وكالة أنباء أراكان ANA | النبأ
كشف أحمد محمد أبو الخير، الإعلامي الروهنغي، العديد من مظاهر الاضطهاد التي يتعرض لها «مسلمو ميانمار»، ومنها القتل والذبح والتهجير من المنازل، مشيرًا إلى أن «الرهبان البوذيين» يقفون وراء هذه العمليات؛ اعتقادًا منهم أن المسلمين سبب «حلول الشر».
وقال «أبو الخير» في حواره لـ«النبأ»، إن «الروهنغيين» اليوم في أمِّس الحاجة إلى وقوف إخوانهم المسلمين في كل دول العالم، وفي حاجة إلى دعم وتعاون الساسة والمثقفين والإعلاميين والمحامين والعلماء والمتخصصين في مختلف المجالات، وإلى نص الحوار:
-متي بدأ اضطهاد الروهنغيا في ميانمار؟
بدأت أول عملية اضطهاد للمسلمين في ميانمار بسبب الاختلافات الدينية في عهد الملك «باين توانغ»، الذي حكم في الفترة من 1550-1589م، حيث منع «الذبح الحلال»، وأجبر المسلمين على الاستماع إلى الخطب والمواعظ البوذية، بدلا من القرآن الكريم، ومنعهم من أداء شعائر عيد الأضحى، وذبح الأضاحي.
وخلال الفترة من 1752 إلى 1760م، منع الملك البوذي «ألونغ بايا» الذبح الحلال، وإقامة بعض الشعائر الإسلامية.
وتجدد هذا الأمر في عهد الملك «بودا بايا» خلال الفترة ما بين (1782-1819) حيث تم القبض على أشهر أربعة أئمة للمسلمين، وقتلهم؛ بسبب امتناعهم عن أكل «لحم الخنزير».
وبعد الحرب العالمية الثانية، تفاقمت مظاهر العداء والكراهية بشكل علني وسافِرْ أثناء الحكم الانجليزي لـ«ميانمار»، ولم تقم بريطانيا بأي دور آنذاك لحماية السكان المسلمين رغم أن الأوضاع كانت تسوء بشكل ملحوظ.
-ما أبرز الاضطهادات التي تعرض لها مسلمو ميانمار؟
تاريخ الاضطهاد البوذي للمسلمين في ميانمار طويل ومتجدد ولا يمكن حصر جميع حالات الاضطهاد؛ لأنها كثيرة ومستمرة، ولكن بوسعنا أن نشير إلى بعض الحملات الشهيرة، مثل: حملة «بورما للبورميين»، عام 1937م، والتي تعرض خلالها المسلمون للقتل، إضافة إلى حرق 113 مسجدًا، ومذبحة سنة 1942، ونفذت بتخطيط محكم من المجامع الدينية البوذية، وفيها حاصرت الميليشيات الإرهابية البوذية 400 قرية إسلامية في «أركان»، ثم إضرام النار في منازل تلك القرى؛ بهدف إبادة المسلمين، وكان العالم في ذلك القوت منشغلا بالحرب العالمية الثانية، وانشغال العالم الإسلامي بتنامي الهجرات اليهودية إلى أرض فلسطين، وانصراف السلطات المحلية في العاصمة – رانجون – بالتحضير لاستقلال البلاد عن الاستعمار، وتمخض عن هذه المذبحة مقتل 100 ألف مسلم حرقا؛ كأكبر عملية إبادة جماعية في تاريخنا المعاصر، بينما نزح 30 ألف إلى الدول المجاورة مثل باكستان وبلدان الجزيرة العربية.
