بدأت العملية بصمت عندما تعرض عشرة من دعاة المسلمين لمذبحة على يد مجموعة بوذية، حيث قامت بالتمثيل بجثثهم دونما أدنى كرامة للميت، وكعادتها غضّت الحكومة العسكرية (الميانمارية) الطرف عن ذلك الفعل.
وعندما لم تسمع أي رد فعل من قبل العالم الإسلامي كما حدث في مناطق عربية أخرى، وها هي القيامة قامت من أجلها ولم تقعد بعد؛ تشجّعت الجماعات البوذية المسلحة وبدعم من الجيش هذه المرة، بمهاجمة بيوت المسلمين وقتل من فيها دون رحمة. وقد تم في العملية إحراق أكثر من 3 آلاف منزل في قرى المسلمين البورمية.
هذا جزء بسيط مما يحصل اليوم للمسلمين فيما يسمى «اتحاد ميانمار» (بورما سابقاً)، على أيدي البوذيين المتعصبين ضد المجموعات الإسلامية من شعب «الروهينجا» في ولاية «أركان» المتاخمة للحدود مع بنغلاديش، حيث يُدين أكثر من 800 ألف نسمة بالإسلام. وللعلم أن هؤلاء المسلمين ليسوا من الرافضة وليسوا ممن يُعادي الكيان الصهيوني الغاصب لفلسطين والذي لا يرضى بعض العرب والمسلمين هذه الأيام بالحديث عنه بسوء، حتى يتم التغاضي عمّا يُفعل بهم والسكوت عن نصرتهم وتحريم الدعاء لهم بالنصر. وما فائدة إدانة شفوية من الأزهر أو شجب كلامي من منظمة المؤتمر الإسلامي أو اتهام مكتوب من منظمة العفو الدولية للسلطات في «ميانمار» والجماعات البوذية بممارسة أعمال تطهير عرقي ضد الأقلية المسلمة في هذا البلد؟ ماذا ينفع أمام تعامل الحكومة العسكرية في «ميانمار» بكل وحشية القرون الوسطى مع هؤلاء المسلمين الذين لاقوا أشد أنواع القتل والتمثيل بجثثهم على أيدي البوذيين المتعصبين في برنامج تطهير مخطط له مسبقاً عبر ممارسات عديدة لاستئصال شأفة المسلمين من تلك البلاد لتبقى بوذية خالصة.
وربما يدعى البعض بلا ضمير ولا حس إنساني بأن هؤلاء المسلمين لا يشكلون وفقاً للتعداد الحكومي للسكان، أكثر من 4 في المئة من شعب بورما. لكن ألا يجهدون أنفسهم ولو للحظة، كما يفعلون ليلاً ونهاراً لمناطق بعينها، لقراءة بعض تقارير أصحابهم في وزارة الخارجية الأميركية للعام 2006 التي تقدر عدد المسلمين بما يقارب 20 في المئة من سكان بورما.
هؤلاء المسلمون وصلوا إلى بورما في القرن التاسع للميلاد كتجار أو مستوطنين أو عساكر أو أسرى حرب أو لاجئين أو ضحايا العبودية، واستوطنوا ولاية «أراكان». وقد وثق الرحالة العرب والفرس والأوروبيون والصينيون معلومات مهمة عن مستوطنات المسلمين الأولى ونشرهم الإسلام في القرن التاسع في تلك المناطق من الشرق الأقصى. فالبورميون المسلمون هم من سلالة شعوب مسلمة من العرب والفرس والأتراك والهنود والبنغال والبشتون ومن مسلمي الصين والملايو. كل هؤلاء استقروا وتزاوجوا مع المجموعات العرقية المحلية في بورما. وقد خدموا دولتهم في جميع المجالات واستلم الكثير منهم مناصب مهمة في الدولة مثل مستشاري الملك ومسئولين ملكيين وسلطات الموانئ ورؤساء البلديات وأطباء تقليديين.
ثم ازداد عدد السكان من المسلمين في بورما خلال الحكم البريطاني بسبب وصول موجات جديدة من المسلمين المهاجرين الهنود، حتى توقفت هذه الهجرات رسمياً عند استقلال بورما (ميانمار) في 4 يناير 1948.
