وكالة أنباء أراكان ANA: ترجمة الوكالة
مدينة سيتوي هي مجموعة من البيوت الخشبية القديمة المتهاوية وأكواخ مرقعة تعود إلى الفترة الاستعمارية وأشجار عالية وقديمة مليئة بالفاكهة الكبيرة والخفافيش والغربان صاخبة، أضف إلى ذلك احتوائها على سوق مزدحم.
وسيتوي أيضا امتداد بلا حدود لنهر كالادان حيث تلتقي المياه المتدفقة بخليج البنغال.
يوجد عدد قليل من الفنادق لقليل من السياح معظمها حديث قرب شاطئ “نغابالي” وعلى الطريق إلى أنقاض مدينة “مراك – يو”.
يجتمع شباب محليون للتنزه على الخليج، خلال المساء للعب كرة القدم على الشاطئ، إنه مشهد ملفت للنظر، لكنه يخفي حجماً كبيراً من تاريخ الصراعات بين أغلبية الراخين البوذيين وأقلية الروهنجيا المسلمين في ولاية أراكان بغرب بورما، التي تؤلف سيتوي عاصمتها.
وقعت أسوأ أعمال القتال في عام 2012 حول سيتوي، حيث هاجم البوذيون الراخين الروهنجيا المسلمين، مما أسفر عن مقتل ما يصل إلى 200 وتشريد نحو 140,000 إلى داخل مخيمات المشردين داخليا.
التمييز الكبير في بورما ضد الروهنجيا قد ترك- أحياناً في قدر ضئيل ثابت وأحيانا في موجات -هروباً برا وبحرا في كل موسم الإبحار بين أكتوبر وأبريل، في خليج البنغال وبحر أندامان، إلى جنوب شرق آسيا.
قد يكون هناك ما يصل إلى مليون روهينجا في بورما، ولكن أكثر من مليون يعيشون في أماكن أخرى كمهاجرين أو لاجئين، وفي كثير من الأحيان في فقر مدقع ومعظمهم في بنجلاديش والمملكة العربية السعودية وماليزيا.
وقالت مقررة الأمم المتحدة الخاص المعنية ببورما، السيدة “يانغي لي” بعد زيارة الولاية الشهر الماضي: “لقضايا ولاية أراكان آثار دولية تهم جميع الدول الأعضاء (في الأمم المتحدة)”.
” انتهاكات حقوق الإنسان تشجع على تهريب البشر وينتج عنها أعداد كبيرة من طالبي اللجوء التي غالبا ما تؤدي إلى معاناة مأساوية وخسائر في الأرواح”.
في سيتوي، تروي أماكن العبادة ومخيمات النازحين قصة أكثر الصراعات الأخيرة.
المعابد البوذية تنتشر في المدينة وحول المناظر الطبيعية المحيطة بها.
في وسط المدينة، هناك معابد هندوسية وكنائس ومساجد، ولكن بعض المساجد لم تعد تستخدم.
على بعد بضع ساعات فقط خارج المدينة، تعيش السيدة فاطمة محمد في كوخ في مخيم للنازحين بعد أن تم حرق منزلها في البلدة عام 2012. فالأرملة الروهنجية المسلمة التي تبلغ من العمر 64 عاما تجد نفسها أنه مع أربعة أطفال من الصعب أن تبتسم، إن المؤن قليلة .
الأسرة تعتمد بشكل كلي تقريبا على المساعدات الغذائية، وهي تقوم طوال اليوم بجمع العصي وطلائها بروث البقر لجعلها حطب بطيء الاحتراق يستعمل للطبخ. ليس هناك مياه جارية ولا كهرباء.
مع ندرة الحصول على التعليم المناسب للأطفال، وعلاقات ودية سابقة مع البوذيين الراخين في مجالات صغيرة، يكون مستقبل العائلة غير مؤكد في أحسن الأحوال وفي أسوأ الأحوال قاتم.
يُعد الراخين البوذيون نحو 60 في المائة من أصل 3.2 مليون شخص في الولاية التي تقع على الحدود مع بنغلاديش.
المسلمون، بما في ذلك الروهنجيا، يشكلون نحو 30 في المائة، وما تبقى من 10 في المائة تتألف من عرق “تشين” و هم يتبعون البوذية أوالمسيحية أو الوثنية، وأقليات أخرى مثل “كامان”، الذين هم أيضا مسلمون.
الروهنجيا، الذين توجهوا أصلا من البنغال الشرقية السابقة، (أو بنغلاديش اليوم) نحو الغرب، استقروا في منطقة أراكان منذ أجيال، ولكن الراخين الذين ينتمون إلى عقيدة “بودسشاف” لديهم خوف عميق من فقدان أراضيهم ودولتهم بيد الروهنجيا، الذين وصفوهم بأنهم “بنغاليون”.
محنة الروهنجيا اليوم هي إرث الصراعات والهجرات عبر التاريخ، كما هي التصميم التعسفي الكبير للدول القومية الذي وضعه المستعمرون البريطانيون عندما غادروا في أربعينات القرن الماضي.