-ما أشكال الاضطهاد الأخرى؟
من عمليات التهجير الأخرى، ما حدث عام 1978م، حيث قامت سلطات ميانمار العسكرية بتواطؤ من المجامع الدينية البوذية، بتهجير «300 ألف» مسلم إلى الدولة المجاورة، ليقبعوا في مخيمات بالية على الحدود، لقي خلالها «40 ألف» نسمة من المسلمين ونسائهم وشبابهم مصرعهم حرقًا وغرقًا وقتلاً في مشهد عنف فظيع لم يشهد التاريخ المعاصر له مثيل، وسط حصار إعلامي صارم، لتنفيذ ما عرف بمشروع الإحلال النموذجي الذي انتهجته الحكومة البورمية؛ لتهجير مسلمي «أركان»، وتوطين البوذيين من الدول المجاورة مكانهم.
ما أكثر الشخصيات السياسية التي اضطهدت مسلمي ميانمار؟
الجنرال «ني وين»، بعد وصوله إلى السلطة سنة 1962م، حيث لقي المسلمون من هذا الرئيس الكثير من العنت والمضايقات، وهو في الواقع «مهندس التفرقة العنصرية»، الذي خطط لتهميش المسلمين عن الحياة العامة، وعزلهم عن المجتمع، وجردهم من المواطنة والحقوق، وفي عهده طُرد المسلمون من المناصب الحكومية، وأعلنت السلطة البوذية تجريد مسلمي «أركان» من المواطنة والحقوق المدنية سنة 1982م.
-وماذا عن المشروع المناهض للإسلام في ميانمار؟
المشروع المناهض للإسلام، بلغت ذروته عام 2001، من خلال استغلال أحداث هجمات الحادي عشر من سبتمر 2001 في الولايات المتحدة الأمريكية، فوزعت المجامع البوذية نشرات وكتيبات عنوانها: «الخوف من ضياع العرق»، ما أشعل فتيل العداء تجاه مسلمي «أركان» من جديد، وتمخض عن ذلك هدم 11 مسجدًا، وحرق 400 منـزل، ومقتل أكثر من 2000 مسلم، وتهجير الآلاف إلى الدول المجاورة، في ظروف إنسانية صعبة للغاية، فضلا عن مأساة يونيو 2012، والتي بدأت بعد قيام عصابات بوذية بقتل عشرة من الدعاة في إقليم «أركان»، وتسبب ذلك في وجود حملات تعسفية شرسة ضد المسلمين، وحالات اعتقال وقتل جماعي، وتهجير جماعي وإحراق القرى والمنازل وتهجير أهلها إلى مخيمات الإيواء، وإلى الدول المجاور، وقد تمخضت عن هذه المأساة كارثة إنسانية كبرى بكى لها الصغير قبل الكبير، وهي حالات الغرق والموت في السفن والقوارب والتي أطلق عليها «قوارب الموت».
-لماذا يضهد البوذيون مسلمي ميانمار؟
السبب في ذلك، هو تأصل جذور الكراهية ضدهم بسبب الاختلاف الديني والعرقي، إضافة إلى الدور الكبير الذي مارسه الرهبان في بث الكراهية ضد الأعراق غير البورمية، لاسيما الأعراق ذات الأصول الهندية، حيث يعتقد الرهبان أنهم سبب حلول الشر، فضلًا عن أن الأزمة الاقتصادية الصعبة التي ضربت البلاد سنة1930م، ساعدت أكثر في توحش عملية الاضطهاد، وكانت هناك أطماع سياسية بهدف السيطرة على زمام السياسة والحكم من قبل عناصر «البورمان» في الفترة ما قبل الاستقلال، وأيضًا لعبت أطماع «المونغ البوذية» والتي تسمي نفسها «الراخين»، لعبت دورًا في الاستقلال الذاتي بالحكم، وهو ما كان عاملًا مهمًا في الانتقام والعمل الجاد؛ لإبعاد «الروهنغيا» وتهجيرهم خارج حدود البلاد من خلال اتباع سياسية «الأرض المحروقة»، وقاعدة فرق تسد.
