[caption align="alignleft" width="300"]أعمال العنف الصادمة ضد المسلمين اندلعت في بورما رغم انفتاحها على العالم[/caption]
لم يعتقد أحد أن الحرب الأهلية يمكن أن تندلع في يوغوسلافيا في مطلع العقد الأخير من القرن الماضي، ووجهة النظر هذه يجري التمسك بها بقوة في بورما الآن، لكن أعمال العنف التي اندلعت أخيرا هناك ربما لا تكون قد وصلت إلى نهايتها.
انتشار العنف
والمدينة الكبرى في بورما كان يسكنها الخوف أخيرا، فعدد كبير من سكان رانغون، تلك المدينة الحارة المترامية الأطراف والفوضوية والرائعة التي تعد البوتقة الجامعة لمختلف الأعراق والثقافات، يخشى أن تكون عدوى العنف الطائفي، التي قتلت مئات الأشخاص في بلدة ميكتيلا البورمية في وسط البلاد، تتجه اليهم الآن.
وقد حركت المجزرة عناوين الصحف حول العالم، كما انتشرت الإدانات من الحكومتين الأميركية والبريطانية، وغيرهما من الدول. والأمر الذي لم يلق الاهتمام الكبير هو أنه في الوقت الذي كان الجيش البورمي قد أوقف المشكلة هناك، كان العنف قد ظهر في ثلاث بلدات أخرى أقرب إلى رانغون، مع ما أفيد عن جرف لمساجد المسلمين وتسويتها بالأرض، فيما بدا هجوما مخططا له بشكل جيد. ويبدو أن أعمال الدمار والقتل تتجه الآن نحو المدينة الكبرى والأكثر أهمية في البلاد، وذلك عبر التلال المحيطة بمدينة بيغو، المعقل التقليدي لقطاع الطرق والمتمردين.
ويعد وسط مدينة رانغون متعدد الثقافات والأعراق، كما هو متوقع من مدينة تطل على ميناء في مرحلة ما بعد الاستعمار، مع تقاسم الهندوس والمسلمين والمسيحيين المنحدرين من شبه القارة الهندية الشوارع المزدحمة مع البوذيين البورميين والصينيين، لكن الخوف الموجه بالتحديد ضد المسلمين من قبل أعضاء مجتمع الأغلبية، يعد أمرا واضحا ومحسوسا. وهناك شائعات عن حدوث هجمات وشيكة دفعت بالعديد من أصحاب المتاجر المسلمين إلى إغلاق أبوابهم على مصراعيها.
وكان مدير كبير في إحدى وسائل الإعلام المحلية سخر من فكرة أن رانغون يمكن أن تسير على خطى ميكتيلا، وأكد أن المدينة مختلطة إلى حد بعيد، وسكانها يعرفون كيفية تسيير أمورهم، وأنهم مختلطون ببعضهم على مدى أجيال. لكن في ساراييفو في أواخر عام 1991، قال الناس الشيء نفسه تحديدا، وبعدها بستة شهور كانت قد اجتاحتها الحرب الأهلية.
اللعب بالنار
والأوضاع ليست مختلفة كثيراً في بورما. وعلى غرار يوغوسلافيا حينها، فإن بورما هي في لحظة مد عنيف، وتخاطر النخبة التي مارست السيطرة الساحقة، إن بشخصية شبيهة بشخصية رئيس صربيا ويوغوسلافيا سلوبودان ميلوسوفيتش والشيوعيين الصربيين هناك، أو بشخصية القوات المسلحة التي يهيمن عليها البورميون هنا، بخسارة كل شيء في ظل اضطرابات التغيير. بالتالي، فإنهم يلعبون بقذارة على المخاوف والغرائز الأكثر دناءة، مشعلين الكراهية للمجتمعات التي تعتبر تقليديا بأنها في المرتبة الدنيا، أي المسلمين في كلتا الحالتين.
وأحد الأسباب لازدياد الأمل في نتيجة أفضل في بورما يكمن في أن الرئيس ثين سين، على الرغم من كونه جنرالا سابقا في الجيش، إلا أنه يعطي كل الإشارات إلى احتفاظه برأس هادئ حكيم، ومعظم الأمور الإيجابية التي حصلت هنا في السنتين الماضيتين يمكن أن تعود إليه. وكان أداؤه رائعا وغير متوقع على الإطلاق. وهناك كل الاحتمالات بأن يحل حزب المعارضة، الرابطة الوطنية للديمقراطية، مكان حزبه في الانتخابات العامة عام 2015، وفكرة أنه سيتآمر لتخريب الأوضاع لا معنى لها، بعد أن دفع بإصلاحات مهمة وعديدة.
لكن فيما يتعلق بالجنرالات الآخرين في الجيش، وبعضهم قوي جدا منذ مدة ليست طويلة، فإن المسألة مختلفة، وهؤلاء موضع شائعات صاخبة. لكن عاملا آخر يجعل عملية انهيار عنيف أمرا غير محتمل في بورما، وهو يعود إلى أن يوغوسلافيا في أوائل التسعينات كانت حالة ميؤوس منها. أما بورما، على النقيض من ذلك، فإنها من الواضح على أعتاب ازدهار اقتصادي.
لكن الواقع أن بورما، بعد أن انفتحت بشكل كبير على العالم في السنتين الماضيتين، تشهد الآن أعمال عنف صادمة بهذا الشكل، يشكل تذكيرا بأن بناء الأمم مهمة حساسة، وأن النجاح يعتمد كثيرا على مدى الذكاء والحظ اللذين تتمتع بهما البلاد لناحية التخلي عن العادات القديمة. ولا تملك الديمقراطية والازدهار عصا سحرية، والحكام السيئون سيلقون بظلالهم الطويلة.
مسألة حساسة
يتوقع أشخاص متنفذون كبار أن تصبح بورما دولة شديدة الثراء في السنوات القليلة المقبلة، والمقربون من المجلس العسكري سابقا لا رغبة لهم في رؤية خططهم تضيع هباء.
لكن الواقع أن بورما، بعد أن انفتحت بشكل كبير في السنتين الماضيتين، تشهد الآن أعمال عنف صادمة بهذا الشكل، يعد تذكيراً بأن بناء الأمم مهمة حساسة، وأن النجاح يعتمد كثيرا على الذكاء والحظ اللذين تتمتع بهما البلاد في التخلي عن العادات القديمة. وكان التوتر الطائفي قد هدأ في يوغوسلافيا في القرن المنصرم في ظل وجود الزعيم اليوغوسلافي السابق جوزيف تيتو، تحت قناع من الخطاب الشيوعي. والجيش البورمي لعب بالورقة الطائفية أكثر من مرة لصرف انتباه الناس عن معايير الحكم المزرية، وهو ماض برؤيته الخاصة بدولة يهيمن عليها البورميون والبوذيون بشكل دائم.