وكالة أنباء أراكان ANA | متابعات
يبدو إعلان الفاتيكان، يوم الإثنين، عن دعوة ميانمار للبابا فرنسيس لزيارة البلاد، في أول زيارة بابوية رسمية لدولة ذات أغلبية بوذية، خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني، أمراً محيراً للغاية.
فقد أدان البابا فرنسيس دوماً بشدة المعاملة الفظَّة التي تتعرَّض لها أقلية مسلمي الروهنغيا في ميانمار، وتأتي هذه الزيارة لتتسبب في تزايد الشقاق مع البلدان الغربية والأمم المتحدة.
وكان الفاتيكان قد أعلن أن البابا فرنسيس الأول، سيقوم بزيارة لميانمار يومي 27 و30 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، وبنغلاديش من 30 نوفمبر/تشرين الثاني، إلى 2 ديسمبر/كانون الأول المقبلين.
وقال تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية، قد نجد المبررَ لهذه الزيارة في الأزمة المتصاعدة التي تواجه أونغ سان سوتشي، زعيمة ميانمار المنتخبة والحاصلة على جائزة نوبل.
فقد حوصرت بين الوطنيين ذوي الانتماءات الدينية والقوات العسكرية القوية، التي تولَّت حكمَ البلاد على مدار عقود من الزمن، قبل إجراء انتخابات فاصلة عام 2015، والجهات المانحة الغربية وهيئات المعونة ومنظمات حقوق الإنسان التي تنتقد إخفاقها في إنهاء الصراع العرقي وتنفيذ خطة الإصلاحات.
وكانت المصادمات التي وقعت، يوم الجمعة الماضي، بين قوات الأمن ومقاتلي جيش الخلاص التابع للروهنغيا بولاية أراكان، المتاخمة للحدود مع بنغلاديش، هي الأكثر دموية في البلاد في التاريخ الحديث، حيث أودت بحياة أكثر من 100 شخص.
وتُسلِّط هذه الأحداث الضوءَ على التوترات الدينية والعرقية المحتملة في ولاية أراكان ومناطق الصراع، مثل ولاية كاشين، التي من شأنها القضاء على النهضة الديمقراطية الهشَّة التي تشهدها ميانمار.
تقول الغارديان “تحتاج أونغ سان سوتشي إلى كل المساعدة التي يمكنها الحصول عليها، سواء كانت تتمثل في العناية الإلهية أو غيرها”.
رفض للزيارة
وأدان البابا ثانيةً خلال كلمته التي ألقاها يوم الأحد “اضطهاد إخواننا من الروهنغيا”، ودعا كافة “الرجال والنساء من ذوي النوايا الحسنة لمساعدتهم وضمان حصولهم على حقوقهم الكاملة”.
وعلى غرار مداخلاته السابقة، من الأرجح أن تؤدي تلك التعليقات إلى إثارة الوطنيين، الذين يؤكدون أن الروهنغيا ليسوا من أبناء ميانمار، بل من أبناء بنغلاديش، وليس لديهم أي حقوق للعيش في هذه البلاد.
واستنكر أشين ويراثو، الناسك الذي يتزعم حركة ماباثا البوذية المتشددة الزيارة البابوية، واعتبرها ذات دافع سياسي. وقال: “لا وجود لجماعة روهنغيا العرقية في بلادنا، ومع ذلك، يعتقد البابا أن هذه البلاد هي مسقط رأسهم. وهذا أمر زائف”.
هل تأتي بنتيجة عكسية؟
ورغم أن البابا فرانسيس والزعيمة أونغ سان سوتشي يأملان في أن تؤدي الزيارة إلى تهدئة الأجواء وتهميش المتطرفين ودعم إمكانية المصالحة، إلا أنه يمكن أن يكون لها أثر عكسي. ومن المتوقع أن يصور القادة العسكريون، الذين يواصلون السيطرة على الأجهزة الحكومية الرئيسية، ومن بينها الأجهزة الأمنية، زيارةَ البابا باعتبارها دليلاً على تقبّلهم على المستوى الدولي.
ويمكن أن تؤدي جولة البابا على مدار ثلاثة أيام إلى منحهم الاحترام الذي يتوقون إليه. وعلى النقيض من ذلك، قد تتعقد الأمور أمام أونغ سان سوتشي فيما يتعلق بالحد من الحملات العسكرية الوحشية المناهضة للمتمردين. فقد اتهمها الغرب بالفعل بعدم بذل الجهود الكافية في هذا الصدد.
بحسب التقديرات الرسمية لعام 2012، يوجد 800 ألف روهنغي في أراكان، وتعتبرهم الأمم المتحدة أكثر الأقليات اضطهاداً في العالم، وهناك العديد منهم قد فرَّ، فيما يعيش اللاجئون في مخيمات ببنغلاديش المجاورة وعدة مناطق داخل تايلاند على الحدود مع ميانمار.
جرائم ضد الإنسانية
ويشير مسؤولو الأمم المتحدة، إلى أن الإجراءات العسكرية التي يتم اتخاذها قد ترقى في بعض الحالات إلى جرائم ضد الإنسانية.
وتم منع محققي الأمم المتحدة من دخول البلاد في وقت سابق من هذا العام. وتم أيضاً انتقاد أونغ سان سوتشي، لعدم اتخاذ أي إجراءات في مواجهة انتهاكات حقوق الإنسان المتواصلة، ومن بينها القيود المفروضة على حرية الكلام وعلى وسائل الإعلام واعتقال السجناء السياسيين وإغلاق مناطق النزاع أمام هيئات المعونة والإغاثة.
وفي تقرير تم نشره، خلال شهر فبراير/شباط 2017، اتهم مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان جيش ميانمار وشرطتها بقتل مئات الرجال والنساء والأطفال، والاغتصاب الجماعي للنساء والفتيات، وطرد 90 ألفاً من الروهنغيا من منازلهم.
وتقول الغارديان “نظراً للقيود الدستورية والعملية التي تواجهها أونغ سان سوتشي، تبدو الانتقادات التي تواجهها قاسية للغاية.
دور الصين
وفي مقابل الدعم المتضائل الذي تقدمه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، تتوطد العلاقات بين الجيش والصين التي لا تضيع الوقت على حماية حقوق الإنسان.
وقد ثبت أن الاتفاقيات السابقة مع بكين غير متوافقة مع مطالب الشعب، إلا أن تأثير بكين متنامٍ مع تراجع تأثير الغرب إلى حدٍّ كبير. وتعد استثمارات الصين البالغة 10 مليارات دولار في منطقة كيوك بيو الاقتصادية مثالاً على ذلك.
ويذكر المسؤولون الصينيون أن المشروعات المشتركة سوف تخلق 100 ألف فرصة عمل في أراكان، وسوف يؤدي ذلك إلى تحقيق مزيد من الاستقرار.
وتدرك أونغ سان سوتشي حاجة ميانمار الماسة إلى التنمية الاقتصادية، ويتعيَّن عليها أن تحقق التوازن بين النمو والمخاوف البورمية التاريخية من التقارب الشديد مع الصين.
وتواجه أونغ كلَّ ذلك بعد أقل من عامين من نجاحها في الانتخابات. وفي ترحيبها بالبابا، قد تأمل في الحصول على الدعم والمساعدة التي تقدمها مثل هذه الشخصية العالمية المحايدة، التي تستطيع إبعاد الجيش والمنتقدين من الغرب عنها، وتمنحها الفرصة لتحقيق طموحاتها.