[caption align="alignleft" width="300"]الرهبان البوذيون في ميانمار يقودون التعصب الديني ويعرقلون الإصلاح –[/caption]
وكالة انباء أراكان (ANA)
تحليل بقلم : إليانا كواتس
ترجمة : سعيد كريديه
نزل 200 راهب بوذي إلى شوارع يانغون يوم 12 نوفمبر 2013 للاحتجاج على زيارة وفد رفيع المستوى من منظمة التعاون الإسلامي ( منظمة المؤتمر الإسلامي ) .
قُوبل الوفد (الذي يضم الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي ووزراء كبار من سبع دول أعضاء - إندونيسيا وماليزيا و بنغلاديش والسعودية و تركيا وجيبوتي و مصر) بمظاهرات ضد أكبر كتلة إسلامية في العالم .
وكما حدث عام 2012م قاد المظاهرات رهبان بوذيين يطالبون منظمة التعاون الإسلامي بأن لا تتدخل في الشؤون الداخلية لميانمار .
أتى الوفد (الذي كانت مهمته استعراض أوضاع المسلمين في ميانمار) بعد ما يقرب من 18 شهرا من اندلاع العنف في ولاية راخين الغربية بين المسلمين الروهينغا والبوذيين في شهر حزيران (يونيو) 2012م ، والتي تطورت إلى اشتباكات واسعة في جميع أنحاء ميانمار مما أدى إلى وفاة 240 شخصا وتشريد 240,000 شخص - غالبيتهم من المسلمين الروهينغا .
تاريخ القومية البورمية البوذية :
العداء المناهض للمسلمين لدى البوذيين البورمين له جذوره في الاستياء من التاريخ الاستعماري قبل 80 عاما.
فقد أدى الاستعمار البريطاني لشبه القارة الهندية و ميانمار و إزالة الحدود التاريخية في القرن 19 إلى سياسة الهجرة المفتوحة إلى تدفق العمال البنغاليين المسلمين إلى ميانمار.
يدعي الرهبان البوذيون أن الروهينغا ينحدرون من السكان البنغاليين المهاجرين ، بالإشارة إلى قانون الجنسية لبورما عام 1982م والذي رفض الاعتراف بالروهينغا كمجموعة عرقية في ميانمار ، وبالتالي أجاز بشكل أساسي التمييز ضد الروهينغا .
في الواقع قاد الرهبان البوذيون أعمال الشغب في ثلاثينات القرن الماضي خلال فترة الكساد الكبير والتي أسفرت عن ظهور حركة "دوه باما" ( أي نحن بورما) ونتيجة لذلك شهدت تلك الفترة صعود القومية البورمية البوذية و بداية ظهور مشاعر على مستوى الأمة معادية للهند ، والتي تطورت لاحقا إلى مواقف معادية للمسلمين .
اليوم قسم من الرهبان البوذيين البورميين بقيادة آشين ويراثو هدفهم إعادة إشعال المشاعر من خلال مواعظ الكراهية و بذر الخوف الذي يحرك الانقسامات الدينية في المجتمع.
وويراثو (وهو أحد الشخصيات الكبيرة في دير بوذي في ماندالاي) هو مؤسس حملة ( 969 ) القومية الاقتصادية التي تشجع البوذيين للتسوق فقط من متاجر البوذيين .
روايتان بارزتان تكمنان وراء الحملة المعادية للروهينغا :
الأولى هي فكرة " الخرق الإسلامي" والتي تضرب بعمق داخل المجتمع البورمي البوذي، وهي ترتكز على أنه هناك خوف من الانفجار السكاني للمسلمين الذي من شأنه أن يخرب الهوية البوذية لميانمار .
هذه المخاوف تنبع من حقيقة فشل العديد من الروهينغا في استيعاب العادات والتقاليد البورمية و نمط الحياة. وعلى الرغم من انتقادات لأونغ سان سو كيي - زعيمة المعارضة و المتحدثة باسم حقوق الإنسان - وكذلك المجتمع الدولي فقد بدأت العديد من المدن في أيار (مايو) من هذا العام بفرض سياسة تمييزية وهي إنجاب طفلين على أسر الروهينغا من أجل أن يتباطأ نموها السكاني.
ووفقا لمتحدث باسم الحكومة في ولاية راخين فإن الروهينغا " يحاولون أسلمة [ البوذيين ] من خلال معدل المواليد العالي لديهم "، مشيرا إلى أن النمو السكاني للروهينغا هو أكثر بعشر مرات من البوذيين.
