بقلم: عصام حسنين
وكالة أنباء أراكان ANA | متابعات
مأساة جديدة تنضم إلى مآسي المسلمين، وجرح عميق مِن جراح المسلمين في كل مكان؛ إنها مأساة "مسلمي الروهنغيا" بإقليم "أراكان"، بدولة "ميانمار".
إنهم يتعرضون لإبادةٍ عرقية بأبشع أنواع الإبادة، مِن قتل وتعذيب، وتحريق وتهجير، بشهادة "منظمة العفو الدولية".
وهذه حلقة قديمة جديدة في سلسله يتزعمها "الصهيو صليبية" العالمية لحرب الإسلام والمسلمين، بتسليط الغالبية البوذية وغيرهم على الأقلية المسلمة في "بورما"، وإن لم يقف المسلمون وقفة يؤدون واجبهم نحو إخوانهم؛ فسيكون الدور على المسلمين في الفلبين، وتايلند، وغيرهما مِن بلاد شرق آسيا.
ومِن عجب أنها تتم وسط صمتٍ عالمي رهيب، وبمشاركة مِن الشيعة الروافض الذين يقولون عن أهل السُّنة: إنهم نواصب، وإن قتالهم وقتلهم أولى مِن قتال اليهود والنصارى!
لهذا تمت إبادة جماعية للمسلمين السُّنة في العراق على يد الشيعة، و تتم إبادة جماعية -الآن- في "أراكان" مِن البوذيين والشيعة، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
ولنا تجاه هذه المأساة وقفات:
1- الموالاة الإيمانية:
نحن أمة واحدة، بيننا موالاة إيمانية، عقدها الله -سبحانه وتعالى- بقوله: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) (الحجرات:10)، وبقوله -صلى الله عليه وسلم-: (المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ) (متفق عليه)، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: (انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا) (رواه البخاري)، وبقوله -عليه الصلاة والسلام-: (مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ، مَثَلُ الْجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ، تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى) (متفق عليه).
وهذه الموالاة الإيمانية توجب على كل مسلم نصرة أخيه المسلم بالمستطاع؛ لقول الله -تعالى-: (وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ) (الأنفال:72).
وأول واجب علينا جميعًا نستطيعه ... العودة إلى الله -عز وجل-، وأن نتوب لله -سبحانه وتعالى-، ونعود إليه أفرادًا وجماعات، قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا) (التحريم:8)، أي صادقة لا رجوع للذنب بعدها مره أخرى.
وقال الله -تعالى-: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (النور:31).
وتقوى الله -تعالى- بامتثال أمره، واجتناب نهيه، فيها الخيرات والبركات مِن الله -تعالى-: قال الله -عز وجل-: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ) (الأعراف:96). وبركات السماء: المطر. وبركات الأرض: ما أودعه الله فيها مِن زروعٍ وثمارٍ ومعادن.
أما الذنوب والمعاصي: فهي سبب النكبات، وتسليط الأعداء، وتبدل الحال، قال الله -تعالى-: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (الأنفال:53).
وقال -تعالى-: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) (النحل:112).
فهذه الموالاة الإيمانية، والعودة إلى الله -تعالى-، هي أول ما يجب علينا تجاه إخواننا في "ميانمار".
2- الدعاء:
والدعاء هو العبادة كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقال الله -تعالى-: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) (غافر:60).
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ، وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ، إِلَّا أَعْطَاهُ اللهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ: إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا) قَالُوا: إِذًا نُكْثِرُ، قَالَ: (اللهُ أَكْثَرُ) (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ رَبَّكُمْ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- حَيِيٌّ كَرِيمٌ، يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ، أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا) (رواه أبو داود، وصححه الألباني).
والدعاء له شرط لإجابته، وهناك مانع يمنع إجابته؛ فندعو الله بصدقٍ وإخلاص، وبكاء وتضرع لله -تعالى-، خاصة في الأوقات التي يُرجى فيها إجابة الدعاء، ونجتنب أكل الحرام، وغفلة القلب أو الملال، ونحو ذلك.
وهذا سبب عظيم مِن أسباب النصرة خلافًا لبعض الجهال الذين هونوا عند كثيرٍ مِن المسلمين هذا الأمر العظيم باستهزائه أو التقليل مِن شأنه، وما علم هذا الجاهل أن الله -تعالى- خلقنا لإفراده بالدعاء، والدعاء هو العبادة، ويحب مِن عباده أن يدعوه، وأن يتضرعوا إليه بالدعاء والتوبة والإنابة.
