٢٢٩ عام مضت ، وأراكان منسية تحت ركام المآسي، تنزف الدم مع الدمع ، تعاني اليتم والحرمان والنسيان ، داخل جنة غدت سجنا ونارا …
كنت أتمنى أن نقول في نهاية هذا العام المأساوي من تاريخ أراكان المليىء بالجراح ولأول مرة : كل عام وأراكان بخير
وكل عام وشعب أراكان المسلم في اذدهار
كل عام وبنو آراكان في راحة وسعادة وأمان
لكن الحقيقة : أن أراكان إلى هذا اليوم ليست بخير ، ومنذ أكثر من قرنين من الزمان.
أكثر من قرنين , والشعب الروهنجي مضطهد , ومهضوم الحقوق : فلا حرية دينية , ولا تعليم , ولا فرص عمل, ولا أمن ولا أمان
بقي هذا الشعب تحت خط الفقرعلى مدى قرنين ونيفا, ولم يسمح له بالتمتع بأدنى حق من الحقوق المتاحة لبقية الأطياف الأخرى في بورما.
ظلم وقهر مستمرين على مدى السنين, ولكن يزيد أوارهما في بعض الفترات.
ففي عام 1942م حدثت مقتلة عظيمة , راح ضحيتها أكثر من مائة ألف مسلم , وشرد الآلاف..
كان من ضمن من ذاق الأسى هناك :عمة والدي رحمها الله , وقد أمد الله في عمرها حتى بلغت المائة عام وأكثر..
عاشت في أراكان إلى كهولتها , وعاصرت الكثير من الأحداث الكبيرة ..
من رواياتها التي أذكرها : أن أهلها قاموا بتزويجها وهي طفلة قبل سن البلوغ , حفاظاً عليها من عمليات اختطاف الفتيات غير المتزوجات , فقد كان الماغيون يختطفون الفتيات اللواتي يرقن لهم, ويأخذونهن لمصير مجهول..
كما أن البوذيين يدخلون البيوت بلا استئذان , وينهبون ما يشاؤون من الأرزاق ، وإذا تكلم أحدهم أو دافع عن حقه , يعذب أو يقتل , وأيضا يجبرون سيدة البيت على ذبح ما لديها من دجاج وغيره , وطبخه وإطعامهم…
هذا ما أذكر من قصصها رحمها الله وجزاها عن طول صبرها خيرا.
فلك أن تتخيل أيها القارئ طول سنين الظلم والإذلال الواقع على هذا الكيان المسلم..
شعب لازال يتقلب في البلاء ومنذ أمد بعيد , فقبل عام قتل عشرة من الدعاة المسلمين لدى عودتهم من العمرة ، على يد بوذيين حاقدين، قاموا بضربهم حتى الموت والتمثيل بهم وتشويههم بدون أي جرم مقترف من قبلهم .
ومنذ ذلك اليوم ازدادت جرأة البوذيين على أذية المسلمين ،فقد قامت مجموعات منهم بالدخول إلى بعض قرى المسلمين بالسكاكين وعصي الخيزران المسنونة , يقتلون كل من يعترضهم من المسلمين , ويحرقون المنازل , ويدمرون ويخربون ويغتصبون… حجتهم في ذلك قصة اغتصاب فتاة بوذية من قبل شبان مسلمين وقد ثبت كذب هذه القصة الملفقة.
دافعهم لكل هذا الإجرام هو : الحقد الطائفي والديني والخوف من انتشار الإسلام , فطموحهم أن تكون المنطقة خالصة لهم من دون المسلمين , فاخترعوا هذه الأكذوبة لبدء عملية التطهير والإبادة الشاملة.
لكن رب محنة في طيها منحة .
نعم اندلعت المأساة الدامية الأخيرة , وليست هي الأولى , وربما لن تكون الأخيرة , لكنها في هذه المرة , أحدثت جديدا في مسار القضية ؛
فلأول مرة في تاريخ مأساة أراكان , تظهر القضية إعلاميا , وتناقش من قبل حكام ورؤساء بعض الدول ..
لأول مرة يتعاطف جمع من المسلمين مع المضطهدين هناك , ويسعون لمساعدتهم ، ويتظاهرون لأجل استرجاع حقوقهم المسلوبة .
صحيح أنها لا زالت جهود فردية وقليلة , لكنها أشعلت فتيلا على الطريق المظلم..
وهذا التطور في مسار القضية حدث بعد فضل الله , بجهد ثلة من شباب بني أراكان , صدقت مشاعرهم , واحترقت قلوبهم لما يتعرض له إخوتهم الروهنجيين هناك , فبذلوا ما بوسعهم , وتحركوا في حدود إمكاناتهم المتاحة , فبارك الله في مساعيهم وجهودهم … جزاهم الله خيرا.
ثم تحرك الغيورون من إخوتنا في الكويت ومصر, والمملكة العربية السعودية ,وغيرها, وشيئا فشيئا , تعاطفت بعض القنوات الفضائية مع القضية , وخاصة قناة وصال .. فلهم من بني أراكان تحية وفاء وامتنان واعتزاز..
وشكر خاص لحكومة خادم الحرمين الشريفين على وقفتها المباركة مع الأراكانيين , وتعاطفها , ومواقفها البيضاء, فلهم منا خالص الشكر وأوفاه .
وبمناسبة مرور عام كامل على تأزم المأساة بدون انفراج ,أهدي تحياتي إلى شعبنا المقهور هناك وأقول لهم : أنتم رابحون مهما خسرتم من الأبناء والأزواج والأملاك, فالله وعدكم بالأجر العظيم (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) قتلاكم شهداء في الجنة ، والظالمون مأواهم النار ..
وأخيرا كلي رجاء في أن يتحقق عدد من الأمنيات خلال الفترة القريبة القادمة وهي :
1- أن لا يمر عام آخر والشعب الروهنجي تحت آلة القتل.
2- أن يزيد عدد المتفاعلين مع القضية على كافة المستويات.
3- دعم اللاجئين الروهنجيين في كل بقاع الأرض ,وانتشالهم من الموت والخوف والفقر.
4- فتح قنوات فضائية خاصة تبث أخبار الظلم والاضطهاد في أراكان , وتفضح عباد الوثن.
5- توفير فرص تعليمية للاجئين وتطويرهم..
6- جمع كلمة الروهنجيين في كل بقاع الأرض على كلمة واحدة.
وتطول الأمنيات , وعند الله نودعها , منتظرين الفرج والمخرج .
نرجو أن نقول قريبا : كل عام وأراكان وشعبها بخير
بقلم / زكية أحمد الأركاني