يشهد المبنى العادي المؤلف من طابقين على طريق شوغونداينغ في يانغون، حيث يقع مقر «الرابطة الوطنية للديمقراطية»، نشاطات مكثفة. تمر من هناك حافلات محمّلة بالسياح، ولا تكف الهواتف عن الرنين، وتُصدر آلات النسخ الضجيج على مدار الساعة، ويشهد المكان اجتماعات متواصلة. لا يعم الهدوء أبداً في هذا المقر، لكنه أصبح في المرحلة الراهنة أكثر انهماكاً من أي وقت مضى. يحتفل حزب «الرابطة الوطنية للديمقراطية» بقيادة أونغ سان سو كي التي فازت بجائزة نوبل للسلام في عام 1991 بأول مؤتمر حزبي منذ تأسيسه في عام 1988.
يوم السبت، سيعيد المندوبون الذين سيحضرون الحدث (عددهم 900) تحديد هوية قادة الحزب. هم الآن في السبعينيات أو الثمانينيات من عمرهم، وسيتم تسريح بعض أعضاء الحزب من أصحاب المراتب العليا تزامناً مع تعيين قادة جدد ولجنة مركزية مؤلفة من 120 عضواً. ستقرر «الرابطة الوطنية للديمقراطية» أيضاً طبيعة استراتيجيتها.
لكن بالنسبة إلى حزب سو كي، أكبر حزب معارِض في بورما، يرتكز العمل الحزبي بشكل متزايد على المؤتمر. يخطط للتحضير للانتخابات البرلمانية المقررة في عام 2015 ويأمل أن تضمن زعيمته حينها الفوز بمنصب الرئاسة.
ثمة سبب وجيه كي يكون الحزب متفائلاً. لا تزال سو كي تتمتع بشعبية هائلة وقد فازت «الرابطة الوطنية للديمقراطية» بـ43 مقعداً من أصل 45 خلال الانتخابات الفرعية في أبريل 2012. بدا وكأن الحزب نهض من الرماد كطائر الفينيق كي يعود إلى الساحة السياسية في بورما.
انتصارات ماضية
وين تين مسؤول مخضرم في حزب المعارضة المؤيد للحرية والديمقراطية كان قد اعتُقل على يد المجلس العسكري طوال 19 سنة، يتذكر أولى الأيام الصعبة التي عرفها حزب «الرابطة الوطنية للديمقراطية». بعدما أطلق الرهبان والطلاب الانتفاضة في عام 1988، افتقرت المعارضة المؤيدة للديمقراطية إلى زعيم سياسي متمرس بحسب قوله: «أونغ سان سو كي وأون تين أو وغيرهما كانوا من الأعضاء الجدد. لكننا تماسكنا معاً وأنشأنا حزباً وحضّرنا أجندة سياسية وعملنا لصالح الشعب وفزنا بالانتخابات في عام 1990».
كان ذلك الفوز الساحق في عام 1990 أكبر انتصار وأسوأ خيبة أمل في تاريخ الحزب. فقد ظهرت «الرابطة الوطنية للديمقراطية» فجأةً وفازت بـ392 مقعداً من أصل 492 في مجلس الشعب، لكن سرعان ما أُلغيت تلك النتيجة بقرار من النظام العسكري الذي استولى على السلطة في عام 1988. فاعتُبر أعضاء الحزب خارجين عن القانون وتعرضوا للاضطهاد.
شهدت الانتخابات بداية حقبة غير مسبوقة من المعاناة بالنسبة إلى «الرابطة الوطنية للديمقراطية»، فقد تعرض عدد كبير من أعضائها للاعتقال والتعذيب. خلال فترة لاحقة دامت 21 عاماً، اعتُقلت أونغ سان سو كي بشكل متكرر أو وُضعت تحت الإقامة الجبرية بأمرٍ من الجنرالات، وقد أصبحت رمزاً لحرية الشعب المقموع في بورما.
لكن انتهت تلك الأيام منذ فترة طويلة. يعمل الرئيس الإصلاحي ثين سين على إعادة ابتكار البلد. ورغم الانتقادات الأخيرة نتيجة طريقة تعامل الحكومة مع المسلمين في روهينغيا والتقدم البطيء لمحادثات السلام مع الأقليات الإثنية الأخرى، تتمتع بورما اليوم بدرجة من الحرية ضمن حدودها وبسمعة جيدة في الخارج ويلوح في أفقها فجر اقتصادي جديد كان يبدو غير ممكن قبل سنتين فقط.
استغلت سو كي وأتباعها تلك الفترة لإعادة بناء الحزب. فُتحت مكاتب جديدة لحزب «الرابطة الوطنية للديمقراطية» في أنحاء البلد، بدءاً من يانغون وصولاً إلى ماندالاي. لكن لم تحقق تلك الجهود المكثفة لزيادة عدد الأعضاء نجاحاً كبيراً. قبل الانتخابات الفرعية في عام 2012، أعلنت «الرابطة الوطنية للديمقراطية» أنها تهدف إلى ضم مليون عضو جديد. لكن وفق وكالة الأنباء «ميزيما»، تم استرجاع 50 ألف طلب فقط من تلك التي وزعها الحزب. ما من أرقام موثوقة حول حجم الأعضاء في «الرابطة الوطنية للديمقراطية» راهناً.
