بقلم: دومينيك مويسي - (لوزيكو) ترجمة: عبد الرحمن الحسيني
وكالة أنباء أراكان ANA | متابعات
هل تواجه منطقة جنوب شرق آسيا خطر التحول إلى شرق أوسط جديد؟ هل ستكون المنطقة التالية التي سوف يهيمن عليها تلاقي ثقافة الإذلال وثقافة الخصومة العنيفة بين الدول وفي داخلها؟ من حسن الطالع أننا لم نصل إلى هناك بعد. كما أن وصولنا إلى هناك ليس محتماً. لكن التساؤل في حد ذاته يؤشر على الوضع الجديد الذي خلقه صعود القومية الدينية في عموم جنوب شرق آسيا.
يبدو أن تفجر الأصولية الإسلامية قد ساهم في إيقاظ القومية البوذية، كما يحدث في ميانمار، أو القومية الهندوسية، كما حدث في هند رئيس الوزراء ناريندرا مودي.
لذلك، يجب التفكير في مأساة الروهنغيا في ميانمار في سياق عودة صعود النزعة القومية الدينية. ولا تتمتع أقلية الروهنغيا التي ما تزال تتعرض للإذلال حتى بالحق في المواطنة. وكما قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، فإن الأمر ليس مسألة استعادة، وإنما مسألة تأسيس حقوقهم في بلد يعني فيه أن تكون ميانماريا أن تكون بوذياً.
بطبيعة الحال، يشكل الروهنغيا أقلية ضئيلة. ويتكون 88 في المائة من سكان ميانمار من البوذيين و6 % من المسيحيين، بينما نسبة 4 % فقط من المسلمين . وفي كلمة لها أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، لم تذكر أونغ سو تشي، أيقونة الديمقراطية الميانمارية، جماعة الروهنغيا حتى بالاسم.
لدى الهند أشياؤها "غير القابلة لأن تلمس"، ولدى ميانمار الآن، في موضوع الروهنغيا، أشياؤها التي "ليس لها اسم".
ويبدو أن سكوت سوتشي عن ذكر اسم الروهنغيا هو نتاج لعدم اعتبارها الشخصي لمصير أقلية غير موجودة في نظرها، نتيجة لحسبة سياسية تتعلق بمؤسسة الجيش التي تشاركها السلطة راهناً.
مأساة الروهنغيا التي كانت "محلية" في البداية، أصبحت مع الوقت إقليمية، إذا لم تكن أزمة دولية في جزء من العالم حيث تميل الهويتان، القومية والدينية، إلى التداخل ببعضهما البعض بازدياد.
ألم يتم تأسيس باكستان بغية استيعاب الأقلية المسلمة في الإمبراطورية الهندية السابقة؟ وكيف تستطيع رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) التي رافقت التأسيس التقدمي للسلام والازدهار في المنطقة أن تدوم مع صعود الانقسامات المستندة بشكل صارم إلى الدين: البوذيون في جانب، والمسلمون في الجانب الآخر؟
يتكون أغلبية السكان في ميانمار وتايلاند من البوذيين. وفي ماليزيا وإندونيسيا تتكون الأغلبية من المسلمين. وقد ترك إرث الإمبراطوريتين البريطانية والهولندية جروحاً في هذه المنطقة، والتي من الممكن إعادة فتحها في أي وقت. وخلال فترة "الراج"، مال البريطانيون، مثل كل الامبراطوريات التي سبقتهم، إلى استغلال الأقليات لتكريس سلطتهم. ودأبوا على القول: "أنتم تتعرضون لسوء المعاملة، فدعونا نحميكم ضد التمييز الذي أنتم ضحاياه". وعندما أفل نجم الاستعمار، لم تظل هذه الأقليات تعتبر أدنى مرتبة وحسب؛ وإنما أصبحت تُعتبر الآن خائنة أيضاً.
كان هذا التمييز هو الذي دفع أقلية من شباب الروهنغيا إلى اختيار مسار العنف، ربما متشجعين بالخطابات النارية للأصوليين المسلمين في الشرق الأوسط – بل وحتى في آسيا. وتكمن المأساة في أن هذا التطرف لأقلية من المسلمين ظهر بالتحديد بينما كنا نشهد صعود تيار مشابه، أصولي ومفرط في القومية، في داخل المجتمع البوذي أيضاً.
ربما كان بوذا قد بشر بالسلام والتسامح، لكن الرهبان المتعصبين بدأوا بالتصرف مثل سافونارولاسسات الزمن الحاضر (سافونارولاس كان راهباً في فلورنسا يدعو إلى تجديد المسيحية). وهم ينثرون الكراهية ضد المسلمين. وقاد هذا إلى توالي المجازر المدفوعة بدوافع دينية، والتي ووجهت في البداية بتجاهل تام من المجتمع الدولي. وبدا أن فكرة المجتمع الدولي كانت على نحو: "ما الذي تريدونه. هذا الأمر يحدث في مكان بعيد جداً. ثم، أليس الضحايا مسلمين، أي إرهابيين محتملين؟"
هنا على وجه التحديد تكمن المشكلة في هذه الحقبة من العولمة وثورة الاتصالات. فبعد أن تعرضت للهزيمة في سورية والعراق، هل تستطيع التنظيمات الإرهابية مثل "داعش" أن تحلم باستخدام مصير الروهنغيا لتجنيد عواطف مسلمي آسيا؟ ديمغرافياً، يقع أكبر بلد مسلم في العالم ، أندونيسيا، في المنطقة. وبعد مصير مسلمي البوسنة خلال حرب البلقان في تسعينيات القرن الماضي، توفر مأساة الروهنغيا الآن فرصة جديدة لإدانة التعاطف الانتقائي الذي يمارسه العالم الغربي.
من الضروري وضع حد لهذا السياق الثقافي أكثر منه كونه دينياً إذا أردنا تفادي أثر تساقط حجارة الدومينو، والذي ستكون له تداعيات كارثية على توازن المنطقة برمتها. فهل تستطيع الأمم المتحدة إضافة الأفعال إلى أقوالها، وأن تجد في أزمة الروهنغيا فرصة لإنقاذ سمعتها عبر الحيلولة دون تحول جنوب شرق آسيا إلى شرق أوسط جديد؟ الآن، يبدو أن ذلك كثير على أن يأمل المرء به.