يعلم الجميع ويشاهد المجازر اليومية التي تحصل في سوريا، ويذهب ضحيتها من الرضيع حتى الشيخ الكبير، وسط عجز عربي دولي عن اتخاذ إجراء حقيقي لوقفها.
وقد لا يعلم الكثيرون عن مجازر أخرى مروعة، تحدث في مكان آخر من هذا العالم يذهب ضحيتها أيضاً مسلمون يسكنون في إقليم أراكان المسلم الواقع غرب بورما (جمهورية اتحاد ميانمار حالياً).
أزمة مسلمو بورما ليست حديثة، ولكن وتيرتها تصاعدت جراء قتل مجموعات بوذية لعشرة من دعاة بورما المسلمين مؤخراً لدى عودتهم من العمرة، حيث قامت هذه المجموعات بضرب الدعاة بأبشع الصور حتى أودت بحياتهم، وذلك بعدما اتهمتهم ظلما وجوراً بالوقوف وراء مقتل فتاة بوذية.
الأمر الذي أدى إلى اندلاع حرب شاملة في إقليم أراكان على المسلمين هناك من قبل مجموعات بوذية مسلحة بالأسلحة البيضاء والعصا، تمارس كافة أعمال القتل والتعذيب وحرق وهدم بيوت المسلمين.
هذه الحادثة أشعلت المنطقة التي لم تهدأ يوماَ؛ فما يواجهه مسلمو بورما من قمع وقتل وتهجير وتجويع يمتد لستة عقود، حاول فيها البوذيون بكل ما أوتوا من سلطة وسطوة النيل من حقوق المسلمين هناك، بدءاً من اعتبارهم مهاجرين غير شرعيين، وممارسة الضغوط الاقتصادية عليهم، من خلال طردهم من الوظائف الحكومية، ورفع أسعار السلع الغذائية الضرورية في الأحياء ذات الأغلبية المسلمة، الأمر الذي أدى إلى حصول شبه مجاعة لديهم، إلى محاولة محو هويتهم الإسلامية من خلال هدم المساجد والمدارس التاريخية والآثار الإسلامية، ومنع ترميمها والحيلولة دون تطوير المدارس الإسلامية وعدم مصادقة الشهادات الصادرة عنها، وإجبار الموظفين المسلمين القلة على تغيير أسمائهم الإسلامية.
وكان من ضمن مسعى البوذيين للقضاء على مسلمي بورما وطمس هويتهم، التقليص من أعدادهم من خلال فرض شروط قاسية على زواج المسلمين.
هذا عدا عن حملات التهجير التي تعرضوا لها بأعداد كبيرة، تصل الواحدة منها إلى قرابة نصف مليون مسلم على مدار التاريخ من عام 1962م إلى عام 1991م في محاولة للتغيير الديموغرافي في البلاد.
عانى منها ولا زال الكثير من مسلمي بورما، معاناة تمتد من إقليم أراكان إلى حدود بنجلادييش وتايلاند، حيث آلاف اللاجئين الذي فروا من الظلم، وسكنوا لسنين في مخيمات حدودية تفتقر إلى أدنى متطلبات العيش الكريم.
ما يحصل الآن من مذابح يعيد للأذهان المذبحة الوحشية الكبرى في عام 1942م التي تعرض لها المسلمون هناك من قبل البوذيين الماغ بعد حصولهم على الأسلحة والإمداد من قِبَل البوذيين البورمان والمستعمرين وغيرهم، والتي راح ضحيتها أكثر من مئة ألف مسلم، أغلبهم من النساء والشيوخ والأطفال، وشردت مئات الآلاف خارج البلاد، ومن شدة قسوتها وفظاعتها لا يزال الناس ـ وخاصة كبار السن ـ يذكرون مآسيها حتى الآن، ويؤرخون بها.
وهي تشابه في فظاعتها أحداث حماة التي جرت قبل 30عاماً من الآن، والتي تعرضت فيها مدينة حماة الأبية في سوريا إلى إبادة جماعية على يد حكم الأسد حصدت 50 ألف ضحية، ومن شدتها أيضاً لا زال الناس في سوريا يذكرون فظائعها ويؤرخون بها.
الآن التاريخ يعيد نفسه، وفي المناطق ذاتها، وأحداث القصة كما هي؛ حرب شعواء على المسلمين ومذابح عنصرية وسط غياب لصوت مسلم مؤثر.
يؤسفنا أن تصنف الأمم المتحدة مسلمو بورما بأنهم أحد أكثر الأقليات اضطهاداً في العالم، ولديهم أخوة في الإسلام يقارب عددهم المليار مسلم، ومع ذلك فإنهم يعانون الاضطهاد منذ عقود طويلة، دون أن يجدوا نصرة فعلية لقضاياهم، حتى الإعلام قد غاب وغيب عنهم، فتواروا خلف الذاكرة والمشهد.
ولكننا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عنا: "توشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الآكلة إلى قصعتها" قيل (أو من قلة نحن يومئذ؟) قال (بل أنتم كثير ولكن كغثاء السيل ويوشك الله أن ينزعن المهابة من صدور أعداءكم وأن يقذف في قلوبكم الوهن. قيل وما الوهن يا رسول الله؟ قال (حب الدنيا وكراهية الموت) رواه أبو داود وصححه الألباني.
يحتاج كلا البلدين سوريا وأراكان إلى وقفة جادة من قبل كل مسلم شريف؛ لإعانتهم بكل السبل الممكنة، كما يتطلعان إلى موقف إسلامي مسؤول وحاسم يدعم ثوراتهما الشعبية حتى تحقيق النصر والعدل؛ لأنه ما لم تتخذ خطوات قوية وجذرية فإننا سنساهم بخذلانهم وإعادتهم تحت وطأة الظلم إلى ما لا نهاية. فهل سنترك الأمور هكذا حتى يشهد أولادنا وأولادهم مجازر جديدة ببصمة قديمة للمسلمين في هاتين المنطقتين؟!
المصدر :لها أون لاين