المواقف السلبية للحكومة التايلاندية تجاه اللاجئين الروهنجيا الفارين من جحيم بورما إلى أراضيها تعبر عن كرهها للإسلام والمسلمين
بقلم أ – عزيز عبدالمجيد الأركاني
إن مملكة تايلاند إحدى دول جنوب شرق أسيا، شكَّلت منذ عقود عدةٍ محورَ الاهتمام الدولي؛ لِما كان لها من توجُّه جدِّي وحثيث للحاق بالرَّكب الغربي من حيث الحداثةُ والديموقراطية وضمان قِيَم حقوق الإنسان، والزائر لهذه البلاد يجد أنها قد استطاعت فعلاً في ظل الاستقطابات الدولية الحادة إحداثَ تغييرات فعلية على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي؛ مما أكسبها سمعة دولية جيدة، بخلاف الدول المجاورة لها، التي ظلت غارقةً في حروب أهلية في معظمها، إن لم تكن تلك التغييرات على صعيد الإصلاح السياسي بنفس المستوى؛ إذ إنها ما زالت تعاني من عدم الاستقرار السياسي؛ بل إنها معرَّضة للانقلابات العسكرية التي كانت السمةَ السائدة فيها خلال العقود الماضية، وذلك بالرغم من أن البلاد رسميًّا مملكة دستورية، يرأسها مَلِكٌ منذ أكثر من ستين عامًا.
بالرغم من أن المجتمع التايلاندي – حكومة وشعبًا – قد بدأ يحاكي النمطَ الغربي للحياة العامة من حيث إدارة البلاد، وأسلوب وطريقة المعيشة منذ وقت طويل، فإن فِكْرَ هذا المجتمع – والمستمد أساسًا من التعاليم البوذية، المبنية على التطرف – لم يتغيَّرْ قط؛ إذ إن تايلاند – مثلها مثل شقيقتها بورما – دولةٌ بوذيةٌ تُخفي تطرفًا دينيًّا، وتتسم بالعدائية الشديدة تجاه المسلمين، وبخاصة تجاه الأقلية المسلمة في جنوب البلاد التي تشكِّلُ الأغلبيةَ فيه.
إن المسلمين (من شعب ملايو) في منطقة فطاني جنوبي تايلاند يعانون – على غرار ما يعانيه إخوانُهم المسلمون من الأقلية الروهنجية في إقليم أراكان بغرب بورما – مِن الظلم والتهميش، بل وجرائم القتل والتنكيل على أيدي الحكومة التايلاندية والمستوطنين البوذيين في المنطقة، وقد بدأت معاناتُهم منذ أن قامت تايلاند باحتلال بلدهم عام 1902، وقبل هذا التاريخ كانت منطقة فطاني تشكِّلُ سلطنةً إسلامية على غرار سلطنات ماليزيا الاتحادية حاليًّا.
ولا أدل على معاناة المسلمين في جنوب تايلاند، وتعامُلِ الحكومة التايلاندية البالغ القسوة معهم، الذي ينمُّ عن كُرْهِها للإسلام والمسلمين – من حادث القتل الجماعي الشهير الذي تعرَّض له المتظاهرون المسالمون من شعب ملايو في جنوب تايلاند، الذين كانوا يعبِّرون عن معاناتهم بصورةٍ سِلمية، وذلك في يوم الخميس الموافق 25 من شهر أكتوبر عام 2004م، حينما قام الجيش التايلاندي باعتقال 1300 مسلم، وحملهم في شاحنات مغلَقة لمسافة بعيدة، ونتج من جراء ذلك وفاة 80 مسلمًا اختناقًا وعطشًا بداخلها؛ لأنهم كانوا صائمين؛ إذ صادف شهر أكتوبر في ذلك العام شهر رمضان المبارك.
وبالرغم من مرور ثماني سنوات على وقوع تلك الجريمة البشعة، فإن الضحايا المسلمين لم يُنصِفْهم أحدٌ، لا الحكومة التايلاندية ولا المجتمع التايلاندي؛ مما يدلُّ على تجذُّر الكراهية تجاه المسلمين في هذا البلد.
أما اليوم، فإن التاريخ يعيد نفسه؛ فعندما ضاقت بأبناء الروهنجيا المسلمين أرضُهم ووطنهم أراكان بسبب الممارسات القمعية من قِبَل الطغامة الحاكمة في بورما بحقهم، وبسبب ضراوةِ الخناق المفروض عليهم، فإنه سبق أن ألجئَ ما يقارب ألفَ شخص منهم إلى ركوب البحر في قواربَ خشبية متهالكة بغية الوصول إلى ماليزيا، وذلك في شهر يناير عام 2009م، وحينما رصدتهم البحريةُ التايلاندية في عرض البحر قبالة سواحل تايلاند أثناء إبحارهم، قامت باعتراض تلك القواربِ، ومن ثم قَطْرِها إلى عمق مياه المحيط، ولم تكتفِ بهذا، بل عمدت إلى سحب المحرِّكات من تلك القوارب بقصد إهلاكِهم في عرض البحر، مما يدلُّ على تأصُّل شأفة الإجرام في نفوس هؤلاء، ونتج عن ذلك هلاكُ المئات، ومن ثم نجا مَن نجا بفضل الله ثم بفضل الإغاثة المقدَّمة من قِبَل البحرية الهندية الموجودة في سواحل جزيرة أندمان، وكذلك من قِبَل البحرية الإندونيسية الموجودة قبالة سواحل أتشيه، وقد سمع العالَمُ عن هذا الحادث الإجرامي الشنيع – والذي تم ارتكابُه عمدًا بأسلوب القرصنة من قِبَل أفراد جيشٍ نظامي مسلَّح في دولة حضارية – على لسان الضحايا أنفسهم بكل تفاصيله، وعلى الرغم من أن ذلك الحادثَ الوحشي يترقى إلى درجة الجريمة ضد الإنسانية، فإن المجتمعَ الدوليَّ لم يتخذْ بحق مرتكبيه أيَّ إجراء أو مساءلة؛ لأن الضحايا مسلِمون، ويا للأسف!
