرف أشين ويراثو. حُرم سكان المعسكرات والبلدات المحاصرة، من الخدمات الطبية التي كان يوفرها «أطباء بلا حدود» حصرياً، بعد أن طردتهم الدولة من تلك المناطق وقام المتطرفون البوذيون بالاعتداء على مقراتهم تحت عين السلطات المحلية، كما يقول نيكولاس كريستوف في «نيويورك تايمز». لا تسمح الدولة بإنشاء مدارس في المناطق التي يسكنها الروهنغيا، كما تحرم هذه المناطق من الاستثمارات الضرورية لخلق فرص عمل. ويضيف كريستوف: ما رأيت في حياتي سوء تغذية أوسع مما هو موجود بين الروهنغيا، ولكن في هذه المعسكرات والبلدات يعود السبب إلى سياسة الحكومة المتعمدة. كما تتعرض الروهنغيا، إضافة إلى هذا كله، للضرب والتعذيب بين الحين والآخر من السلطات المحلية، وفق افتتاحية حديثة في الجريدة نفسها.
تقوم الدولة بسنّ قوانين موجهة الى المسلمين ومجحفة بحقهم، كتلك التي تحرم الزواج المختلط وتحدد عدد الأطفال لأسر الروهنغيا بولدين لا أكثر. كما سحبت الدولة الجنسية من هذه المجموعة من السكان على أساس أنها بنغالية (من بنغلاديش) لاجئة في ميانمار، على رغم أن الروهنغيا تعيش في البلد على الأقل منذ القرن الثامن عشر، والمسلمين في شكل عام منذ القرن الثاني عشر، كما لم تشمل الروهنغيا في التعداد الأخير للسكان لأن هذه المجموعة بنظرها أجنبية. يقول رئيس جمهورية ميانمار تين سين: سنرسلهم إلى خارج البلاد. إنهم في البلاد بصفة غير شرعية، وسنطلب من الأمم المتحدة مساعدتنا للتخلص منهم. أما الأمم المتحدة فقد أدانت في المقابل مرات عدة معاملة ميانمار للروهنغيا الذين تعتبرهم مواطنين ميانماريين. ولتبيان الإسلاموفوبيا المتجذرة هناك، نذكر التظاهرات التي حصلت في البلاد خلال زيارة وفد من منظمة التعاون الإسلامي حديثاً، حملت شعارات معادية للإسلام.
نتيجة لكل ذلك، يحاول الآلاف من المسلمين، خصوصاً الروهنغيا منهم، الهرب من ميانمار إلى ماليزيا، مروراً بتايلند، على أساس أن ماليزيا هي دولة إسلامية قد ترحّب بهم. عشرات الألوف أخذوا هذا الخيار.غير أن الرحلة إلى ماليزيا مليئة بالمخاطر، في الطريق وبعد الوصول.
تأسست مافيا للتهريب تتنافس فيها شرطة ميانمار مع مهربي القطاع الخاص. الشرطة تطلب مئة دولار للشخص لرحلة بحرية، بينما يتقاضى مهربو القطاع الخاص تعرفة أقل وفق «نيويورك تايمز». أما القلة الميسورة من المسلمين، فباستطاعتهم الحصول على أوراق رسمية وبطاقة سفر بالطائرة الى ماليزيا، بما يعادل 4000 دولار للشخص لرحلة لا تتجاوز تسعين دقيقة تكلّف 88 دولاراً للراكب العادي. معظم الأموال هذه، تذهب إلى موظفي الجمارك في ميانمار.
الرحلة بالبحر قد تنتهي بغرق المركب لثقل حمولته وقدمه، فخلال السنة الماضية فقط يقدر عدد المفقودين في البحر من الروهينغيا بألفي شخص. في الطريق كثيراً ما يبيع المهربون حمولتهم لمسؤولي الهجرة في تايلند، الذين يبيعونها بدورهم لأشخاص آخرين كرقيق (عبيد) ليعملوا في المزارع الكبرى في تايلند أو على المراكب. أما الذين تسوّل لهم أنفسهم الهرب، فالعقاب صارم يصل وفق التقارير إلى قطع أربع أصابع من اليد اليمنى.