ومع ذلك يجادل الاقتصاديون في مركز (أش) للحكم الديمقراطي والابتكار في هارفارد أنه لا يوجد أي دليل على وجود زيادة معدل المواليد لدى الروهينغا و بدلا من ذلك وجدوا أنه كان هناك خروخ للروهينغا إلى بنغلاديش في معظم الأحيان، منذ عام 1950م.
الرواية الثانية والتي يجري نشرها هي شعار "بدأها الروهينغا " و ترتكز على أن هذه المجموعة من الأقلية المسلمة استولت على أراضي البوذيين في ميانمار، وبعد استقلال ميانمار عام 1948م ، شكل الروهينغا عصابات من المجاهدين شنت حملة عسكرية لمدة 13 عاما من أجل إقامة دولة إسلامية منفصلة أو الانضمام إلى باكستان الشرقية ( بنغلاديش حاليا ) .
في حين هزمت هذه الحركة ، لا يزال الاستياء بين البوذيين بينما يُنظر إلى التمرد باعتباره خيانة كبيرة و تهديدا لسيادة ميانمار الجديدة .
وقد وجه اللوم أيضاً إلى الروهينغا في إشعال الاشتباكات العرقية الأخيرة بعد الإدعاء بعملية اغتصاب مزعومة لامرأة بوذية في أيار (مايو) 2012 م والتي سرعان ما أدت إلى هجمات انتقامية من قبل البوذيين المحليين.
ومن المفارقات ، فإن الجهود التي بذلها الرهبان البوذيين لنشر هذه الروايات قد تمت بتسهيل من الإصلاحات التي ظهرت في ميانمار. بينما كانت التوترات العرقية والانفصالية خلال فترة المجلس العسكري تُصد بعمليات عسكرية صارمة ( وأحياناً مبررة ) ، فإن الحرية الجديدة سمحت للرهبان البوذيين ، مثل Wirathu بنشر أفكار التعصب الديني و تأجيج نيران الخوف من الإسلام .
احتضان التنوع ورئاسة الآسيان :
بينما ارتبطت الأمة البورميين أساسا في الماضي بالبوذية ، حان الوقت الآن لبذل جهد أكثر من ميانمار ، وبخاصة كبار الرهبان البوذيين لتبني التعددية الثقافية و إدانة خطاب الكراهية و تجد قوة في التنوع العرقي .
لا شك أن ميانمار شهدت التحولات الاقتصادية والسياسية السريعة منذ عام 2011م وقد عقدت الانتخابات و رفعت قوانين الرقابة و أطلقت سراح المئات من السجناء السياسيين ومع ذلك ينبغي أن لا يعالج بإصلاح القشور فقط وترك الجوهر، بما في ذلك الهوية الوطنية و بناء الشخصية .
وبعد عقود من الحرب الأهلية بين القوميات العرقية و ظهور شعور مضاد للمسلمين ، فمن الواضح أن إنكار التنوع العرقي في ميانمار قد سبب ضررا لهذا البلد وشعبه.
وكما قال الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في تموز (يوليو) من هذا العام : "هناك الاستقطاب الخطر الذي يجري داخل ميانمار " و " إذا لم يتم التصدي له على وجه السرعة و بحزم، يمكن أن تثير التوترات الكامنة اضطرابات أكثر وهذا يقوض عملية الإصلاح و ينتج تداعيات إقليمية سلبية " . التغيير يمكن أن يبدأ مع الإصلاح الدستوري لإلغاء قانون المواطنة لبورما لعام 1982م .
هذا الاختيار هو مهم الآن أكثر من أي وقت مضى خصوصا عندما أصبحت ميانمار مؤخرا رئيسة الآسيان لعام 2014م وعليها الإثبات أن هذه ليست خطوة سابقة لأوانها نظرا للمناخ المتزايد من انعدام الأمن للأقليات داخل حدودها.
هناك الكثير على المحك لكل من دول الآسيان و ميانمار وكلا الطرفين يريد ميانمار أن تطبع مكانتها الدولية و تزيد الشرعية السياسية التي تشتد الحاجة إليها للنظام في العاصمة الجديدة نايبيداو .
أكثر من ذلك ، ميانمار تريد إظهار إصلاحاتها ، وبذلك ، تعطي صورة إيجابية عن نفسها دوليا . حتى الآن، هذه الصورة هي التي تعتمد على ثقة الجمهور في كيفية تعامل ميانمار مع مجتمعها ، بما في ذلك سكان الأقليات .