وكالة أنباء أراكان ANA | إيرين
تشكل الهيئة الرئيسية لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة فريقاً للتحقيق في الأعمال الوحشية المزعومة ضد الروهنغيا في ميانمار، على الرغم من أن الحكومة قد لا تسمح للمحققين بالوصول إلى المناطق التي حدثت فيها جرائم ضد الإنسانية.
وفي حين أن القرار الذي تبناه الاتحاد الأوروبي في مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة في 24 مارس قد دعا إلى “ضمان المساءلة الكاملة لمرتكبي الجرائم والعدالة للضحايا”، فإن ميانمار ليست مُلزمة بالتعاون مع بعثة تقصي الحقائق وقد ألمحت بقوة أنها لن تفعل ذلك.
وفي هذا الصدد، صرح مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أنه سيمضي في تشكيل فريق التحقيق على أي حال.
وقال رولاندو غوميز، المتحدث باسم مجلس حقوق الإنسان، في رسالة بالبريد الإلكتروني لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): “الأمر الآن في يد رئيس المجلس، السفير خواكين ألكسندر مازا مارتيلي (السلفادور)، فيما يتعلق بتعيين أعضاء البعثة؛ ومن المتوقع أن يحدث هذا في غضون الأسابيع المقبلة”.
في الوقت نفسه، يجري حالياً إعداد رسائل إلى حكومة ميانمار وسيتم تشكيل فريق من المختصين – بما في ذلك خبراء في مجالي الطب الشرعي والعنف القائم على نوع الجنس – في جنيف بهدف دعم البعثة في تحديد الوقائع والظروف المتعلقة بالانتهاكات المزعومة لحقوق الإنسان التي ارتكبتها قوات الأمن في ولاية أراكان.
ويشير القرار أن نطاق التحقيق سيشمل على سبيل المثال لا الحصر “الاحتجاز التعسفي، والتعذيب، والمعاملة اللاإنسانية، والاغتصاب، والأشكال الأخرى من العنف الجنسي، والقتل خارج نطاق القانون والإعدام التعسفي، والاختفاء القسري، والتهجير القسري، والتدمير غير القانوني للممتلكات”.
وأضاف جوميز أن “مجلس حقوق الإنسان يأمل في أن تيسر حكومة ميانمار أعمال البعثة من خلال الوصول غير المقيد إلى المناطق المتضررة”.
مع ذلك، يبدو هذا النوع من الوصول مستبعد جداً.
وفي مجلس حقوق الإنسان في جنيف، “نأت” ميانمار بنفسها عن قرار تشكيل بعثة تقصي الحقائق.
وعقب مرور ثلاثة أيام، وفي احتفال بيوم القوات المسلحة، ألقى مين أونغ هلينغ، القائد العسكري في ميانمار، خطاباً رفض فيه “التدخل السياسي” وادعى أن الروهنغيا هم مهاجرون غير شرعيين من بنغلاديش. كما رفضت أونغ سان سو تشي، الزعيمة المدنية في ميانمار، قرار الأمم المتحدة، قائلة في خطاب متلفز، “إنه لا يناسب بلدنا”.
وحتى لو كانت أونغ سان سو تشي تتفق مع بعثة الأمم المتحدة، فلن يكون بوسعها فعل الكثير لتسهيل تلك المهمة، إذ أن علاقة الإدارة المدنية المنتخبة ضعيفة مع الجيش، الذي فرض سيادة مطلقة على ميانمار لما يقرب من نصف قرن قبل سن الإصلاحات في عام 2011. وعلى الرغم من أن الإصلاحات تسمح بالحرية السياسية، لكن أونغ سان سو تشي لا تملك سلطة حقيقية ونفوذها على الجيش محدود.
كما أن مجلس حقوق الإنسان لا يتمتع بصلاحيات قانونية لإنفاذ القرارات التي يتخذها ولا يستطيع معاقبة ميانمار إذا لم تتعاون.
وفي حال رفض الحكومة والجيش في ميانمار السماح بوصول بعثة الأمم المتحدة للمناطق التي تنوي زيارتها، من المتوقع أن تبدأ تحقيقات مفصلة بين عشرات الآلاف من الروهنغيا الذين فروا عبر الحدود إلى بنغلاديش بعد قيام الجيش في ميانمار بشن عمليات عسكرية لمكافحة التمرد في أواخر العام الماضي.