-لماذا زاد الاضطهاد ضد مسلمي ميانمار بعد الحكم العسكري؟
الرئيس الأشرم «ني وين»، هو أول حاكم عسكري يستولي على الحكم بطريقة الانقلاب على الديمقراطية سنة 1962م، وحين وصل لسدة الحكم، كان أول قراراته المصيرية سنة 1963م، تجريد المسلمين من المواطنة، وإبعادهم عن العمل في المناصب الحكومية، وكان عهده بداية الاضطهاد الرسمي للمسلمين، والذي استمر حتى هذه اللحظة، فالعلاقة بين الجيش الميانماري والمسلمين علاقة سيئة.
-ما دور دولة بنجلاديش في القضية الميانمارية؟
بنجلاديش دولة إسلامية مجاورة ومتعاطفة مع قضية مسلمي «الروهنغيا»، ولكن الدور الرسمي لم يكن كافيًا مع حاجة جيرانهم المسلمين الذي يحتاجون إلى مد جسور التعاون معهم، في الواقع نحن ندرك أن بنجلاديش دولة فقيرة ولا تستطيع تحمل أعباء إضافية، ولكن كان بوسعها تقديم تسهيلات لجمعيات العون والإغاثة، والتنسيق مع الدول المتعاطفة والجمعيات والمنظمات لإيصال خير كثير لهؤلاء المنكوبين، فضلا عن أن هذه الدولة كان بإمكانها التنسيق لتشكيل قوة ضغط شديدة على «ميانمار» لاحترام حقوق المسلمين، ولكن دورها للأسف غير ملائم أبدًا، ولا يحقق آمال وتطلعات الشعب المقهور إطلاقًا، بل تعاني المنظمات والجمعيات الخيرية من مضايقات كبيرة، وإساءات بالغة غير مقبولة من السلطات والعصابات الأهلية.
-هل توجد عمليات فصل عنصري تمارس ضد المسلمين في ميانمار؟
يكفي أن هناك فصل عنصري معنوي يتغلل في النفوس، وهو أعظم من الفصل بالجدار والبنيان، وهذا الأمر أدى إلى انحسار معاني الإنسانية من نفوس البوذيين تجاه جيرانهم المسلمين، بل شجعهم ذلك على تنفيذ الإبادة الجماعية المنظمة، واتباع سياسة «الأرض المحروقة»، واستمرار نزيف الدم، والتهجير الجماعي من الديار بصورة لا يمكن تخيلها.
-ماذا عن الدور السياسي للروهنغيا وخطواتهم القادمة؟
«الروهنغيا» شعب تعرض للإهمال والتهميش لعقود طويلة من الزمان، ما كان سببًا في تفشي الأمية والجهل، حتى أنك لا تجد منهم من يستطيع النهوض بقضيته العادلة، وحتى القائمين على نصرة القضية، وتناولها في وسائل الإعلام، ليسوا مؤهلين كما ينبغي لهذا الأمر، فهم يحتاجوا إلى تقوية النواحي الثقافية والسياسية والإلمام بالإجراءات القانونية والترافع لدى مؤسسات القضاء، والمطالبات بتدويل القضية في المحافل الدولية.
-ماذا يحتاج الروهنغيا من العالم العربي؟
«الروهنغيون» اليوم في أمس الحاجة إلى وقوف إخوانهم المسلمين في كل دول العالم، وفي حاجة إلى دعم وتعاون الساسة والمثقفين والإعلاميين والمحامين والعلماء والمتخصصين في مختلف المجالات؛ لشد أزرهم بالخبرات والمنح الدراسية لأبنائهم ومنحهم الفرص للمشاركة في الدورات التدريبية والمهنية، وفي نقابات السياسة والمحاماة، لنقل الخبرات.
فالإسهام في تعليم أبناء «الشعب الروهنغي»، وتدريبه وإكسابه الخبرة، أهم وأكبر دعم، علاوة على حاجتهم الماسة إلى مساعدتهم بجوازات السفر لتسهيل سفر أبنائهم للدراسة، خاصة مع عدم الحصول على وثائق سفر من بلدهم «ميانمار»