بقلم: أ.د عبودي جواد حسن
وكالة أنباء أراكان ANA | متابعات
إن الانفجار الداخلي التدريجي للنظام الاستبدادي في ميانمار بإمكانه أن يخلق فراغا خطيرا في ميانمار التي هي في طريق الديمقراطية . حيث بعد حوالي نصف قرن من استبداد النظام العسكري لم تصبح عظمة القوتين-الدين والسياسة- اللتين تشغلان ذلك الفراغ لم تصبح هذه العظمة واضحة إلا الآن .
يستكشف كتاب ” في ميانمار يعيش أعداؤنا بيننا” لمؤلفه ( فرانسيس ويد) العنف بين البوذيين والمسلمين في ولاية أراكان في ميانمار في سنة 2012 وكيف امتد إلى طول البلاد وعرضها في السنوات التي تبعت ذلك .. وفي هذا الكتاب يقوم السيد ويد هو صحافي من المهتمين بتلك البلاد وكتب العديد من التقارير عنها لما يقرب من عقد من الزمن يقوم بدراسة القومية وهفوات التجربة الديمقراطية في ميانمار وكيف أدى استغلال العسكر للهويتين القومية والدينية إلى وضع الأساس للصراع بين المكونين ( المسلمون والبوذيون) .
وجاء كتاب ( ويد )في وقته بشكل استثنائي فقد تم نشره قبل عشرة أيام من حملة من التطهير العرقي التي قادتها الدولة والتي أدت إلى طرد أكثر من 590 ألف من الروهنغيا إلى بنغلادش.
وفقرات كتابه الأكثر حيرة هي عندما يروي قصصا لناس عاديين في معمعة هذا الصراع العرقي- القومي الشرير حيث يرد في الكتاب كيف أن رجلا بوذيا قوميا يقول : يجب بناء سياج من العظام البشرية للدفاع عن البوذية وكيف أن امرأة مزقت هويتها العرقية لتصبح مسجلة كـ (بامار) أي من الأغلبية البوذية فقط كي تحصل على عمل وتعليم لأولادها المتوفر مجانا للبامار فقط وكيف أن رجلا من الروهنغيا تخلى عن هويته العرقية والدينية ليدخل في الجيش وينتهي به الأمر أن يطبق الأمن والنظام العنصري على أبناء جلدته .
ويقدم (ويد) استعرضا روائيا غريبا مدعوما بأفعال أغلبية البامار البوذية الذين يدعون قياسا على بضعة ملايين من المسلمين في البلاد على أن الإسلام بأكمله أصبح خطرا جديدة على ميانمار.
ويستكشف الكتاب الجذور المتشابكة للاثنية القومية في ميانمار حيث يقول إنها خليط سام مكون من العبء الذي خلفه حكم الاستعمار القديم ومشروع العسكر في برمنة البلاد(من ميانمار) وخطب الكراهية من قبل رجال الدين البوذيين؛ كل عناصر الخليط هذا بقيت دون معالجة من قبل الدولة الضعيفة وكل هذا بدوره قوى السياسيين .
ويصف الكتاب المخاوف المتجذرة لبوذيي أراكان مخاوفهم من خسارة الموارد والمكانة إلى الروهنغيا ومن انهيار التلاحم الاجتماعي في أراكان وهذه المخاوف مصحوبة مع عدم اعتبار الروهنغيا بشرا بشكل منظم حيث يعتبرونهم من البنغاليين الوافدين الى البلاد .
ولكن أيضا يجد الكاتب تجمعات بعيدة عن المخيمات والغيتوات يعيش فيها البوذيون والمسلمون سوية ولا يوجد فصل عنصري بينهما . ويكتب ويد قائلا : إذا أخرجنا المسلمين من بلدة بوسيدونغ الواقعة في شمال البلاد ستحدث مذابح .
وللأسف أنجز كتاب ويد في الوقت الذي حدثت فيه هذه المجازر وأصبحت بلدة بوسيدونغ حالها حال بقية المناطق المحيطة بها خالية تماما من المسلمين .
في كتابه هذا يقدم ( ويد ) وصفا واضحا لما يعني كل هذا لمستقبل ميانمار السياسي. ويعتبر
الحركة القومية الميانمارية والتي تقليديا هي النخبة الحاكمة يعتبرها الحركة الرئيسة المسيطرة على المشهد السياسي كما تعتبر الخطر الأساسي الذي يهدد الانتقال إلى الديمقراطية و السبب حسب ( ويد )” لمناهضتها لكل الدعوات إلى عدم الإقصاء والتي استغلتها القوى الرجعية التي لا رغبة لها في تحقق الانفتاح الديمقراطي.
إن مستقبل الروهنغيا سيقع خارج ميانمار ما لم يحدث أمر استثنائي . إذ قام الجيش بجعل المناطق الغريبة متطرفة وألهب مشاعر الناس تجاه الغرب وأوجد شرخا في آسيا بين البوذية والإسلام .
ويعبر كتاب ويد عملا مهما في فهم كيفية تحول وانفلات الأمور بشكل كارثي.