وكالة أنباء أراكان ANA | متابعات
أونغ زاو، الشقيق الأكبر لكياو زاو مو، كان قد هرب إلى تايلاند ومن هنالك أطلق “ذا إيراوادي”، في صورة صحيفة مطبوعة في ذلك الحين، بهدف تقديم التقارير عن بلاد تحت الرقابة والحكم العسكري.
شكل أونغ زاو فريقا من الصحافيين الذين كانوا يقضون وقتا طويلا في التواصل واستجواب المسافرين على الحدود التايلاندية.
أخبرني كياو زاو مو: “لقد كان العالم متعطشا للمعلومات، ولهذا السبب أسس أونغ زاو ذلك الموقع – والسبب أننا كنا ننشر باللغة الإنجليزية في البداية”.
أطلقت صحيفة ذا إيراوادي موقعها الإلكتروني باللغة الإنجليزية في عام 2000 وموقعها باللغة البورمية في عام 2001.
بعد انهيار الشيوعية في أوروبا والفصل العنصري في جنوب إفريقيا، أصبحت الجمعيات الخيرية والأهلية ومنظمات المجتمع المدني في الغرب، مقتنعة أكثر فأكثر بقيمة الصحافة المستقلة وزاد الدعم.
حصل موقع ذا إيراوادي على التمويل من جهات مانحة تشمل المؤسسة الوطنية للديمقراطية، ومؤسسات المجتمع المفتوح التابعة لجورج سوروس. أطلق سراح كياو زوا مو في عام 1999 وهرب إلى تايلاند للانضمام إلى شقيقه.
في عام 2012، بدأ النظام التفاوض مع المعارضين حول إيجاد وسيلة تعيد البلاد إلى الديمقراطية، فرفعت ميانمار الرقابة عن الصحافة، والجدار الذي يحجب الإنترنت فيها، وفتح موقع ذا إيراوادي مكتبا في يانجون.
انضم الموقع إلى شركات نشر أخرى ممولة من القطاع الخاص مثل دي في بي، فضلا عن صحيفة “جلوبال نيو لايت” لميانمار التي تديرها الدولة الموجودة مسبقا.
على الرغم من أنه لا يزال يعتمد على الجهات المانحة، إلا أن موقع ذا إيراوادي حشد جمهوره، وحصل على جحافل من القراء لكل من موقعيه الإلكترونيين بالبورمية والإنجليزية.
عين الموقع صحافيين مغتربين شباب، بدأوا الوصول في الوقت الذي اقتربت فيه أول انتخابات ديمقراطية في البلاد. في الوقت نفسه، زاد انفتاح الإنترنت من تأثير المتطرفين البوذيين، الذين نشروا عبر المواقع الإلكترونية، خطابات على الشبكة ومنشورات وأشرطة فيديو.
عندما اندلع العنف في أراكان في عام 2012، تعرض موقع ذا إيراوادي للهجوم بسبب استخدام كلمة “روهنغيا” في تغطيته. في مقال افتتاحي نشر في نيويورك تايمز في عام 2013، أدان أونغ زاو ارتفاع خطاب الكراهية والقومية، ووبخ أونغ سان سو تشي، التي كانت في المعارضة في ذلك الحين.
وكتب: “لتحظى بالاحترام بقدر ماهاتما غاندي ونيلسون مانديلا، يجب أن تدين بصراحة إراقة الدماء ضد سكان الروهنغيا وكاشين وأقليات أخرى، وانتقاد الشرطة وقوات الأمن بسبب إهمالهم وتهاونهم”.
في عام 2014، منح باراك أوباما مقابلة لموقع ذا إيراوادي في زيارته إلى ميانمار، وقدمت لجنة حماية الصحافيين لأونغ زاو جائزة حرية الصحافة، مشيرة إلى الضغط الذي واجهته صحيفته من السلطات.
في العام نفسه، تم اختراق الموقع الإلكتروني من قبل قراصنة لم تذكر أسماؤهم على أساس أنه “يدعم المتشددين والمتطرفين”.
في وقت قريب من الحملة الانتخابية في عام 2015، بدأ بعض محرري اللغة الإنجليزية بملاحظة تغيير. دعم موقع ذا إيراوادي بشكل كبير ما كان سيكون محاولة ناجحة للحصول على السلطة من قبل الرابطة الوطنية للديمقراطية.