ومرة أخرى، فمنذ الثالث من شهر يونيو من العام الماضي عندما بدأت الطغامة الحاكمة في بورما في تدشين مرحلة جديدة لإبادة المسلمين الروهنجيا في أراكان، عبر إطلاق حملة قتل جماعي بحقهم، وما زالت فصولُها جاريةً على قدم وساق، فإن المسلمين الروهنجيا في أراكان أصبحوا مرة أخرى أمام خيارين، أحلاهما مُرٌّ، فإما مواجهة القتل في بلدهم، أو الهرب إلى عالَم مجهول، وبخاصة بعد أن سُدَّتْ أمامهم أبوابُ جميع الدول المجاورة، بما فيها بنجلاديش، الدولة الإسلامية الوحيدة المجاورة لبورما؛ لذلك خاطر مئاتٌ من ضحايا العنف من أبناء الشعب الروهنجي في أراكان بالنزول إلى البحر بحثًا عن ملجأ آمنٍ في أي دولة، ومع وصول طلائع هؤلاء اللاجئين الروهنجيا إلى سواحل تايلاند في قواربَ متهالكة، قامت السلطات التايلاندية باعتراضهم والتنكيل بهم كالعادة، ولم تكتفِ بهذا، بل عمَدت إلى ترحيلهم إلى جحيم بورما التي هربوا منها، دون مراعاة للأسباب الإنسانية ولا الأعراف الدولية في مثل هذه الأحوال، ورغم أن هؤلاء اللاجئين لم تَكُنْ وجهتهم الأصلية تايلاند نفسها، وإنما اتخذوا منها مَعْبرًا للوصول إلى بلد ثالث، وعندما وُوجِهت بانتقاداتٍ دولية واسعة في هذا الشأن، وخاصة بعد ظهور فضيحة الفساد والمتاجرة باللاجئين الروهنجيا التي تورَّط فيها ضباط كبار في الجيش والشرطة – أعلنت رئيسة وزراء تايلاند ينجلوك شيناوترا مؤخرًا أن بلادها سوف تُوقِف ترحيل اللاجئين الروهنجيا إلى بورما، وعلى الأثر منحت على مضضٍ لِما يقرب من ألفي شخص من أبناء الروهنجيا إيواءً مؤقتًا في بلدها.
إلا أنه يلاحظ من خلال التعاطي الإعلامي مع هذه القضية من قِبَل السلطات التايلاندية أنها تبرزها للعالَم على أنها مشكلةٌ كبرى تهدِّد البلد برمته؛ وذلك نظرًا لِما يشكِّله هؤلاء اللاجئون الروهنجيا من حِمْلٍ اقتصادي ثقيل على الدولة التايلاندية – على حد ما تحاول إقناع العالم به – لذلك استنفرت الوكالات الدولية المتخصصة في هذا الشأن، كما دعت منظمة التعاون الإسلامي للتعامل معها بصورة عاجلة، ومن هنا نستنتج أن تايلاند تتواطأ مع الطغامة الحاكمة في بورما على إبادة المسلمين الروهنجيا، وهي مشارِكةٌ فيها بسياساتها، سواء على المستوى الوطني أو على مستوى دول أسيان، وأن العويل والصراخ – اللذينِ تُصدرهما بسبب وجود بضع مئات من المسلمين كلاجئين في أراضيها – ينمُّ عن كُرْهِها لهم، خاصة إذا ما علمنا أن تايلاند تُؤوي بصورة رسمية 147 ألف شخص من بورما كلاجئين في تِسْعة معسكرات على حدودها غربًا مع بورما، وذلك منذ ثمانينيات القرن الماضي، وبعض هؤلاء اللاجئين يُقِيمون في تلك المعسكرات قواعد خلفية للجبهات المسلحة التي تقاتل الحكومة البورمية، ورغم ذلك فإن تايلاند لم تشتكِ منهم يومًا ما؛ لأنهم بوذيون مثل شعبها.
بالإضافة إلى ذلك فإنه يُقِيم في الأراضي التايلاندية قرابة مليون بورمي، سواء بصورة نظامية أو غير نظامية، كما أن هناك عشراتِ الآلاف الآخرين من البوذيين النيباليين الذين نزحوا من بلادهم خلال الفترات المتلاحقة، يعيشون فيها بسلام وأمان دون أن يتعرَّض لهم أحد، وزِدْ على ذلك أن المفوضية العليا لشؤون اللاجئين قد سجَّلت ما يقارب من 600 ألف شخص يقيمون في التراب التايلاندي كأشخاصٍ عديمي الجنسية، ومع ذلك كلِّه لم نرَ من تايلاند أيَّ رد فعل تجاههم، مما يبرهن على أن الحكومةَ التايلاندية قد اتخذت من القضية الروهنجية موققًا معاديًا لها، ومساندًا للطغامة الحاكمة في بورما، وتترجمه الآن بتصرفاتها وسلوكها بالتعاطي السلبي مع أزمة اللاجئين الروهنجيا في أراضيها.
الألوكة