بدأت التصدعات تظهر أيضاً داخل الحزب. في ديسمبر 2012، كتبت مجلة «ميانمار تايمز» أن 500 عضو مستاء من «الرابطة الوطنية للديمقراطية» في باثين، رابع أكبر مدينة في بورما، تخلوا عن الحزب. فاتهموا قادته بالافتقار إلى الديمقراطية وبالاستبداد. يزداد عدد المنشقين عن الحزب في مناطق أخرى أيضاً. تتمحور الشكاوى دوماً حول المسائل نفسها وتتراوح بين القيادة الاستبدادية وغياب الشفافية.
على صعيد آخر، كان من المقرر أن يُعقَد المؤتمر الحزبي في شهر فبراير ولكن كان لا بد من تأجيله بسبب الخلافات حول اختيار المندوبين.
يقول كو كو نينغ، متحدث باسم المنشقين: «يتمحور موضوع الحزب حول العدل والسلام ولكن يفتقر الحزب إلى مظاهر العدل».
توصلت «مؤسسة كونراد أديناور» الألمانية، منظمة سياسية تؤيد حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي بقيادة المستشارة أنجيلا ميركل، إلى الاستنتاج نفسه عند إجراء تحليل حول «الرابطة الوطنية للديمقراطية» في عام 2012: «لا يطبق الحزب حتى الآن إجراءات داخلية واضحة لتحديد المواقف السياسية أو طرح المرشحين. الكلمة الأخيرة تكون لزعيمة الحزب. حتى اليوم، تتكل الرابطة الوطنية للديمقراطية بشكل أساسي على أسطورة أونغ سان سو كي».
انتقادات ومواقف
بدأ الاستياء من المسار السياسي الذي تتبعه سو كي يتنامى أيضاً. خلال حفلة لجمع التبرعات لصالح «الرابطة الوطنية للديمقراطية» في شهر ديسمبر، قبلت هبات من رجال أعمال غامضين يرتبطون بالنظام العسكري السابق. وفق التقارير الإعلامية، وصلت حصيلة الهبات إلى أكثر من 240 ألف دولار.
رداً على الانتقادات، سألت سو كي: «كل من يُعتَبرون مقرّبين منا دعموا النشاطات الاجتماعية لحزب «الرابطة الوطنية للديمقراطية» وأحزاب أخرى. ما الخطب في ذلك؟».
يشعر الأعضاء المخضرمون في «الرابطة الوطنية للديمقراطية» بالاستياء أيضاً عند رؤية سو كي تتواصل مع قادة الجيش. فقد عبّرت بشكل متكرر عن تعاطفها مع الجيش معتبرةً أنها تبقى في نهاية المطاف ابنة الجنرال أونغ سان، قائد النضال لتحقيق استقلال بورما وهو لا يزال يحظى باحترام شعب بورما.
عملياً، تحتاج سو كي إلى دعم الجيش إذا أرادت أن تنجح في إقرار التغيير الدستوري الذي سيسمح لها بالترشح للرئاسة. بما أنها أم لولدين لديهما جوازات سفر بريطانية، لا يحق لها الآن أن تترشح لأعلى منصب في البلد.
انتقد معارضوها أيضاً صمتها في ما يخص أعمال العنف الأخيرة ضد مسلمي روهينغيا فضلاً عن الصراع المستمر بين الدولة وأقلية كاشين الإثنية في شمال بورما.
لكن في الفترة الراهنة، لا تزال سو كي الشخصية المفضلة بالنسبة إلى وسائل الإعلام. يعترف كو أهر ماهن، مدير مجلة 7DayNews الأسبوعية، بأن «بعض وسائل الإعلام لا ينشر إلا الأنباء الإيجابية عن سو كي». عندما انتقد مين زين (شارك في احتجاجات عام 1988 حين كان طالباً) صمتها حول أحداث روهينغيا وصداقتها مع الجيش وتصاعد التوتر ضمن «الرابطة الوطنية للديمقراطية» وبين الحزب والصحافيين المحليين، تعرض للهجوم على شبكة الإنترنت. فانعكس الموقف العام بهذا السؤال: «كيف تجرؤ على مهاجمة سو كي؟».
لكن يبدو أنها فهمت الرسالة. في الماضي، كانت تعلن قبل المؤتمر الحزبي أن أعضاء اللجنة المركزية لا يتم انتخابهم دوماً بشكل ديمقراطي بسبب صعوبة المناخ السياسي القائم. لكن لن يحصل ذلك في يانغون هذا الأسبوع بحسب قولها، إذ سيواجه الجميع هذه المرة تحدي التصويت الحر والديمقراطي.
مع ذلك، التزمت سو كي الصمت حول طريقة التعامل مع المسلمين في روهينغيا وتابعت تحسين علاقاتها مع الجنرالات. تعلم جيداً أنها تحتاج إلى مساعدتهم كي تصبح رئيسة البلاد.
الجريدة