بقلم/ مظفر مؤيد العاني
وكالة أنباء أراكان ANA | تركيا بوست
تعاني أقلية الروهنغيا المسلمة منذ عقود، الاضطهاد والقمع والحرمان من أبسط الحقوق الإنسانية في ظل حكومات متعاقبة داعمة للبوذيين ومتخوفة من انتشار الإسلام في ميانمار، وفي ظل تخاذل دولي وإسلامي، تحاول دول إسلامية دفع المسؤولية عنها بتقديم مساعدات إنسانية لا ترقى أبدا لحجم الكارثة التي يواجهها شعب الروهنغيا المسلم، حتى جاءت الالتفاتة التركية في تبني هموم ومعاناة هذا الشعب المظلوم لتؤكّد مرة أخرى أهلية تركيا لقيادة العالم الإسلامي المتشظي.
معاناة تاريخية
وصل المسلمون إلى ميانمار في القرن السابع الميلادي، خلال عهد الخليفة العباسي هارون الرشيد وأسّسوا إمارة “أراكان” التي استمر الحكم الإسلامي فيها حوالي ثلاثة قرون، منذ عام 1430 وحتى عام 1784، دخل خلالها الكثير من السكان المحليين في الدين الإسلامي. ثم احتل البوذيون “أراكان” عام 1784 وقاموا بضمّها إلى ميانمار، ومنذ ذلك التاريخ بدأ الصراع بين المسلمين والبوذيين. وكانت ميانمار جزءا من الهند حتى قامت بريطانيا بإعلانها مستعمرة بريطانية منفصلة عام 1937 واستقلت عن بريطانيا عام 1948. ثم استولى الجيش على مقاليد الدولة بانقلاب عسكري ضد الملك بوداباي عام 1962، فأطاح الجيش بالملكية البوذية وأسس لنظام متشدد في قبضة جنرالات الجيش حرم الشعب الروهنغي من اكتساب الجنسية الوطنية ومن التعليم والتوظيف والسفر. وفرضوا عليه البطالة والعزلة في الغابات المظلمة الغارقة في التخلّف. ويقدّر عدد مسلمي الروهنغيا بحدود 800 ألف نسمة وتعدّهم الأمم المتحدة من أكثر الأقليات اضطهادا في العالم.
وبعد سنوات من استمرار هذه المأساة شهد المحيط الهندي فرار الآلاف من مسلمي الروهنغيا من موت محقق إلى مصير مجهول. وعلى إثر سلسلة من غرق هذه القوارب التي تتاجر بها مافيا الموت وعصابات التهريب جاء التدخل التركي.
الدعم التركي
بعد وفاة الآلاف، تدخلت الحكومة التركية وأعلن رئيس وزرائها حينئذ أحمد داود أوغلو تكليف البحرية التركية بمتابعة هذه القوارب وإنقاذ الغرقى، والترتيب مع الدول الثلاث ماليزيا وإندونيسيا وبنغلاديش لوضع خطة لإقامة مخيمات لجوء مؤقتة، تتكفل أنقرة بمتابعتها ودعمها.
وعلى الرغم من أن السلطات في ميانمار ادّعت أن الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي أُجريت في 8 نوفمبر 2015 أدخلت البلاد في مرحلة من الديمقراطية، بعد أن أمسك العسكر بزمام السلطة طوال نصف قرن، إلا أن الواقع ما يزال يشير إلى حرمان مئات الآلاف من المسلمين من أداء الانتخابات لعدم امتلاكهم الجنسية وبالتالي عدم امتلاكهم حق التصويت أو الترشح.
وقد عبّرت الخارجية التركية عن موقف حكومتها تجاه هذا السلوك في بيان جاء فيه “نأسف لعدم السماح لمسلمي الروهينغا بالتصويت في انتخابات ميانمار، ورفض قبول طلبات ترشح عدد كبير منهم”.
وأضاف البيان، “تتمنى تركيا أن تتخذ الحكومة الجديدة في ميانمار خطوات من أجل إصلاح أوجه القصور تلك، وتقوية المبادئ والممارسات الديمقراطية، بما فيها الهيئات الديمقراطية، والتمثيل غير المقيد“.
وبعد فوز حكومة حزب الاتحاد الوطني الديمقراطي في الانتخابات البرلمانية، وهي الحكومة المدنية الأولى بعد 54 عاما من حكم العسكر. خطت تركيا عدة خطوات عملية لتعزيز حقوق وتقوية موقف الروهنغيا في ميانمار عن طريق تقديم المشاريع التي تتولاها مؤسسة “تيكا” التركية، وأكّد وزير الخارجية التركي جاويش أوغلو “أن تركيا تعد من أكثر الدول الداعمة لحركة التنمية والسلام الداخلي في ميانمار وأن وكالة التعاون والتنسيق التركية “تيكا” تقدم مساعداتها في إقليم أراكان دون تمييز عرقي أو ديني، وتقوم الوكالة بالإشراف على شق الطرق وبناء المستوصفات لمساعدة القاطنين في هذه المناطق، وإن الفرق بيننا وبين الدول الأخرى، أننا لا نفرض مشاريع على الحكومة المركزية، بل نطلب منها المشاريع لنقوم بتنفيذها، لأنهم يدركون احتياجات شعبهم أكثر منّا”.
وفي إطار الدعم التركي لهذه الأقلية، قام وزير الخارجية التركي “مولود جاويش أوغلو”، قبل عدة أيام بزيارة إلى “سيتوي” عاصمة ولاية أراكان في ميانمار، ونظّم مائدة إفطار لنحو 4 آلاف شخص من مسلمي “الروهنغيا” في حي “أونا مينغلار”، وهو الحي الوحيد الذي يضم المسلمين في المدينة.
وقال جاويش أوغلو في تصريح للصحفيين عند وصوله مطار سيتوي، “إن تركيا لم تترك إخوانها المسلمين في أراكان لوحدهم إطلاقا، وقدّمت لهم المساعدات الإنسانية والدعم القانوني، مشيرا أن مسلمي الروهنغيا يرون ذلك ويدركونه ويشعرون به”.
وخلال لقاء جاويش أوغلو بوزيرة الدولة المسؤولة عن الشؤون الخارجية في ميانمار “أونغ سان سو تشي” أعرب عن أمل بلاده بأن تمنح السلطات الميانمارية حق الحصول على الجنسية للمسلمين في ولاية أراكان.
إن المبادرة التركية مهمة جدا، وجاءت في توقيت دقيق، وأمام العالم الإسلامي فرصة وخاصة دول الخليج العربي للمشاركة في دعم هذا المشروع، الذي تكفّلت به دولة ذات ثقل سياسي واقتصادي مما يعني أن فرص نجاحه كبيرة، خاصة في ظل قيادة تركيا لمؤتمر التعاون الإسلامي في دورته الحالية وفي وقت شهد تطورا في العلاقات التركية الخليجية والتي يمكن أن تستخدم لتشكيل ضغط دبلوماسي في المحافل الدولية على حكومة ميانمار الجديدة لإعطاء الأقلية المسلمة حقوقها المسلوبة منذ عقود.