فلماذا يتم التغافل عنهم وهناك من سارع لإغاثة من أُمروا بإغاثتهم سريعاً مع أنهم لم يتعرضوا لإبادة ممنهجة كما يُفعل بالمسلمين من قبل الوثنيين في بورما. فأيهما أحق بأن ننصره من إخوتكم في الدين؟ على الأقل إن لم يكن بشق تمرة في شهر الله الكريم، فبكلمة حق تطلقها وتوصلها عبر أجهزة الإعلام المتنوعة اليوم لربما بسبب كثرة هذه الكلمات من جميع مسلمي العالم، خصوصاً العرب المترفين، تؤثر في تخفيف عذاب إخوتكم في بورما إن لم يكن في إيقاف هذا العذاب الذي تستطيع العديد من الدول الإسلامية الكبرى أن توقفه بعدة طرق لو أرادت فعلاًً وحقاً كما تفعل مع غيرهم.
هل يعلم هؤلاء الصامتون عمّا يحدث هناك، بأن السلطات البورمية لم تكتفِ بالأعمال الوحشية، بل ضيّقت على المسلمين سُبل العيش، حيث إن حظر التجول منعهم من العمل، الأمر الذي تسبب في مجاعة كبرى لهم. وقد قامت قوات الشرطة – بدلاً من وقف عمليات التطهير والقتل العمد ضد المسلمين – بعمليات اعتقالات واسعة للشباب والرجال، بعد أن اغتصبت النساء، وأخذت الأموال ودمّرت الممتلكات. وبعض الذين لاذوا بالفرار من الجحيم العرقي وركبوا القوارب باتجاه بنغلاديش «المسلمة» فوجئوا، للأسف، بحرس الحدود البنغاليين، الذي يحتضنهم الخليج، يمنعونهم من الدخول بسفنهم ويأمرونهم بالعودة إلى جحيم «ميانمار»، حيث تتلقاهم هناك رصاصات الجيش الوثني بالقتل المباشر في الرؤوس! ومن بقي من هؤلاء فقد تقطعت بهم السبل في زوارق واهية بين السماء والبحر دون طعام أو شراب، ولذا مات بعضهم ما اضطر الباقين لرمى جثثهم في البحر.
ولأن العالم الغربي يكيل بمكيالين دائماً وخصوصاً تجاه المسلمين، فقد منح سياسيةً بورميةً بوذيةً، جائزة نوبل للسلام لأنها رئيسة الجمعية الوطنية للديمقراطية في «ميانمار»، ولا ندري أي ديمقراطية وأي سلام منحت من أجله الجائزة وسط اضطهاد مزمن لنحو 20 في المئة من السكان المسلمين في بلادها. ولأن العالم الإسلامي وزعماءه رغم قوتهم الاقتصادية الهائلة عاجزون عن حتى تهديد حكومة بورما العسكرية للحد من قتل المسلمين بها؛ فقد دعا الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي أكمل الدين إحسان أوغلو تلك السياسية البورمية الشهيرة، لأن تلعب دوراً لإنهاء العنف ضد الأقلية المسلمة في ولاية «أركان»! يا سلام على الشجاعة المفرطة في المواقف حين نطالب بورمية بوذية لأن تلعب دوراً ضد بني ديانتها من أجل «شوية» مسلمين، كما يصفهم بعض العرب، لتأخذ بحقهم من حكومتها!
فيا من تطلقون الصيحات تلو الصيحات ليلاً ونهاراً باللافتات المدفوعة الثمن غالياً وتزينون بها الشوارع وتعقدون الندوات وتجمعون التبرعات أمام المساجد أو من خلال حسابات البنوك عبر الفضائيات؛ ألم تحرّك ضمائركم صيحات الأطفال ودموع الثكالى والأيتام والأرامل في بلد يدين كثير من سكانه بما تدينون به يسمى «ميانمار»؟ أم أنكم كما قال الشاعر مظفر النواب: تتحرّك دكة غسل الموتى أما أنتم فلا تهتز لكم رقبة.
المصدر/الوسط