“إذا تم عرقلة الوصول، ستحاول البعثة التوصل إلى الشهود أينما كانوا، بما في ذلك في بنغلاديش” حسبما قال مصدر في الأمم المتحدة طلب عدم ذكر اسمه، لأنه غير مخول بالتحدث إلى وسائل الإعلام حول هذا الموضوع.
وقد جمعت المنظمات الحقوقية، بما في ذلك مكتب المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، شهادات بالفعل من الروهنغيا في بنغلاديش، وأشار تقرير مفوضية حقوق الإنسان في شهر فبراير إلى أنه “من المحتمل جداً” أن تكون قوات الأمن قد ارتكبت جرائم ضد الإنسانية. وستدرس البعثة هذا التقرير، وتعتزم استخدام أدوات الطب الشرعي والتحقيق المتخصصة لفريق من ذوي الخبرة في القانون الدولي، والعنف القائم على نوع الجنس، والذي ترتكبه قوات عسكرية، للتأكد من الوقائع.
من جانبها نفت ميانمار أن تكون الفظائع قد وقعت أثناء عمليات مكافحة التمرد، لكنها عرقلت أي تحقيق خارجي عبر قيامها بإغلاق منطقة النزاع في شمال ولاية أراكان.
كما حظرت وصول شحنات المعونة تماماً لمدة شهرين تقريباً، وقال مكتب الأمم لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، يوم الاثنين أن وصول المساعدات الإنسانية ما زال “محدوداً للغاية”.
ضغوط ضعيفة
وبدلاً من ذلك، كان الحقوقيون يأملون أن يوافق مجلس حقوق الإنسان على تشكيل لجنة تحقيق أكثر قوة وثقلاً، ولها ولاية أوسع نطاقاً، بحيث يمكنها أن تمارس ضغطاً أكبر على ميانمار لقبول ذلك. وعلى الرغم من أنه بإمكان المجتمع الدولي الضغط على ميانمار لقبول بعثة تقصي الحقائق الأضعف، إلا أنه لا يوجد دليل على وجود أي محاولة جادة حتى الآن.
وفي السياق ذاته، نأت الدولتان الجارتان القويتان لميانمار، الصين والهند، بنفسيهما عن القرار. وفي حين تحدثت إندونيسيا بصراحة عن الأزمة التي يواجهها الروهنغيا، إلا أن سفارتها في يانغون قالت لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أن حكومة ميانمار – برفضها للقرار – تعمل “في إطار القانون كدولة ذات سيادة”.
وفي حين أن الحكومات الأوروبية تصر على أن تتعاون ميانمار مع بعثة الأمم المتحدة، غير أن لغتها تخلو تقريباً من أي تهديد، ذلك أن البيانات العامة تؤكد على الحاجة إلى تعزيز “الانتقال الديمقراطي” في البلاد.
من جهته، قال رولاند كوبيا، سفير الاتحاد الأوروبي لدى ميانمار، لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أن الاتحاد الأوروبي سوف “يتطلع إلى تعاون ميانمار بشكل كامل مع بعثة تقصي الحقائق” و “تأكيد النهج التعاوني للدولة مع المجتمع الدولي”.
ولكن لم تكن هناك أي إشارة إلى أي خطوات يمكن اتخاذها للضغط على أونغ سان سو تشي أو الضغط على القوات المسلحة لإرغامها على فتح الباب أمام فريق التحقيق.
مقايضات محتملة
وعلى الرغم من ما يمكن أن يتطور إلى مواجهة دبلوماسية بين الأمم المتحدة وميانمار (إذا ما استمرت في الرفض مرة أخرى)، يرى المحللون أن بعثة تقصي الحقائق قد لا تزال مفيدة.
وفي هذا الصدد، يرى شارلز بيتري، منسق الأمم المتحدة المقيم سابقاً في ميانمار، ومؤلف تقرير هام حول فشل الأمم المتحدة في حماية المدنيين خلال الحرب الأهلية في سريلانكا، أن فرص السماح بدخول المحققين “ضئيلة جداً”. بيد أنه صرح لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أن قرار الأمم المتحدة يمكن أن يعزز آفاق حكومة ميانمار في تنفيذ التوصيات التي قدمتها لجنة استشارية في ولاية أراكان.
