[caption align="alignleft" width="300"]لا يوجد نزاع طائفي في بورما ... بقلم Rachel Wagley[/caption]
ترجمة : سعيد كريديه
أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة مشروع قرارها السنوي ضد بورما داعية الحكومة البورمية إلى معالجة " العنف الطائفي " الذي اندلع عام 2013 م وقد أصبحت مصطلحات " العنف الطائفي "و " العنف الديني"، و " العنف بين الطوائف " تشير مباشرة إلى الهجمات ضد المسلمين في بورما. فطالما أنها تستخدم لوصف حوادث محددة خلال هجمات حزيران (يونيو) وتشرين الأول (أكتوبر) عام 2012 في ولاية أراكان فهي إلى حد ما دقيقة.
ولكن الاستخدام الشامل لهذه المصطلحات لوصف الهجمات الجارية ضد المسلمين في جميع أنحاء بورما هو غير دقيق ومثير للفتن. فهو يقوم بعملية تطبيع للاعتقاد الخاطئ بأنه في عام 2013م كان المسلمون الضحايا و الجناة على السواء.
وفي المناخ المعادي للمسلمين في بورما يساعد هذا الاعتقاد الخاطئ على إضفاء الشرعية على الحملات التي تكون ضد المسلمين و تشتيت الانتباه بعيدا عن تواطؤ الحكومة في هذه الحملات.
فالعلاقات العرقية والدينية في بورما ، وفي ولاية أراكان على وجه الخصوص، هي بالتأكيد معقدة بشكل لا يصدق، حيث بنيت على مدار السنين على عدم الثقة وعدم المساواة و تدخل الحكومة المسيء ، وعلى الدعاية.
وحتى مع ذلك ، فإن الهجمات هذا العام لم تكن "طائفية " فالعنف الطائفي هو مصطلح يصف العنف بين مجموعتين دينية أو عرقية على سبيل المثال، والمجموعات المشاركة سواء كانت اثنين أو أكثر هي من مرتكبي وضحايا العنف . ولكن في بورما وخلال العام الماضي لم يكن المسلمون الجناة بل كانوا وما يزالون وبوضوح ضحايا حملات شريرة يقودها بوذيون في مجال الإعلام و القانون والسياسية والدين تهدف إلى تهميش و حرمان و حجب العدالة عن المسلمين .
إن استخدام مصطلحي " الطائفية "، " بين الطوائف "، وغيرها مدمرة بطريقتين :
1 ) يخلق ويسمح لسوء الفهم حول طبيعة ومصدر العنف المعادي للمسلمين .
2 ) يوفر غطاء لدور الحكومة في العنف من خلال توجيه انتباه الجمهور إلى ادعاءات المسلمين و البوذيين بدلا من السياق القانوني والسياسي العنصري التي يشعل العنف، وهذا ينتج خطاب سيء يقوض أي حل حقيقي للنزاع.
ومن خلال إطلاق تسميات مثل "طائفية " لأزمة المسلمين فإن وسائل الإعلام والجهات الفاعلة الدولية تغير من واقع الأزمة استطراديا ، مأثرة بشكل خاطئ على الرأي العام و السياسة.
فإذا تم اعتبار الأزمة على أنها "طائفية" أو " بين الطوائف"، فإنه يمكن أن تطرح كأزمة يتشارك الجميع بها في اللوم، و يتم التعامل مع الضحايا الحقيقيين للأزمة بأقل عدالة و إنصاف قانوني مما لو كانوا على خلاف ذلك لأنه سوف ينظر إليه على أنهم مشاركين تحت طائلة المسؤولية ، على الأقل من حيث روابطها العرقية / الدينية.
ووصف هذه الأحداث بأنها " طائفية" يخفف من وطأة الأعمال العرقية الدينية للحكومة البورمية ، و يركز على فكرة أن أولئك الذين ليسوا بورميين ولا بوذيين وهم أقل استحقاقا للعضوية في الهوية الوطنية.
وقد كرست الحكومة أعمالها العرقية-الدينية من خلال التمييز القانوني والعنف بطريقة واضحة ضد الأقلية المسلمة لسنوات . فعملية " الملك التنين " التي قامت بها بورما عام 1978 م هي صورة مفيدة لفهم جدول أعمال الحكومة العنصري.