ووفقا لعدد من الصحافيين الأجانب السابقين الذين عملوا في الموقع، فإن الموقع عمل في بعض الأحيان على منع نشر مواضيع كان من شأنها أن تصور حزب الاتحاد الوطني للديمقراطية، في صورة سلبية.
نفى كياو زوا موي ذلك، قائلا إن الموقع “لن يخجل” من مواجهة انتقادات المؤسسات الديمقراطية الجديدة في ميانمار. وقال في رسالة بريد إلكتروني: “لقد نشرنا الكثير من القصص المهمة حول حزب الاتحاد الوطني للديمقراطية، بما في ذلك فشله في ترشيح مسلمين في انتخابات عام 2015.
مهمتنا تكمن في المساعدة في إعادة بناء بلادنا كمجتمع ديمقراطي من تحت أنقاض الموروثات الرديئة، سواء التي كانت في ظل الاستعمار البريطاني أو الحكم الاستبدادي، من خلال ممارسة صحافة متشددة تضمن الولاء للمواطنين”.
في عام 2016، قدم الموقع الإلكتروني إيراوادي واحدة من رسومه الكاريكاتورية الأكثر إثارة للجدل. تحت عنوان “أنا أولا”، أظهر الرسم رجلا ذا بشرة داكنة وبلا قميص، يرتدي لافتة كتب عليها “أهل القوارب”.
من الواضح أنه كان من شعب الروهنغيا – يشق طريقه إلى مقدمة طابور من الناس يرتدون زي الجماعات الوطنية الأخرى في ميانمار.
ومن ثم، بعد الهجمات التي وقعت في آب (أغسطس) الماضي، قال كبار المحررين العاملين في الموقع الإنجليزي إنهم كانوا يريدون استخدام مصطلح “الروهنغيا تمييز الذات” ومن ثم “المسلمين في ولاية أراكان” في الإشارة التالية.
بينما كان العنف آخذا في الانتشار في البلاد، اندلع الجدل في الصحيفة. اشتكى بعض الموظفين الأجانب من عدم وجود مصادر تتعلق بالروهنغيا، إذ كان التكليف يقتصر على إعداد مواضيع تركز على البوذيين والهندوس، الذين أخرجوا من بلادهم خلال أعمال العنف، بدلا من الروهنغيا.
“لقد كان مشهدا محزنا أن ترى الناس الذين قاتلوا طويلا من أجل الحرية، يجري تصويرهم الآن في الجانب الخاطئ لقضية من شأنها أن تحدد الآن تاريخ البلد ومساره المستقبلي”، بحسب ما أخبرني أحد المحررين السابقين الوافدين، الذي رفض الكشف عن اسمه.
(وقد انسحب ثلاثة من أصل أربعة من محرري النسخة الإنجليزية للصحيفة خلال فترة زمنية قصيرة في الخريف الماضي).
أجريت مقابلة مع يي ني، رئيس تحرير الطبعة البورمية، الذي شارك في تأليف الرسوم الكاريكاتورية المثيرة للجدل “أنا أولا”. يقول: “لقد تفهمت الرسالة التي يرغب الرسام إيصالها: ميانمار عبارة عن بلد هش للغاية يعاني من كثير من القضايا الأخرى – الحرب الأهلية، والتنمية الاقتصادية – وليس من قضية الروهنغيا، فحسب”.
وقال إن المحررين كانوا بدورهم يتخلصون من خطابات الكراهية الواردة في تعليقات القراء. “منذ عام 2012، بدأ البعض في اتهام موقع إيراوادي بأنه مؤيد للمسلمين…. مناصر للروهنغيا، وبأنه يضم خونة وطنيين بسبب تغطيتنا للنزاع، لكننا لم نتغير أبدا”.
هذا الموقع ليس الوحيد الذي اتخذ لهجة أكثر حماسا ووطنية، فهنالك مواقع إخبارية بورمية أخرى يتنافس معها، بما فيها ميزيما ودي في بي، تغطي الأحداث بشكل يعكس غالبا عقلية قومية.
أخبرني بين دونان، محرر سابق باللغة الإنجليزية، قائلا: “إن تردد موقع إيراوادي في مواجهة تحدي الروايات الحكومية المتعلقة بأزمة الروهنغيا أمر مخيب للآمال، لكنه يمثل فشلا أوسع نطاقا بكثير للحركة المؤيدة للديمقراطية – سواء أكانت داخل أو خارج حزب الاتحاد الوطني للديمقراطية – لتأييد مبادئ حقوق الإنسان في مواجهة المواضيع التي تنبذ الإنسانية، والمتمثلة في “الهجرة غير الشرعية والإرهاب”.