والجدير بالذكر أن هذه اللجنة قد شكلتها أونغ سان سو تشي في أغسطس الماضي ويرأسها كوفي أنان، الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة. وقال بيتري إنه ينبغي أن يتم النظر إلى قرار جنيف في سياق تقرير أنان المؤقت الذي صدر في 16 مارس، واصفاً الاثنين بأنهما يرتبطان ببعضهما “ارتباطاً وثيقاً”.
وكان فريق أنان قد أوصى بإغلاق مخيمات النازحين التي تأوي قرابة 100,000 شخص منذ اندلاع العنف بين الأقلية الروهنغيا المسلمة والأغلبية البوذية التي تنتمي لعرقية أراكان في عام 2012، مما أسفر عن مصرع مئات الأشخاص. وكانت الغالبية العظمى من الضحايا من الروهنغيا.
كما أوصى الفريق أيضاً بأن تقوم الحكومة بإطلاق عملية جديدة لتعزيز المواطنة والسماح بحرية الحركة. وسارعت إدارة أونغ سان سو تشي بالترحيب بالمقترحات، في بادرة، حسبما يرى بيتري، تشير إلى أنها تحاول “الاستفادة منها لتعزيز رصيدها السياسي”.
وقال بيتري: “لذا، فإن أفضل سيناريو الآن هو أن يركزوا على تقرير واحد [أنان] لمحاولة نزع فتيل الآخر [جنيف]…سوف ينفذون التوصيات الواردة في تقرير أنان كوسيلة لتفادي بعثة حقوق الإنسان أو تقليصها”.
والحصول على المواطنة يُعد مسألة حاسمة للروهنغيا، الذين يصل عددهم قرابة مليون نسمة في ولاية أراكان، ويُحرم غالبيتهم من حرية التنقل ويعانون من قيود شديدة في الحصول على الوظائف، والرعاية الصحية، والتعليم عبر سياسة مؤسسية عنصرية.
وقد تسبب هذا الحرمان من الحقوق وأعمال العنف التي وقعت في عام 2012 في تنامي التطرف بين بعض أفراد الروهنغيا، حسب تقرير للمجموعة الدولية للأزمات. وقد هاجمت مجموعة من الروهنغيا المتمردين، تطلق على نفسها حركة يقين، لأول مرة مراكز للشرطة على الحدود مع بنغلاديش في 9 أكتوبر، أسفرت عن مقتل تسعة ضباط. وقادت هذه الهجمات إلى الحملة العسكرية، التي تقول عنها منظمات حقوقية أنها كانت وحشية وأنها استهدفت مجتمعات بأكملها.
وعلى الرغم من أوجه القصور – لاسيما احتمال منع المحققين من زيارة المناطق التي وقعت فيها الجرائم داخل ميانمار- إلا أنه بإمكان بعثة تقصي الحقائق أن تلعب دوراً قانونياً مفيداً، حسبما ترى إيريني بيتروباولي، مستشارة حقوق الإنسان في يانغون.
وحتى إذا ما مُنع المحققون من زيارة تلك المناطق داخل ميانمار، فلا يزال بإمكانهم جمع الأدلة من الشهود والناجين من الهجمات الذين هربوا إلى بنغلاديش.
وتوضيحاً لذلك، قالت بيتروباولي: “لا يزال بإمكانها إعداد تقرير أممي يوثق ما حدث، والذي سيكون بدوره مفيداً من الناحية السياسية وفيما يتعلق بمناصرة القضية…ليس هذا فحسب بل من الناحية القانونية أيضاً، لأن هذا سيمثل وثيقة هامة إذا رغب أحد الضحايا في الذهاب إلى المحكمة”.
وعلى الرغم من أنه ليس بمقدور البعثة تقديم مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان إلى العدالة، فإن نتائجها التفصيلية، وتوصياتها، وتحديدها المحتمل للجناة يمكن أن يضع أُسساً هامة للعمل في المستقبل.
وختاماً، تأمل بيتروباولي أن تكون هذه العملية بمثابة رادع ضد ارتكاب مثل هذه الفظائع في المستقبل.