وخلال العملية ، ظهر نهج للحكومة في تركيزها على التدقيق في مشروعية الروهنجيا وغيرهم من الأقليات مما ولد أعمال القتل والعنف الجنسي ، و التدمير من قبل الحكومة والسكان المحليين في أراكان .
فقد تم طرد 200,000 روهنجي من بورما كما تواصلت الهجمات المنسقة في بعض الأحيان ضد الروهنجيا وغيرهم من المسلمين خلال عام 2000م .
التمييز التاريخي ضد المسلمين سمح لقوات الأمن الحكومية ، خلال هجمات عامي 2012م و 2013م تقريبا بالوقوف مكتوفة الأيدي ومشاهدة ما يحدث ، وفي كثير من الحالات من المشاركة في أعمال العنف ضد المسلمين مع الإفلات من العقاب .
وكانت الهجمات المعادية للمسلمين منذ حزيران (يونيو) 2012م منهجية ومخطط لها مسبقا و غذتها الحكومة من خلال النشرات والخطب المعادية للإسلام التي أطلقها رجال الدين البوذيين .
والرئيس ثين سين ، هو المدافع اللامع لوصمة العار في بورما المتمثلة في الراهب ويراثو المعادي للمسلمين والذي أعلن بنفسه أن الحل الوحيد لأزمة الروهنجيا يكمن بنقلهم بشكل جماعي إلى خارج البلاد أو إلى المخيمات.
وقد حقق هدفه إلى حد ما في ولاية أراكان حيث تم سجن ما يقرب من 140,000 من الروهنجيا في المخيمات و فر عشرات الآلاف منذ عام 2012 م.
وقد اعترفت الحكومة مرارا وتكرارا بالطبيعة المنظمة للهجمات، ولكن اختارت عدم التدخل ، حتى مع المخابرات السابقة. وسبب هذا في كثير من الأحيان هو أن الهجمات تتطابق مع الأيديولوجية العرقية الدينية للحكومة، وأنه وفقا لبعض الخبراء، تقوم هذه الهجمات بتمكين قوة الحكومة والسلطة خلال ما يسمى الانتقال إلى الحكم المدني .
إن وصف الهجمات على أنها " طائفية " هو خطاب سيء ولديه القدرة على تطبيع الاعتقاد بأن الخطأ يكمن داخل الطائفتين، وليس من خارجهما.
أصبحت الأمم المتحدة ومعها الجهات الفاعلة الدولية الأخرى من المتحمسين للحكومة البورمية في المساعدة على " تهدئة " التوترات العرقية و الدينية ، والتي يرون أنها السبب الرئيسي للعنف " بين الطوائف " .
لكن الحكومة البورمية ، بعيدا عن كونها وكيلا قادراً على تهدئة التوترات العرقية و الدينية ، هي المنفذ الرئيسي لسياسة التمييز ضد المسلمين ، وسيدة الصراع العرقي و الديني ، وقد لعبت هذا الدور بنجاح لعقود .
يوفر الخطاب السيء ذريعة للجهات الفاعلة الدولية لتجنب معالجة المشاكل الصعبة والعميقة الهيكلية والتي هي الأكثر تأثيرا في تأجيج العنف وتمكينه من الاستمرار : الإفلات من العقاب النظامي، التمييز القانوني ، و سياسة الحكومة والتواطؤ .
ونظرا لهذه المشاكل الهيكلية ، حتى لو تم تهدئة التوترات الاجتماعية لتكون فجأة فلن تحل الأزمة في بورما . فجذور العنف بالكاد موجودة في المجتمعات البوذية و المسلمة المحلية وحدها ومحاولة حل العنف ضد المسلمين في بورما من دون إدراك ومعالجة دور الحكومة هو تفكير ساذج .
وتحديد أزمة المسلمين على ما هي عليه الآن بما في ذلك الهجمات المنهجية و الواسعة النطاق ضد أقلية مهمشة و محرومة من الأهلية من قبل الحكومة هو الخطوة الأولى نحو الحل حقيقي .