والله شرّف هذه الأمة بذلك، فنحن أمة لا نُنصر بكثرة عدد ولا عتاد، وإنما ننصر بقربنا مِن الله -تعالى- وطاعتنا له، واعتصامنا به -تعالى-؛ فانظر لغزوات الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ومعارك الصحابة -رضي الله عنهم- تجد ألا مقارنة بيْن عدد المسلمين وعتادهم، وبيْن عدد وعتاد المشركين!
وإليك هذه القصة العجيبة لتعلم ذلك حق العلم:
عن ابن إسحاق، قال: "كَانَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَا يَثْبُتُ لَهُمُ الْعَدُوُّ فُوَاقَ نَاقَةٍ عِنْدَ اللِّقَاءِ، فَقَالَ هِرَقْلُ وَهُوَ عَلَى أَنْطَاكِيَةَ لَمَّا قَدِمَتْ مُنْهَزِمَةُ الرُّومِ: وَيَلَكُمُ! أَخْبِرُونِي عَنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ، أَلَيْسُوا هُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ؟! قَالُوا: بَلَى. قَالَ: فَأَنْتُمْ أَكْثَرُ أَمْ هُمْ؟ قَالُوا: بَلْ نَحْنُ أَكْثَرُ مِنْهُمْ أَضْعَافًا فِي كُلِّ مَوْطِنٍ. قَالَ: فَمَا بَالُكُمْ تَنْهَزِمُونَ كُلَّمَا لَقِيتُمُوهُمْ؟! فَقَالَ شَيْخٌ مِنْ عُظَمَائِهِمْ: مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ يَقُومُونَ اللَّيْلَ، وَيَصُومُونَ النَّهَارَ، وَيُوفُونَ بِالْعَهْدِ، وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ، وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَيَتَنَاصَفُونَ بَيْنَهُمْ، وَمِنْ أَجْلِ أَنَّا نَشْرَبُ الْخَمْرَ، وَنَزْنِي، وَنَرْكَبُ الْحَرَامَ، وَنَنْقُضُ الْعَهْدَ، وَنَغْصَبُ، وَنَظْلِمُ، وَنَأْمُرُ بِمَا يُسْخِطُ اللَّهَ، وَنَنْهَى عَمَّا يُرْضِي اللَّهَ، وَنُفْسِدُ فِي الْأَرْضِ. فَقَالَ: أَنْتَ صَدَقْتَنِي!" (البداية والنهاية).
- ولما مرَّ سعد بن وقاص -رضي الله عنه- ليلة القادسية بمعسكر الجيش، فوجد خيامًا يصلون بالليل، قال: "مِن ها هنا يأتي النصر!"، ومرَّ بخيامٍ نيامًا فقال: "مِن ها هنا تأتي الهزيمة!".
وقال قتيبة بن مسلم -رحمه الله- يوم مهاجمة الترك لخراسان: "أصبع محمد بن واسع -وكان مِن عُباد التابعين- أحبّ إليَّ مِن ثلاثين ألف عنان -أي فارس-!".
فإذا أردنا أن يكون الله -تعالى- لنا على ما نحب مِن نصرة وتبديل حال؛ فعلينا أن نكون هكذا. والله المستعان وعليه التكلان وهو حسبنا ونعم الوكيل.
3- حث مَن يقدر مِن المسئولين، وأهل الخير على نصرتهم ومساعدتهم بالمستطاع؛ لرفع الظلم عنهم أو تخفيفه.
4- الصبر على طاعة الله، وعن معصية الله، وعلى أقدار الله المؤلمة، مع السعي في رفع القدر المؤلم بالأقدار المحمودة المحبوبة لله -تعالى-.
5- الرضا عن الله -تعالى- فيما قدَّر؛ فقضاؤه -تعالى- كله خير، وعاقبته إلى خير، فإن تبنا لله -تعالى- وأحسننا ما بيننا وبينه -تعالى-؛ قيض الله لنا مَن يكون عز الإسلام والمسلمين على يديه.
6- الأمل وحسن الظن بالله، مع التبشير وترك اليأس ومشاعر الإحباط ونحوها، مما تقعد بالمسلم ولا تحركه لفعلٍ واجب عليه.
7- واجب الحكام عظيم بما أعطاهم الله مِن قدرة، وفي مقدورهم الضغط السياسي والدبلوماسي لرفع البوذيين أيديهم عن المسلمين هناك.
- وكذا إرسال مساعدات عينية لهم.
اللهم أنجِ المسلمين المستضعفين في "ميانمار"، وغيرها مِن بلاد المسلمين.
اللهم أنزل رجزك وعذابك على الكافرين الذين يصدون عن سبيلك ويقتلون أوليائك.