بقلم: ناجح إبراهيم
وكالة أنباء أراكان ANA | المصري اليوم
«أنا لا أعرف فتنة أضر على الناس ولا أفتك بأجسادهم وأسكب لدمائهم من القتل، والقتال باسم الدين تارة أو العرق أخرى».
«هذه المحنة غريبة جداً على شعب ميانمار الطيب ، فهو البلد الذى تعانقت فيه الأديان والحضارات التي تدعو للتسامح والسلام».
«لم يبعث الله الأنبياء ويرسل المرسلين للقتل، ولم يأت الحكماء والمتألهون للاضطهاد والتشريد».
«قد تقرر في كل الأديان والرسالات وفي كتبها وتعاليمها أن إرادة العلى القدير شاءت أن يخلق الناس مختلفين في أديانهم ولغاتهم وأعراقهم، ولو شاء الله أن يجعلهم على دين واحد ولغة أو عرق واحد ما عجز عنه سبحانه (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ)، وجعل في ذلك آية (إِنَّ في ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ)».
«أيها الشباب الميانماري إن حكمة البوذية والهندوسية والمسيحية والإسلام التي تفخر بها أرضكم تناديكم صباح مساء: لا تقتلوا ولا تسرقوا ولا تكذبوا، والزموا العفة، ولا تشربوا المسكرات».
«البوذية دين إنساني وأخلاقي في المقام الأول، وبوذا الحكيم الصامت من أكبر الشخصيات في تاريخ الإنسانية، فكان يتميز بالهدوء والعقلانية والحنان والعطف، وكبار مؤرخي الأديان يصفون رسالته بالرحمة، وأنه كان وديعاً متسامحاً وسهلاً ليناً قريباً فلماذا تخالفونه؟».
كانت هذه بعض كلمات شيخنا الطيب د. أحمد الطيب «شيخ الأزهر» في مؤتمر الحوار الحضاري الذى عقده مجلس حكماء المسلمين للصلح بين الفرقاء المتحاربين في بورما «ميانمار»، خاصة ولاية أراكان التي يوجد بها قرابة مليون مسلم، والتي وصفتهم الأمم المتحدة بأنهم أكثر الأقليات اضطهاداً في العالم ويعانون من انتهاكات جسيمة منذ عام 1978 حتى الآن، ويقتل الآلاف منهم وتهدم مساجدهم وتغتصب نساؤهم ويحرمون من الجنسية فيعيشون كالسوائم، ولا يستطيعون حتى مغادرة البلاد.
استدعى شيخ الأزهر، الذى يترأس مجلس حكماء المسلمين، ممثلين عن كل الطوائف المتنازعة، فتحدثوا بإسهاب ورغبوا في السلام، وقد شعرت شخصياً أن مسيحيي ميانمار أكثر اعتدالاً من الهندوس والبوذيين على الترتيب، رغم أن رسالة بوذا تقول عكس ما يفعلونه.
لقد حضر ممثلو الحكومة والمجتمع المدني البوذي، فضلاً عن شخصيات كبيرة وسفراء، وهكذا بدأ شيخنا الطيب تفعيل «فقه الصلح »، ثم جاء بعده حبيبي الغالي الذى أعشقه منذ عشرات السنين رغم أنني لم ألقه مباشرة إلا في هذا اليوم، وهو الفريق عبدالرحمن سوار الذهب، الذى أشبهّه دوماً بسيدنا الحسن بن علي.
تصوروا رجلاً يملك الحكم والسلطة ثم يتركه مختاراً دون أي ضغوط ويُجري أنظف انتخابات في تاريخ السودان كله، ففي عام واحد حوّل «سوار الذهب» السودان التي لم تكن تعرف الديمقراطية إلى سودان لا تقلُّ شيئاً في ديمقراطيتها عن بريطانيا.
قابله يوماً أحد أصدقائي في مطار كراتشي، رآه يجلس وحيداً دون حراسات ولا «برستيج»، يفعل كما فعل في المؤتمر، تحدث آخر الناس، ترك شباباً صغيراً من هنا وهناك يتحدثون قبله وهو من هو، قال له صديقي : هل كنت في عقلك حينما تركت السلطة؟ قال: نعم، قال له: هذا شيء صعب على النفوس، قال: إنه سهل، قال: كيف؟ قال: لقد تربيت منذ صغرى على ألا آخذ شيئاً لا أملكه، فإذا وقع في يدى ينبغي أن أرده فوراً، وهذا ما فعلته بالضبط، ولا أحمد على شيء منه.
تذكرت كلمة حجة الإسلام الغزالي : «آخر ما يخرج من نفوس الصديقين حب المناصب والجاه»، خبرت هذه الحكمة ورأيت صدقها مئات المرات.
أعظم من يجري الصلح هم أئمة الصلح أمثال الطيب وسوار الذهب، إنهم على طريق الحسن بن علي، رائد فقه الصلح، الذى باع جاهه وسلطانه من أجل حقن الدماء، وعلى درب الرسول «صلى الله عليه وسلم» الذى رضي بكل الشروط المجحفة في صلح الحديبية حقناً للدماء، ودرب المسيح عليه السلام الذى كان يردد: «طوبى لصانعي السلام»، وبلغ درجة في العفو لم يبلغها أحد وهو يوصي: «أحبوا أعداءكم»، إلى هذه الدرجة يا سيدى المسيح يبلغ عفوك ورحمتك، هؤلاء هم الأحياء حقاً.
إنني أناشد الطيب وسوار الذهب ومجلس حكماء المسلمين أن يجعل هدفه القادم الصلح بين السنة والشيعة، ونزع فتيل الكراهية القاتلة بينهما، فمتى تستجيبون لندائي قبل أن يضيع كل شيء؟!