[caption align="alignleft" width="300"]انتهاك حقوق أطفال ميانمار... أرقام وتقارير مفزعة ... بقلم: جنان العنزي [/caption]
ما أقره القانون الدولي من تجريم لكل صور الانتهاكات الحقوقية التي يتعرض لها البشر دون النظر إلى الجنس أو اللون أو المعتقد لم يكن كافيا سوى لإثبات أن ما يحدث في ميانمار هو خارج سياق البشر، وذلك في ظل تصاعد موجات العنف الطائفي التي خلفت بيئة اجتماعية غير صالحة للتعايش السلمي بين أبناء ميانمار.
وفي ظل هذه الأوضاع, يعاني الأطفال في ميانمار كما أطفال العالم مآسٍ كبرى بسبب الصراعات المسلحة التي بات فيها الطفل مادة اللهب الذي يشعل الحروب الأهلية، حيث يُستغل الاطفال في الحروب والصراعات الوحشية سواء من خلال تجنيدهم، أو من خلال سلبهم أبسط حقوقهم في الحياة، بحرمانهم من التعلم، وإجبارهم على العمالة، فضلا عن ممارسة العنف الجنسي والجسدي ضدهم.
وفي ظل ما يمارس من انتهاكات, كانت الصرخات تدوي من قبل المؤسسات الإنسانية والحقوقية العالمية تعلن عن موت الضمير الإنساني في هذه القضية التي لا يمكن للعقل أن يستجمع مفرداته لفهم كل هذا الحقد بين أبناء مجتمع يعيشون معاً على أرض واحدة عبر آلاف السنين.
في ميانمار طوائفُ متعددة إلا أن منطقة إقليم آراكان هي الأكثر سخونة وعنفا وذلك نظراً لما يتعرض له سكان هذا الإقليم من انتهاكات, وهم طائفة الراخين المسلمة, من قبل المنتمين للبوذية على تلك الأرض ولأن الأزمة متشعبة ومتعددة الأوجه في نتاجها السلبي فإنني أستعرض هنا بعض هذه الأوجه الخاصة بحقوق أطفال الروهنجيا وما توصلت له تحقيقات وتقارير المؤسسات الحقوقية.
هيومن رايتس تدين
أصدرت منظمة هيومن رايتس ووتش تقريراً مطولا بتاريخ 22 أبريل من العام الجاري تدين فيه أعمال العنف التي تمارس ضد طائفة الروهنجيا المسلمة في ميانمار ولكن الأمر البالغ السوء هو ما توصلت له المنظمة من أن أعمال العنف تتم تحت سمع وبصر السلطات المنوط بها حماية المواطنين وتحقيق الأمن لهم على حد سواء .
ويتمثل الانتهاك الجسيم بحق الأطفال في ميانمار فيما يتعلق بالعمل الجبري الذي يفرض من قبل الدولة على من هم دون السن القانونية خاصة ما يعرف بالتجنيد العسكري, وهو ما أكده تقرير صادر عن "هيومن رايتس ووتش" جاء فيه "استمر العمل الجبري في مختلف أنحاء البلاد رغم التزام الحكومة بإنهاء هذه الممارسة بحلول عام 2015 بموجب خطة عمل وافقت عليها منظمة العمل الدولية. كما تستمر عدة جماعات مسلحة في استخدام وتجنيد الأطفال وذلك في ظل أن حكومة ميانمار تقوم بمنع هيئات الأمم المتحدة من بلوغ مناطق الأقليات العرقية التي تسيطر عليها جماعات مسلحة لبحث مسألة تسريح ودمج الأطفال الجنود في المجتمع.
وتابع التقرير أن جيش حكومة ميانمار مستمر في التورط بعمليات قتل خارج نطاق القضاء ومهاجمة المدنيين والعمل الجبري والتعذيب والنهب واستخدام الألغام المضادة للأفراد مؤكداً أن العنف الجنسي ضد النساء والفتيات ما زال يمثل مشكلة جسيمة، ونادراً ما يمْثُل الجناةُ أمام العدالة.
