ن موقف دولة الإمارات النبيل، المتمثل في دعم مسلمي بورما، يأتي من منطلق الالتزام الدائم بالعقيدة الإسلامية السمحة واستجابة لرسالة السماء في نصرة الإنسانية وإنصاف المظلومين، فهي تقدم المساعدات المالية والعينية إلى المنظمات والجمعيات وهيئات الإغاثة والوكالات الإنسانية المتخصصة من أجل مساعدة المسلمين والبشر كافة الذين يتعرضون للأزمات والاضطهاد والظلم، وذلك من واقع حرصها على وحدة المسلمين . هذا الموقف يتمثل في منظومة القيم والثوابت التي تؤمن بها القيادة الرشيدة، باعتبارها المعين القيم والأساس الأخلاقي الذي قامت عليه دولة الإمارات . وفي هذا الإطار، دعا سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية، دول مجموعة الآسيان ووزراء خارجية الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي، إلى ضرورة تصدي المجتمع الدولي للمحنة التي تعانيها أقلية “الروهينغا” المسلمة في ميانمار .
ولا شك في أن المذابح الجماعية الهائلة التي ترتكب بحق المسلمين في ذلك البلد، تستدعي من المجتمع الدولي كله وقفة حقيقية لمعرفة المسؤولين ومحاكمتهم . فلا يُعقل أن يتعرض شعب بأكمله لمذبحة جماعية ثم لا يرف جفن لمسؤولي الأمم المتحدة، ولا نسمع كلمة شجب من تلك الدول الغربية التي صمَّت آذاننا بالحديث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان . ألا يستحق أولئك المظلومون في بورما ولو كلمة واحدة تُقال في حقهم ضد مضطهديهم من فرق الموت وداعميها في سلطات الدولة البورمية؟
إن التحرك العربي والإسلامي أولاً، والتحرك الدولي ثانياً، بات مطلوباً بإلحاح لوضع حد لمأساة هذا الشعب الذي لا ذنب له إلا أنه مسلم، وإلا فما معنى أن يتعرض لعمليات القتل هذه ومن دون أية رحمة أو شفقة؟ وليست هذه هي المرة الأولى التي تستباح فيها حرمات هذا الشعب، بل تعرّض قبلها ومنذ أكثر من مئتي عام لعمليات قتل وتهجير مستمرة .
تقع دولة بورما أو “ميانمار” في شبه جزيرة الهند الصينية، ويحدها من الشمال الصين والهند، ومن الشرق الصين ولاوس، ومن الجنوب خليج البنغال وتايلاند ومن الغرب خليج البنغال والهند وبنغلاديش، ويتركز المسلمون في إقليم “أراكان” الذي يقع في الجنوب الغربي لبورما على ساحل خليج البنغال والشريط الحدودي مع بنغلاديش، وتقدر مساحته بنحو 20 ألف ميل مربع، ويشكّل المسلمون فيه نسبة 75 في المئة من ساكنيه، والباقي من البوذيين . وللمسلمين وجود في العاصمة رانغون وفي مدينة ماندلا وفي مدن أخرى، ويبلغ عددهم نحو 5 ملايين نسمة من أصل 50 مليوناً هم كل سكان بورما . ومعظم هؤلاء السكان هم من البوذيين، وهناك قوميات متعددة لكن أكبرها هي القومية البورمانية البوذية التي تسيطر على الحكم في بورما . ويطلق على المسلمين سكان أراكان اسم “الروهينغا” نسبة إلى اسم الإقليم القديم “روهانغ”، وينحدر المسلمون من أصول هندية وبنغالية وإيرانية وبورمية . وقد دخل الإسلام إلى تلك البلاد في القرن الأول الهجري عن طريق الدعاة والتجار العرب وعلى رأسهم الصحابي وقاص بن مالك ومجموعة من التابعين . وقد أعجب السكان المحليون بأخلاق هؤلاء المسلمين فاتبعوا الإسلام، وقامت مملكة في إقليم أراكان العام 1430 للميلاد، واستمرت الحكومة الإسلامية فيها أكثر من ثلاثة قرون ونصف القرن، إلى أن هجم عليها البوذيون العام 1784 وقضوا عليها . وفي العام ،1824 احتلت بريطانيا بورما وألحقتها بإمبراطوريتها .
ومنذ انتهاء الحكم الإسلامي في إقليم أراكان، بدأت معاناة المسلمين، ودفعوا منذ ذلك التاريخ إلى الآن مئات الآلاف من القتلى والمهجرين بسبب أعمال العنف الطائفي التي تندلع بين الحين والآخر بينهم وبين الأقلية البوذية التي تعيش في إقليم أراكان، ولا يمر عام إلا وتحدث فيه حوادث مؤسفة بحق المسلمين . لكن إلا متى سيستمر صمت المجتمع الدولي والعالم الإسلامي تجاه ما يحدث في بورما؟
إن من الواجب إرسال لجنة دولية لتقصي الحقائق على الأرض البورمية، لمعرفة ما يحدث في تلك الدولة الغامضة، وتحديد المتسبب في تلك الفظائع، ومن ثم اتخاذ التدابير الدولية المناسبة لحفظ كرامات البشر بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية والعرقية، إنهم بشر في النهاية . والغربيون الذين يعملون بكل جهدهم على حفظ بعض الأنواع المهددة بالانقراض في مجاهل إفريقيا، أولى بهم أن يستجمعوا قوتهم ويعملوا على حفظ حياة بشر مثلهم في بورما يتعرضون للموت كل ليلة لا لشيء فقط، إلا لأنهم بشر مسلمون . فهل من المعقول أن تستمر هذه المأساة في بورما إلى ما لا نهاية؟ وهل من المعقول أن تتم تصفية شعب بأكمله على مسمع ومرأى من العالم كله؟ لا بد من التحرك لإنقاذ مسلمي بورما ووضع حد لهذا الاستهتار بالحياة البشرية .
المصدر/الخليج