ولاية راخين، المعروفة سابقا باسم أراكان، هي أرض الجبال الوعرة وسهول الطمي الخصبة والمسطحات الطينية الواسعة والشواطئ الطويلة. فمن السهل أن نرى لماذا كان هذا المنطقة جذبت الناس برا وعن طريق البحر بشكل خاص على طول المنحنى لخليج البنغال.
في كتابه الذي صدر عام 2013 تحت عنوان “عبور خليج البنغال” الصادر من جامعة لندن يقول البروفوسور سونيل س. أمريت: إنه من بين نحو الثلاثين مليون شخص الذين غادروا شواطئ الهند بين 1840 و 1940، هناك 2 مليون شخص سافروا ذهابا وإيابا بين شبه القارة الهندية و ثلاث وجهات فقط هي: سيلان (اليوم سري لانكا) وبورما (ميانمار) ومالايا (شبه الجزيرة الماليزية)، وكانت الهجرات الكبيرة سمة ثابتة لهذا الساحل.
وبينما كان الناس ينتقلون ذهابا وإياباَ احتكت الهوية الأراكانية (التي تعود اليوم إلى شعب الراخين) بالهوية العرقية البورمية في الشرق والهوية البنغالية في الغرب، وتصادمت القيم البوذية والإسلامية أيضا ضد بعضها البعض بدءا من الغزو المغولي للبنغال في القرن ال16، وقيام مملكة أراكان البوذية بين القرنين ال15 والـ17.
وقالت مجموعة الأزمات الدولية في تقرير لها في أكتوبر تشرين الأول الماضي عن ولاية راخين: ” أراكان، منذ فترة طويلة كانت الحد الفاصل بين المسلمين والبوذيين في آسيا، و ما زالت سياسة الدين تؤثر تأثيرا كبيرا على الوعي الشعبي”.فاستعمار المنطقة من قبل البريطانيين في منتصف القرن 18 والاستقلال فيما بعد مع الرسم التعسفي للحدود – استنادا إلى بيانات ومعلومات على الأرض ناقصة – زاد في تعميق الخلافات السياسية والعرقية والدينية.
وكتب البروفسور “أمريت” أن الحدود بين باكستان الشرقية (في وقت لاحق أصبحت بنغلاديش) وأراكان كانت بقعة وجدت فيها مجتمعات بأكملها أنها محاصرة في الطرف الخطأ، وكان الأركانيون الذين تقطعت بهم السبل في شرق باكستان خائفين من القتل الجماعي. وفي المقابل كان المسلمون الذين تقطعت بهم السبل في أراكان يخشون نفس المصير.
اندلع العنف في بورما في عام 1970 ومرة أخرى في تسعينات القرن الماضي مخلفاً أكثر من200,000 لاجئ من الروهنجيا في بنغلاديش، حيث ما زالوا يعيشون في ظروف بائسة، وتتفاقم تداعيات التاريخ من خلال الروايات التاريخية المتنافسة للراخين البوذيين والروهنجيا المسلمين.
الدكتور جاك ليدر المقيم في يانغون وهو خبير في تاريخ المنطقة، قال في اتصال هاتفي إن السرد التاريخي المشترك، الذي عادة ما يكون عامل ربط حتى في أكثر الدول تنوعا، هو غائب بين البوذيين والمسلمين في ولاية أراكان، وأضاف :” فكل مجموعة تدعي أن الأرض لها.”
ماذا في الاسم؟
وقال مسؤول كبير في الحكومة بورما إلى صحيفة ستريتس تايمز اشرط عدم الكشف عن هويته: “نحن لا ننظر إلى الناس على أنهم راخين أو روهنجيا أو بنغاليين، ولكن كبشر.”
وأضاف: “من الناحية المثالية، في المستقبل، يمكننا حتى أن نتخلص من الهويات العرقية. لماذا لا يكون هناك مجرد (شعب) بورما بدلا من كاشين، كارين، تشين، راخين .؟”
ولكن هي فكرة نادرة وحتى مثالية في الوقت الراهن، ومن غير المحتمل أن تجد احتكاكاً بين جمهور بورما الواسع والأقليات التي قاتلت من أجل هوياتها وأراضيها لعقود.
وبورما هي في تجربة لها معايير مع الديمقراطية. في عام الانتخابات، مع الانتخابات العامة المقرر إجراؤها هذا العام، يمكن أن تفاقم السياسة المتطرفة خطوط الصدع الكامنة.
فكثير من المسلمين الروهنجيا في مخيمات المشردين داخليا، هم الأمل الوحيد لحياة أفضل لمهربي البشر الذين ينتظرون على متن القوارب في الخليج.
فكون الروهنجيا غير مرغوب بهم في بنغلاديش وفي ولاية أراكان، فإن الهجرة فقط هي السبيل الوحيد لمستقبلهم.