بقلم: بيتر بوكارت – مدير الطوارئ في «هيومن رايتس ووتش»
وكالة أنباء أراكان ANA | متابعات
في المخيمات المزدحمة والبائسة في بنغلاديش التي يقيم فيها مئات الآلاف من الروهنغيا الفارين من حملة جيش ميانمار للتطهير العرقي، قابلت ثلاث نساء أخبرنني بقصصهن المروعة ونجاتهن مما تعرضن له في قرية «تو لار تو لي». إحداهن تدعى رشيدة وتبلغ من العمر 25 عاماً وتتحدث بصوت خفيض إلى درجة أنه من الصعب في الغالب سماعها لأن جنود ميانمار أصابوا حلقها بجرح وتركوها للموت في منزل محترق. ولن أذكر إلا الاسم الأول لمن أتحدث عنهم هنا حفاظاً على أمنهم.
وقد ذكرت رشيدة أن الجنود حاصروها وسكان القرية الآخرين عند حافة النهر وفرقوا بين الرجال والنساء والأطفال، وجعلوا النساء والأطفال يقفون حتى الخصر في الماء، بينما أطلق الجنود النار على الأزواج والآباء والأشقاء. والنهر الذي يمر بالقرية التي تعيش فيها رشيدة كان هو أمل السكان الوحيد في الفرار من النيران التي انصبت عليهم من قوات الأمن. ولكن كان من الصعب عبور النهر بسبب عمقه. وبينما كان بعض الجنود يجمعون ويحرقون جثث الرجال بدأ آخرون يسوقون النساء والأطفال بعيداً في مجموعات صغيرة.
وقاد أربعة جنود رشيدة وأربع نساء أخريات إلى منزل. وحكت رشيدة أنه بعد الوصول إلى المنزل، انتزع جندي طفلها البالغ من العمر 28 يوماً من ذراعيها وسحقه على الأرض ليموت في الحال. وقُتل طفلان آخران لامرأتين بالطريقة نفسها. وأخذ الجنود يهاجمون النساء المذعورات بالسكاكين. وأفاقت رشيدة لتجد نفسها في منزل مغلق يحترق، وأول شيء رأته هو طفلها الميت بجانبها. واستطاعت أن تزحف عبر سياج محترق من «البامبو» وتهرب. وكانت رشيدة هي الناجية الوحيدة بين مجموعة من خمس نساء وأطفالهن. وصور الأقمار الصناعية التي حللتها منظمة «هيومن رايتش ووتش» تظهر أن القرية كلها قد التهمتها النيران بالفعل.
وكانت «هيومن رايتس ووتش» قد توصلت منذ عام 2012 إلى أن حكومة ميانمار ارتكبت جرائم ضد الإنسانية بحق الروهنغيا في ولاية أراكان. ومنذ 25 أغسطس ارتكبت قوات الأمن في ميانمار عمليات حرق وقتل واغتصاب ونهب وتدمير لمئات القرى، مع إجبار أكثر من 400 ألف من الروهنغيا على الفرار إلى بنغلاديش المجاورة.
واستناداً إلى السياق الكامل لأحدث الأعمال الوحشية تلك، والأدلة على توافر شرط العمد عند جيش ميانمار، تعتقد «هيومن رايتس ووتش» أن الجرائم التي وقعت في الآونة الأخيرة تشكل أيضاً جرائم ضد الإنسانية. ويعني ضلوع الجيش القوي في ارتكاب هذه الأعمال عدم وجود فرصة تقريباً لأن تقدم الحكومة جناة أساسيين للعدالة.
وقبل يومين من حديثي مع رشيدة، قابلت حسينة البالغة من العمر 20 عاماً وشقيقة زوجها أسماء البالغة من العمر 18 عاماً، وقد شاهدتا المذبحة نفسها وتجرعتا أهوالاً مشابهة. فقد وقفتا في الماء بينما أطلق الجنود النيران على الرجال وأحرقوا جثثهم. وذكرت حسينة أنه بينما كان الجنود يحرقون جثث الرجال الذين قتلوهم لاحظ أحدهم أنها تحاول إخفاء ابنتها البالغة من العمر عاماً واحداً تحت ثيابها. وجاء الجندي وانتزع الطفلة من حسينة وألقى بها حية في النار التي تلتهم جثث رجال الروهنغيا.
وبعد ساعات، قاد الجنود حسينة وأسماء وفاطمة البالغة من العمر 35 عاماً أخت زوج حسينة بالإضافة إلى أطفال فاطمة الثلاثة الصغار إلى منزل قريب. وحاول الجنود اغتصاب النساء وطعنوا فاطمة حتى الموت حين قاومت ثم ضربوا حسينة وأسماء حتى فقدتا الوعي. والأطفال الثلاثة قتلوا ضربا بالمجارف بحسب قول حسينة وأسماء. وحين استعادت حسينة وأسماء وعيهما وجدتا نفسيهما في منزل مغلق محترق. وأطلعتني أسماء على جرح عميق قطبه طبيب في الجزء الخلفي من رأسها أصيبت به حين ضُربت حتى فقدت الوعي.
ومثل هذه الحكايات المروعة للأهوال التي تحدث في ميانمار يكاد لا يصدقها عقل من بشاعتها ولكن هذا ما يسمعه باحثو «هيومن رايتس ووتش» من يوم إلى آخر. وهذه القصص متسقة ومعقولة بحيث يصعب إنكارها أو اعتبارها من اختلاقات الخيال أو المبالغات. فلاشك في أن جيش ميانمار متورط في أعمال وحشية في حملته الحالية من التطهير العرقي ضد الروهنغيا. وحين يطلق الجنود النيران على رجال ويضربون النساء والأطفال حتى الموت ويحرقون منازلهم يتعين أن يلتفت العالم ويعمل بشكل جمعي لوقف هذه الجرائم.
وعلى رغم أن مياه النهر القريب من قرية «تو لار تو لي» قد تجرف دماء ورماد جثث الأشخاص الذين قتلهم الجيش بوحشية وأحرق جثثهم إلا أن دول العالم يجب ألا تتجاهل هذه الجرائم. ويتعين على مجلس الأمن الدولي والحكومات المعنية أن تتخذ إجراءات على الفور بفرض حظر أسلحة وعقوبات تستهدف زعماء الجيش وتتعقب كل المواقع لتحاسب كل المسؤولين. وتحديداً، يجب على المجلس أن يحيل الوضع في ميانمار إلى المحكمة الجنائية الدولية. والضحايا مثل رشيدة وحسينة وأسماء اللائي فقدن كل شيء تقريباً يستحققن العدل على الأقل.