[caption align="alignleft" width="300"]ميانمار ... تجاوزات ضد الأقليات[/caption]
ويليام شو
نائب مدير اللجنة الأميركية لحرية الممارسة الدينية
عندما يلتقي رئيس ميانمار، ثين سين، خلال زيارته إلى الولايات المتحدة، بأوباما لا بد أنه سينوه إلى التقدم الحاصل في مجال الإصلاحات الديمقراطية والمكاسب التي حققتها الحكومة مثل إطلاق سراح المئات من المعتقلين على أساس سياسي، أو ديني، ورفع القيود المفروضة على الإنترنت والإعلام، فضلاًً عن تنظيم انتخابات برلمانية محدودة، بيد أن التهليل بالمنجزات المتحققة عليه ألا يحجب عنا العنف الطائفي والتمييز الإثني المتصاعد في البلاد، والذي يغذي الفظائع والتجاوزات الخطيرة لحقوق الإنسان الجارية حالياً في ميانمار والتي تهدد بتمزيق البلاد وتقسيمها.
هذه الانتهاكات السافرة لحقوق الإنسان على أساس ديني وعرقي تمت الإشارة إليها بوضوح في التقرير السنوي للعام 2013 الصادر في 30 أبريل الماضي عن اللجنة الأميركية لحرية الممارسة الدينية، لذا يتعين على أوباما خلال لقائه بالرئيس «ثين سين» تجديد التزامه بمساعدة ميانمار، لكن مع التشديد أيضاً على وقف الأعمال والممارسات التمييزية والعنف الطائفي الذي يستهدف الأقليات المسلمة والمسيحية في البلاد، ذلك أن هذه الفظائع التي تشهدها البلاد تهدد بخنق التقدم المحرز في الفترة الأخيرة وإعادة البلاد إلى مرحلة الفوضى والديكتاتورية.
وفي صلب الممارسات التمييزية تبقى الأقلية المسلمة المعروفة باسم الروهينجا من بين الأقليات الأكثر اضطهاداً في العالم، فهم محرومون من الجنسية ويتعرضون للتمييز في كل مناسبة، كما يواجهون العنف المسلط ضدهم في ولاية راخين غرب البلاد والذي غالباً ما يحرض عليه الرهبان البوذيون وتنفذه ميليشيات محلية بتواطؤ مع الشرطة.
وبالاستناد إلى عدد من المصادر داخل ميانمار يؤكد التقرير أنه على مدار السنة الماضية أحرق المهاجمون العديد من قرى المسلمين وقتلوا أكثر من ألف شخص، فيما نزح عن ديارهم أزيد من مائة ألف شخص يعيشون في ظروف قاسية بمخيمات للاجئين، حيث يُمنع عنهم الغداء والمساعدات الطبية، والأكثر من ذلك تتعرض النساء للاغتصاب على نحو ممنهج من قبل الجيش والميليشيات المحلية. والأمر لا يقتصر على المسلمين فقط بل يطال أيضاً الأقلية المسيحية التي تعاني هي الأخرى من تمييز حاد ضدها، بما فيه منع بناء دور العبادة وتدمير الآثار الدينية، وحظر التجمعات التعبدية والاحتفال بالأعياد الدينية.
وفي مختلف مناطق البلاد فشلت الحكومة في حماية الأقليات والضرب على يد المعتدين، كما أنها لم تقم بإجراءات مناسبة لمحاسبة المتورطين في الجرائم، هذا بالإضافة إلى حظر الحكومة نشر الكتب المقدسة باللغات المحلية سواء كان القرآن، أو الإنجيل. وفيما تظل الولايات المتحدة منخرطة في مسلسل الإصلاح السياسي الذي بدأته بورما، إلا أن هذا الانخراط عليه أن يتجاوز مجرد تقديم مساعدات اقتصادية وسياسية، بحيث يتعين عليها حجب المساعدات على القادة العسكريين ومؤيديهم، وإعطاء الأولوية إلى المناطق الإثنية التي تعاني التهميش والاضطهاد، والتشجيع على التسامح والتعايش مع الآخر، وفي هذا السياق يمكن لواشنطن وضع معايير الإصلاح والتقدم على أن تشمل مثلا إطلاق سراح معتقلي الضمير، والأهم من ذلك الوقف الفوري للحملة العسكرية التي يخوضها الجيش ضد الأقليات العرقية، والتوصل إلى حل لمشكلة تمتيع مسلمي الروهينجا بحق الجنسية والمواطنة، فضلا عن وقف الإجراءات التمييزية ضد المسلمين والمسيحيين.
هذا ويتعين على الحكومة في ميانمار ضمان وصول المساعدات الأميركية إلى مناطق الروهينجا في ولاية راخين، وأخيراً يمكن لواشنطن أن تضغط من أجل تنظيم انتخابات حرة ونزيهة بحلول 2015، وعلى ميانمار أن تدرك بأن الولايات المتحدة والمجتمع الدولي ملتزمون بمساعدتها لتخطي المرحلة الانتقالية وإنجاح تحول البلاد من أحد أكثر الأنظمة العسكرية تسلطية في العالم إلى مجتمع ديمقراطي، ومع أن ميانمار اتخذت بالفعل بعض الخطوات الإصلاحية، إلا أن هذه الأخيرة لن تكتمل بدون التصدي الحازم للعنف على أساس عرقي، أو ديني.
وبالنظر إلى استمرار العنف الديني الذي يستهدف المسلمين تنصح منظمتنا، اللجنة الأميركية لحرية الممارسة الدينية، أن تُبقى الولايات المتحدة على وضع ميانمار باعتبارها بلداً «يثير قلقاً بالغاً» في مجال الحريات الدينية، بل يتعين على أميركا التلويح بإعادة فرض العقوبات الاقتصادية الخانقة على البلاد في حال فشلت في تحسين تعاملها مع الأقليات والحد من التجاوزات التي تطال المسلمين والمسيحيين على حد سواء.
وفي النهاية علينا ألا نختزل نظرتنا نحن الأميركيين إلى ميانمار في الابتسامة الصافية التي ترسمها المعارضة السابقة، أونج سان سو كي، على وجهها، بل علينا الاعتراف بالمعاملة السيئة للغاية التي تعاني منها الأقليات الإثنية والدينية في البلاد، وعلينا أيضاً الالتفات إلى مسلمي الروهينجا الذين تعرضوا لأعمال قتل مشينة خلال شهري يوليو وأكتوبر الماضيين، وإلى الكنائس البروتستانتية التي تدمر وتحرق، كما يتعين ألا نغفل عن عمليات حرق وقتل أخرى طالت المسلمين في مدن «ميختيلا» و«باجو» و«رانجون» خلال شهر مارس المنصرم.
وأخيراً يجب أن نقارن بين صور الرهبان البوذيين الشجعان الذين وقفوا ضد الديكتاتورية العسكرية في 2007 وبين التقارير التي تتحدث عنهم اليوم باعتبارهم المحرض الرئيس للعنف ضد المسلمين، إذ يتعين على ميانمار أن تعلم تماماً بأننا ننظر إلى الصورة الكاملة التي تؤثثها مشاهد الدمار والعنف ضد الأقليات.