بقلم: علي القيسي
وكالة أنباء أراكان ANA | متابعات
قامت في السنوات الأخيرة الماضية حملات مطاردة من قبل الجيش ضد الروهنغيا ، اعتقال، وتعذيب، وتصفية، وحرق البيوت، والتنكيل بالناس ، وأخذهم إلى مشاريع الدولة ليعملوا بالسخرة ليل نهار وبدون مقابل واستغلال نسائهم للعمل في البيوت خادمات وإذلالهن، وقد فر الكثير من هؤلاء المظلومين إلى دول مجاورة مثل اندونيسيا وماليزيا وبنغلادش، وكانت هذه الدول ترفضهم وتمنع دخولهم كلاجئين ومنهم من يغرق قاربه في البحر وينتهي به الأمر، ولكن نتيجة الضغوط الدولية والإعلامية التي كشفت مأساتهم قبلت بعضهم دولة بنغلادش وأقامت لهم مخيمات على الحدود
أما الرواية التي تتحدث عنهم ، فهي تختصر مأساتهم بعائلة من الروهنغيا تختزل كل المأساة وتقدمها للعالم بأسلوب درامي وتراجيدي يسطره لنا الراوي مصطفى القرنة ، عندما يبدأ ببطل الراوية وهو ضابط ميانماري برتبة رائد اسمه (لاي سان ) يقود مفرزة اسمها ناسكا وهي المسؤولة عن ملاحقة المسلمين الروهنغيا والمفرزة تضم عددا كبيرا من المفارز مخصصة للقتل والتعذيب والاعتقال واحتلال البيوت وأخذ محتوياتها ثم حرقها بمن فيها.
الرواية تتضمن الأدوات الفنية اللازمة مثل اللغة والأسلوب والشخوص والأحداث والسرد.
حيث أبدع الراوي القرنة في تلخيص الفكرة الأساسية والانطلاق منها وتخيل الوقائع وتحريك الشخوص الذي لكل منهما اختلاجاته وتداخلاته وانفعالاته الخاصة ، وهناك في الرواية شخصيات معيقة وشخصيات معينة ، وفي تعدد أدوارهم في العائلة الواحدة ، وكأن الراوي كان قريبا من أحداث الرواية أو كان جزءا منها، حين يتحدث عن تفاصيل بعينها مثل علاقة الرائد لاي سان بزوجته جيا ، ونفور الزوجة من زوجها القاسي الظالم والسكير الذي يعيش على طعام الحيوانات البرية، مثل القردة، والفئران ،والقطط، ولحم النيص، كان يأكل هذه الحيوانات بشراهة ، هذا الضابط أنموذج في التوحش والبربرية ، وهذا السلوك الهمجي تم توظيفه لقتل الناس وهم الرهنغيا بوحشية مطلقة ، حتى ذكر الراوي أن هذا الضابط المتوحش كان يتناول لحوم البشر في بعض المرات ، مما سبب له في النهاية مرضا غامضا وخطيرا عجز الأطباء عن اكتشافه مما انتهى به الأمر إلى الموت.
فالراوي القرنة يجيد فن السرد الروائي بأسلوب السهل الممتنع، وتجده يبرع في حبك القصة الروائية بطريقة مدهشة، لا يترك شيئا للصدفة أبدا، يخطط ويرسم الأحداث كما لو كانت تمر أمامه كشريط سينمائي ، فهو يصف حالة الجنود البائسة الذين يقومون بقتل الناس الأبرياء دون أن يسأل أحدهم نفسه : لماذا أقتل هؤلاء الناس البشر المساكين ؟
الاتجاه الكابوسي في هذه الرواية يتناسل حكايات وقصص غريبة عن الاضطهاد للمسلمين الروهنغيا على يد الجنود والضباط الميانماريين الذين لا يقلون بربرية وتوحشا عن الضابط لاي سان.
فالغابات الكثيفة في ذلك البلد كانت ملاذا للهاربين من السكان المضطهدين من جماعة الروهنغيا ، ولكن الحكومة عندما علمت بأنهم يختفون هناك قام الجيش بزراعة تلك الغابات بالألغام ، مما كان له الأثر السيء بقتل الكثير من الأبرياء صغارا وكبارا شيوخا وأطفالا.
فالراوية لم تترك شيئا من حيث الأحداث والتفاصيل والسرد في إطار المبنى الحكائي في إطار القصص في صياغتها الفنية والجمالية، وهناك المتن الحكائي والمشتمل على المادة الأولية للحكاية، أي الأحداث الأساسية كما وقعت في الواقع الفعلي والافتراضي، وهذا يدلل على أن الراوي مدرك تماما لما يقوم به من عمل روائي فني يلخص أحداثا تاريخية ماثلة ولم تكن خيالية مجردة، فهو يكتب عن قضية إنسانية يتعرض فيها قلة من المسلمين إلى الإبادة والتطهير العرقي، في ظل صمت عربي وإسلامي ودولي مريب.