قتل الأطفال
ولا يقتصر الأمر على العمالة الجبرية أو استخدام الأطفال في الحروب والنزاعات بتجنيدهم بل تم قتل الأطفال في حضور الشرطة والجيش وهو ما أكده تقرير نشرته وكالة الأنباء للمعلومات في شهر نوفمبر الجاري جاء فيه أنه خلال اعتداء حدث في 23 أكتوبر من العام الجاري تم قتل ما لا يقل عن 70 شخصاً من المسلمين الروهينجيا في مذبحة وقعت في ساعات النهار، في قرية يان ثيي في بلدية مراوك – يو. ورغم وصول تحذيرات مسبقة بالهجوم الوشيك، لم يكن في الخدمة وقتها سوى عدد قليل من رجال شرطة مكافحة الشغب والشرطة المحلية وجنود الجيش، لكنهم عاونوا في أعمال القتل إذ صادروا عصي وأسلحة الروهينجيا البدائية الأخرى التي حملوها للدفاع عن أنفسهم. وكان بين القتلى 28 طفلاً طُعنوا حتى الموت، بينهم 13 طفلاً تحت سن 5 أعوام.
مخاطر التشريد
ويأتي التشريد كأحد صور انتهاكات حقوق الطفل الآراكاني حيث نتج عن تصاعد أعمال العنف نزوح مئات الآلاف من الأسر فراراً من القتل. هذا النزوح كان مصحوباً بحالة من ضيق العيش وقلة اليد تسببت في لجوء الفارين إلى مناطق لا إنسانية في ظل تخاذل دولي ورفض من قبل الدول التي لجأ إليها الفارون. جميع ما سبق كان له أثره السلبي على حياة الأطفال وهو ما دفع منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، للمطالبة بإنهاء العنف الطائفي في ولاية آراكان فورا, حمايةً للأطفال هناك على حد وصف المنظمة، وذكرت المنظمة - في بيان لها في جنيف - أن الاشتباكات العنيفة بين الطوائف في الولاية عادت مجدداً، وأضافت أن الموجة الجديدة للنزوح تضاف إلى العدد الكبير للعائلات والمجتمعات التي كانت قد نزحت من الولاية في عام 2012 بسبب العنف الطائفي والتي مازالت غير قادرة على العودة بسبب المخاطر التي تهدد أمنها.
وعلى أثر ذلك قال برتراند بانفيل ممثل اليونيسيف في عاصمة ميانمار يانجون إن تهجير الأطفال إضافة إلى المعاناة الكبيرة التي يواجهونها، يعرضهم لمخاطر أكثر جدية تتمثل في الانفصال الأسري والعنف المنزلي كما أنها تفوت عليهم فرص التعليم وتتسبب في أضرار نفسية ومادية كبيرة لهم .
تجنيد أطفال
في سياق متصل, قال مسؤولون أمريكيون إن الولايات المتحدة تحركت لمنع المساعدات العسكرية عن خمس دول بينها سوريا والسودان بسبب تجنيد الأطفال في الصراعات المسلحة، وذكرت وزارة الخارجية الأمريكية أن العقوبات تشمل أيضا جمهورية أفريقيا الوسطى ورواندا وميانمار، وقالت ليندا توماس جرينفيلد مساعدة وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الأفريقية "هدفنا هو العمل مع الدول المدرجة لضمان وقف أي ضلوع في تجنيد الأطفال".
وهنا أرغب في أن أسجل أن ما ورد في هذا المقال هو جزء بسيط من صورة لا نستطيع أكمالها نتيجة الحصار الإعلامي على هذه القضية ولكن هذه الصرخات التي كانت في السابق بلا صوت, نسعى الآن لأن يكون صوتها مدوياً احتراماً للمبادئ والقيم الإنسانية التي لا يمكن تجاهلها أو نسيانها .
بقلم: جنان العنزي
رئيسة لجنة الروهنجيا بالجمعية الكويتية لحقوق الإنسان