أما بالنسبة الى الذين يصلون في النهاية إلى ماليزيا، فكثر منهم يُلقى القبض عليهم ويوضعون في أقفاص في العراء، وآخرون يباعون لمافيات تعمل في الإتجار بالأشخاص تجبرهم على العمل في مجال الدعارة أو العمل بالسخرة. بسبب هذه المعاملة، التي يصفها تقرير وزارة الخارجية الأميركية حول الإتجار بالأشخاص الصادر في حزيران (يونيو) الماضي، قررت الإدارة الأميركية خفض تصنيف ماليزيا في مجال الإتجار بالأشخاص إلى أقل مستوى (الثالث) أي الأسوأ، ووضعها في مصاف دول ككوريا الشمالية وزيمبابوي وإيران وغامبيا وغيرها. لماذا يغامر هؤلاء في تحمّل مخاطر الرحلة؟ الجواب جاء على فم أحد المهاجرين في برنامج عن الموضوع بثّته قناة «الجزيرة»، حين قال إن الموت السريع خلال الرحلة أفضل من الموت البطيء في معسكرات ميانمار.
على رغم ما تقدّم، تبقى الدول العربية والإسلامية صامتة إلى حدّ كبير، وكذلك دول الغرب والمجتمع الدولي عموماً، باستثناء تحرك خجول للإدارة الأميركية. فهذه الإدارة تثمّن تحول ميانمار السياسي نحوها وبعيداً من الصين لما لموقعها الجغرافي من أهمية استراتيجية، ولذلك تتعامل مع مسألة الروهنغيا بكثير من التأني والحذر. وفي خطاب أمام حشد من الشباب خلال زيارة إلى ماليزيا في نيسان (أبريل) من السنة الماضية، ذكر أوباما أن «هناك أقلية مسلمة في ميانمار تنظر إليها الغالبية بفوقية، وحقوقها ليست مصانة في شكل كامل»، من دون ذكر الدور المشين الذي تؤديه تايلند وماليزيا في هذا المجال. في المقابل، في الخطاب الذي ألقاه أوباما في الكلية الحربية الأميركية في الشهر التالي، أتى على ذكر الديموقراطية الناشئة في ميانمار كأحد الإنجازات الديبلوماسية لإدارته، أي من دون الدخول في حرب جديدة. وكانت الإدارة الأميركية دعت رئيس ميانمار تين سين، الى زيارتها في تموز (يوليو) 2012، مشيدة به خلال الزيارة بأنه «مصلح جريء» على رغم التظاهرات المعادية للزيارة أمام البيت الأبيض، وعلى رغم أن مذبحة الروهنغيا تلك السنة لم يكن قد مضى عليها سوى بضعة أشهر.
ولكن، تحت ضغط سلسلة من التقارير التي نشرت حديثاً، في شكل أساسي في «نيويورك تايمز» بين الصحف الأميركية الكبرى، نتيجة زيارات قام بها محرروها (أمثال نيكولاس كريستوف وجاين برليز) إلى ميانمار ابتداءً من أوائل السنة الماضية، اضطرت الإدارة الأميركية بشخص رئيسها، الى التعاطي مع مسألة الأقليات في ميانمار، خصوصاً الروهينغيا، بشيء من الصراحة وكثير من الدبلوماسية. فخلال زيارة أوباما إلى ميانمار في تشرين الثاني (نوفمبر) من السنة الماضية، اعترف الرئيس الأميركي بأن ميانمار قصّرت في تقدّمها نحو الديموقراطية وتعاملها مع الروهنغيا، قائلاً في مؤتمر صحافي مع أونغ سان سو كي البورمية الحائزة جائزة نوبل للسلام بسبب نضالها في سبيل الديموقراطية وحقوق الإنسان في بلدها: «التمييز في المعاملة بالنسبة الى الروهنغيا أو أية أقلية دينية، لا يؤدي في رأيي في الأمد البعيد إلى نوعية من البلاد تريدها بورما». وعلى ذكر سو كي، تجدر الإشارة الى أنها ترفض ذكر الروهنغيا في خطاباتها لأنها تأمل في الوصول إلى رئاسة الجمهورية على رغم الاستياء الواسع دولياً من ذلك، وعلى رغم أن الحكومة تمنعها من خوض الانتخابات بسبب زواجها من أجنبي.
في الخلاصة، ما زال المجتمع الدولي صامتاً إلى حد كبير حيال مأساة المسلمين وإلى حد ما الأقليات الأخرى، في ميانمار، فالإدارة الأميركية التي ألغت عقوبات كانت فرضتها على ميانمار في عهد حكم الجيش الذي انتهى في آذار (مارس) 2011، ترفض إعادة ولو بعضها للضغط على حكومة ميانمار، وما زالت الاستثمارات الغربية تتدفق على ميانمار وكأن شيئاً لم يكن. «إن هذه ليست مأساة مجموعة إثنية مغمورة، هذه مذلّة للحضارة»، يقول كريستوف في «نيويورك تايمز»، ويضيف: «رئيس أوباما... إرفع صوتك».