بقلم: د. كاظم الموسوي
وكالة أنباء أراكان ANA | جريدة الوطن العمانية
قضية الروهنغيا والانتهاكات الوحشية ضدهم في أغلب الأوقات، مازالت دون حل، بل وتتدهور نحو الأسوأ، وليس آخرها طبعا ما كشفته السلطات الماليزية، التي عثرت على بقايا جثامين تم تعذيبها في مخيمات المهربين المهجورة، إضافة إلى اكتشاف أقفاص خشبية وسلاسل معدنية بالقرب من المقابر، ووفقا لصحيفة “ديلي ميل” البريطانية، التي أوضحت أن مخيمات الغابة التي استخدمها تجار البشر تحتوي على 139 مقبرة في 28 موقعا منفصلا، فضلا عن أسلاك شائكة تستخدم لسجن مسلمي الروهنغيا .
رغم كل ما تصدره منظمة الأمم المتحدة أو متفرعاتها من بيانات ومناشدات عن أوضاع ومأساة ما يحصل للروهنغيا، فإن المجتمع الدولي وأصحاب القرار السياسي فيه كأن لم يسمع ولم يقرأ ولم يتكلم، كما هي صورة القرود الثلاثة في السرديات المعروفة. وحتى الأمم المتحدة لا تراجع ما تصدره، وكأنها في تقاريرها لما يحصل وما يجري، تسعى إلى براءة ذمة فقط لها من مصائر هؤلاء البشر. ولم تسع إلى حل جوهر المسألة وإنقاذ الناس!
من هم الروهنغيا؟! ولماذا يحصل معهم كل هذا؟!
الروهنغيا أقلية قومية تدين بالإسلام. أي هم المسلمون الذين يعيشون في بورما أو ميانمار، في اسمها المحسن. ويُعرف المركز الروهنغي العالمي، على موقعه الإلكتروني، الروهنغيا بأنهم “عرقية مضطهدة في إقليم أراكان منذ 70 عاما، ومورس بحقها أبشع ألوان التنكيل والتعذيب، حيث تعرضت للتشريد، والقتل، والحرق”. بينما تصنفهم الأمم المتحدة بـ” الأقلية الدينية الأكثر اضطهادا في العالم”.
ورغم ما يدور من خلاف بين المؤرخين حول أصل هذه الكلمة، إذ “يرجعها بعض لتحريف كلمة الرحمة، والتي نطق بها رحالة عرب تحطمت سفينتهم على الشاطئ وأمر ملك البلاد آنذاك بقتلهم، فصاحوا «الرحمة.. الرحمة» فسماهم الناس «راهام» والتي تم تحريفها لكلمة «الروهنغيا» الحالية، يرجعها آخر إلى أن أسلاف الروهنغيا هم من الروها في أفغانستان، في المقابل يقول بعض إن أصل الكلمة هو المملكة الأركانية القديمة “مروهاونج”.
في كل الأحوال تستمر معاناة مسلمي الروهنغيا بصور قاسية، لم تستطع الأمم المتحدة التستر عليها وأصبحت مشكلة راهنة ومتبادلة بين حكومات المنطقة، بنجلاديش وميانمار وتايلاند وغيرها، وبقيت بعيدة عن اعتراف القانون في ميانمار، موطنهم الأساس، لاسيما قانون الجنسية لسنة 1982، الذي تعامل معهم باعتبارهم مهاجرين غير شرعيين من بنغلاديش، بلا جنسية، الأمر الذي سلبهم حقوقهم وجعلهم عرضة لكثير من الانتهاكات من كل الأطراف.
هذا ما حصل، حيث تستمر عمليات تشريد مئات آلاف منهم نحو بنغلاديش، وهذه الأخرى تكرر معاملتهم وإعادتهم إلى ميانمار وحصلت عام 1994 عملية تهجير قسري، لقرابة 110 آلاف إلى تايلاند.
وتستغل إشاعات وحوادث منظمة في تفاقم لكراهية والتقاتل بين الأقليات والاعتداءات بينها وبين القوات الامنية وانتهاكات صارخة لكل حقوقهم الدينية والقومية. وحسب التقديرات الرسمية لسنة 2012 يوجد 800.000 روهنغي، بينما قدر عددهم حاليا بنحو 1.1 مليون شخص يعيشون في ظل ظروف تمييز عنصري، وحالات اشتباكات عنيفة مع البوذيين مما أسفر عن تشريد عشرات الآلاف معظمهم من الروهنغيا، تحولوا إلى لاجئين في مخيمات بنغلاديش المجاورة ومناطق داخل تايلاند على الحدود مع ميانمار.
