[caption align="alignleft" width="300"]منظمة التعاون الإسلامي.. وموعد مع مسلمي ميانمار | د. هالة زكي[/caption]
أخيرا... وبعد كثير من الجدل والمفاوضات وصل وفد منظمة التعاون الإسلامي الذي ضم دبلوماسيين من مصر والسعودية وماليزيا وأندونسيا وتركيا وبنجلاديش وجيبوتي
إلي جانب د. اكمل الدين إحسان الأمين العام للمنظمة إلي ولاية راخين' أركان' بميانمار مؤخرا لتبدأ أولي جولاتهم بمخيم مونج داو الذي يضم الكثير من الأسر المسلمة.
فمن المعروف أنه قبل الوصول إلي هذا المخيم سيطرت جملة من الاعتراضات والمظاهرات علي المشهد طالبت وفد التعاون الاسلامي بالرحيل حتي قبل أن تطأ أقدامهم أرض ميانمار, ولا عجب في هذا فالمشهد قريب إلي التوقعات حيث إنه لم يكن ليختلف كثيرا عما حدث في العام الماضي عندما أحرق بعض البوذيين مقر المساعدات الإنسانية لمنظمة التعاون الاسلامي.
الا أن الوفد شكك في التصورات المسبقة عندما أوضح منذ البداية أن المنظمة في الاساس سياسية وليست دينية وأنها لا تتدخل في الشئون الداخلية للبلاد, والأكثر من هذا أنه لن يكون هناك تفريق عند تقديم للمساعدات الإنسانية بين أهل راخين. فلابد أولا من بناء الثقة بين البوذيين والمسلمين لتجاوز هذه الصعوبات غير المبررة. كما أنه في حالة موافقة ميانمار علي تصورات البناء الجديد لهذه الثقة ترفعها المنظمة إلي إجتماع وزراء خارجية الدول الإسلامية بكوناكري بغينيا في ديسمبر الحالي من أجل العمل المشترك.
ومع هذا الشك في التصورات المسبقة بدأ جدل من نوع أخر في قضية مسلمي الروهينجيا وخاصة أن إختفاء الانطباع التقليدي لدي البوذيين مع هذا الحديث المفتوح الذي دار بين الوفد والمسلمين والبوذيين والاستماع إلي شكوي أهل المكان أصبح مقبولا بل ويفتح الطريق أمام بدايات انفراجة كانت وبحسابات السياسة الوقتي غير ممكنة حيث أنها أركان الولاية الشاهدة علي سنوات طويلة من سوء التفاهم والصراعات التي جعلت من مسلمي الروهينجيا لاجئين وليسوا مواطنين يعرفون حقوقهم وواجباتهم.
فهناك تاريخ طويل مأساوي بلغت أحداثه قمتها في صيف العام الماضي. وأول الأحداث بدأ مع وصول مجموعة من التجار المسلمين ينتمون في الأصل إلي شبه القارة الهندية والجزيرة العربية في القرن التاسع الميلادي لتكون لهم صلاتهم التجارية مع أهل أركان الذين تألفوا مع الاسلام عبر فكرة التاجر الأمين فدخلوا عن اقتناع في الدين الحنيف الحاكم لهؤلاء التجار. وتؤكد الموسوعة الحرة إن البورميين المسلمين هم في الأصل من سلالة العرب والفرس والأتراك والمورو والهنود والبشتون والملايو التي استقرت وتزاوجت مع أهل بورما. وكانوا تجارا ومستوطنين و أسري حرب ولاجئون وصلوا إلي تولي مناصب كبيرة في الدولة, الا أن هذا المشهد الهادئ سرعان ما تغيرت ملامحه مع دخول الاستعمار الاجنبي الذي أتبع سياسات تمييزية وطائفية تهدف في النهاية إلي التفرقة لكي يستمر وجود الغريب الذي لا أرض له ولا جذر في المكان.
وهكذا بدأت حركة إقصاء لهؤلاء المسلمين من شركائهم البوذيين بعد أن استتتب للاستعمار الوجود والتمكن وتطور الامر إلي مجازر اشتعلت في العشرينيات لتدمر أكثر من ثلاثمائة قرية وتقتل عشرة آلاف شخص وتتسبب في نزوح ثمانية آلاف أخرين. وبعدها لم تتوقف العجلة أبدا ولهذا نزح العديد من مسلمي الروهينجيا إلي بنجلاديش لتصب المسألة في إطار حركة تفريغ في السبعينيات لأكثر من مائتي ألف من أهل البلاد. ولتستمر مؤشرات التوتر في الصعود في الثمانينيات والتسعينيات حتي أصبح الحل المنطقي لهذه الأزمة هو خروج المسلمين إلي وطن أخر خاصة أن هناك مشكلة أخري تتعلق بقانون الجنسية الصادر في ميانمار في عام.1982
فعندما تتطور الأمور يصبح المشهد مفزعا حتي أنه في السنوات الثلاث الأخيرة أصبح ما كان يحدث في حدود ميانمار يسمع ويري في العالم كله ويتطلب تدخلات هيئات الإغاثة الدولية والدخول بملف مسلمي الروهينجيا علي الخط السياسي حتي أن الولايات المتحدة قد طالبت حكومة ميانمار بعد زيارة أوباما لميانمار في العام الماضي بوقف تطبيق سياسة تحديد النسل والقتل التي تستهدف مسلمي ولاية راخين.
كل هذا والعالم مايزال لا يتجاوز قصة التصريحات والتنديد بما يحدث في البر الشرقي الا أن ما حدث منذ أيام في راخين قد يمنح أملا في فرصة تعارف جديدة بين شركاء الوطن ويفتح بابا جديدا. فحتي في أكثر المشكلات تعقيدا لابد أن يدخل الاقتصاد والدبلوماسية وقبول الأخر علي الخط لفتح الأبواب المغلقة. صحيح أن هذه الزيارة لا يمكن أن تكون نهاية مشكلة استمرت سنوات وسنوات كما أنها لن تكون الحل السحري لعداوات تراكمت في سنوات عديدة ولكنها تناول جديد وخطوة قد تنجح إذا أحسنا الرؤية...وإذا أعتبرنا أن هناك مفاتيح قد تساعد في حل كثير من مشكلات هذا العالم أولها التفاهم وقبول الآخر.