قضية الروهنغيا والانتهاكات الوحشية ضدهم في أغلب الأوقات، مازالت دون حل، بل وتتدهور نحو الأسوأ، وليس آخرها طبعا ما كشفته السلطات الماليزية، التي عثرت على بقايا جثامين تم تعذيبها في مخيمات المهربين المهجورة، إضافة إلى اكتشاف أقفاص خشبية وسلاسل معدنية بالقرب من المقابر، ووفقا لصحيفة “ديلي ميل” البريطانية، التي أوضحت أن مخيمات الغابة التي استخدمها تجار البشر تحتوي على 139 مقبرة في 28 موقعا منفصلا، فضلا عن أسلاك شائكة تستخدم لسجن مسلمي الروهنغيا من ميانمار والمهاجرين من بنغلاديش. وهذا بعض وقائع الجرائم التي تتعرض لها الروهنغيا في المنطقة التي توزعت عليها.
ظلت حكومة ميانمار مصرة على رفض الاعتراف بحقوق الروهنغيا الوطنية لحد الآن، وتتنكر لأبسط حقوقهم الإنسانية، بل تتصاعد حملات القمع العسكري ضدهم في مناطق سكناهم الشمالية، كاشفة موقف رئيسة الحكومة أونغ سان سو تشي، الحائزة على جائزة نوبل للسلام، ووعودها بإحلال السلام في البلاد في أعقاب وصول حزبها إلى الحكومة في آذار/ مارس العام الماضي.
أخيرا لعل تقارير الأمم المتحدة عنهم تحرك الضمائر الصامتة وتدق النواقيس لمن يزعم احترامه لحقوق الإنسان أو يستثمر انتماءه الديني، الذي يهدر المليارات باسمه في تخريب بلدان أخرى وشعوب مسلمة ومسالمة.
من بين هذه التقارير، تقرير صدر يوم 2017/2/3 فضح بأدلة ارتكاب قوات الأمن في ميانمار عمليات اغتصاب جماعية وقتل للأطفال خلال حملتها على أقلية الروهنغيا. وخلص التقرير إلى أن الانتهاكات واسعة النطاق ضد السكان الروهنغيا تشير إلى ارتكاب مرجح جدا لجرائم ضد الإنسانية.
والتقى محققو الأمم المتحدة نحو 200 لاجئ من الروهنغيا في بنغلاديش، التي فروا إليها من عملية أمنية خرجت عن نطاق السيطرة منذ تشرين أول/ أكتوبر الماضي. ومن بين 101 امرأة أجريت معهن لقاءات، قال أكثر من نصفهن إنهن تعرضن للاغتصاب أو الاعتداء الجنسي. وقالت عدة نساء لمحققي الأمم المتحدة كيف، تم دهس أو تقطيع أطفالهن الصغار، حتى الموت، ومن بينهم رضيع حديث الولادة. مما دفع المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، زيد بن رعد الحسين إلى التساؤل: أي نوع “عملية تطهير” هذه؟ ما أهداف الأمن القومي التي يمكن أن يحققها هذا؟
أوضح تقرير الأمم المتحدة إنه بالإضافة إلى عمليات القتل والاغتصاب، تورطت قوات الأمن في تعذيب واختفاء أشخاص من الروهنغيا، كما تم تدمير مئات من منازل الروهنغيا وحقولهم ومدارسهم وأسواقهم ومتاجرهم ومساجدهم من قبل قوات الأمن والغوغاء، وأحرقت عائلات بأكملها حتى الموت داخل منازلها، وفقا للتقرير. وأضاف المفوض السامي أن “خطورة وحجم هذه الادعاءات يستدعي رد فعل قويا من المجتمع الدولي”. وكانت منظمة “هيومان رايتس ووتش”، قد كشفت أن صور الأقمار الصناعية عالية الدقة، أظهرت دمار 820 منزلا، خلال نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، في 5 قرى يقطنها مسلمو الروهنغيا، في ميانمار.
في تقرير جديد صدر يوم10 آذار/مارس 2017، اتهم مسؤول كبير في منظمة الأمم المتحدة قوات الأمن في ميانمار بارتكاب “جرائم ضد الإنسانية” بحق مسلمي الروهنغيا.
وقال المقرر الخاص للامم المتحدة في ميانمار يانجي لي: “إن قوات الحكومة الميانمارية ارتكبت أثناء تعاملها مع أقلية الروهنغيا المسلمة في ولاية راخين جرائم مثل التحرش المستمر والاغتصاب والقتل”.
بعد كل هذه الوقائع: إلى متى يصمت الضمير الإنساني؟! أو ماذا ينتظر بعد؟!!