وأضاف متألما بقوله إن الصحيفة لا تزال تمثل “صوتا معتدلا نسبيا في موقفها من الأزمة” في أراكان، وقد بذلت “جهدا عظيما” في نقل التجاوزات العسكرية التي وقعت في أجزاء أخرى من ميانمار.
في الأشهر الأخيرة، واجهت الرابطة الوطنية للديمقراطية، إحدى كبريات الجهات المانحة الأجنبية لموقع إيراوادي، تساؤلات من جماعات حقوق الإنسان والصحافيين حول الاستمرار في تقديم منحها التي تزيد على 100 ألف دولار سنويا، في الوقت الذي أثارت فيه مؤسسات المجتمع المفتوح التابعة لسوروس، وبشكل خاص، مخاوف تتعلق بالرسوم الكاريكاتورية مع موظفي موقع إيراوادي.
يتوقع آخرون أن تكون وسائل الإعلام المستقلة في ميانمار آخذة في الابتعاد عن اعتماد النموذج الممول من خلال التبرعات، نحو اعتماد نموذج تجاري بشكل أكبر، ما يستلزم إجراء تغيير في اللهجة ليعود ذلك لمصلحة رجال الأعمال البورميين المعروفين باسم “المحاسيب”.
قال جيسون نيلسون، صحافي كندي كان يعمل سابقا لدى موقع إيراوادي في تايلاند: “إنهم ربما يشعرون أنه من أجل النجاة، هم بحاجة إلى التوصل إلى وئام مع مصالح تجارية محلية، هي أقرب ما تكون إلى الوفاق مع الحكم، وهذا قد يفسر بعض الأمور والمنشورات التي يبثونها في الوقت الراهن”.
كيا وزوا موي يرفض هذا، مؤكدا على أن موقع إيراوادي كان “مهما بالنسبة للذين يتسلمون زمام الأمور دون تأييد أو خوف” ومشيرا إلى أن القوميين استهدفوا كلا من المنشور والصحافيين الأفراد.
وأضاف: “مهما كانت الجهات المانحة أو الراعية أو المسؤولة عن الإعلانات، لم ندخل في وساطة أبدا حول سياستنا التحريرية والصحافة المستقلة، ولن نفعل ذلك في المستقبل”.
كان لرد الفعل السلبي المتزايد ضد عملية جمع الأنباء المشروعة في ميانمار أثر على موقع إيراوادي، إضافة إلى غيره من المنشورات.
تم اعتقال أحد مراسلي الموقع في حزيران (يونيو) الماضي في ولاية شان واحتجز لفترة شهرين. كما تم التعرض لآخر في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، من قبل مجموعة من القرويين في ولاية أراكان، واستجوابه من قبل رجال الشرطة لعدة ساعات.
وقد تشارك موقع إيراوادي مع وسائل الإعلام الأجنبية في توجيه الانتقادات لعملية اعتقال اثنين من مراسلي وكالة رويترز.
قال كيا وزوا موي: “جميع الصحافيين هنا معرضون للتهديد بطريقة أو بأخرى، عندما يتعلق الأمر بتغطية القضايا الحساسة”.
خلافا لكثير من البلدان الآسيوية الأخرى، لا تفرض ميانمار رقابة على شبكة الإنترنت. المواطنون الذين يبحثون عن الأخبار يلجؤون بشكل متزايد إلى المواقع الإلكترونية السطحية غير المنتظمة، حيث تنتشر دعوات اللجوء إلى العنف مع إفلات واضح من العقاب.
يزيل موقع فيسبوك المحتوى المشار إليه بأنه تعسفي أو عنصري، لكن المستخدمين هنا عادة ما يعمدون إلى قص ولصق تلك المنشورات قبل إزالتها، ما يعني أن التحريض يواصل انتشاره.
أخبرني يي مايينت وين، وهو ناشط مسلم مؤيد للروهنغيا يتخذ اسم نيكي دياموند، قائلا: “معظم خطابات الكراهية هنا تستند إلى ما يقول القوميون إنه قد حصل في ظل الاستعمار البريطاني: جاء المسلمون من الهند إلى هنا لمساعدة الإدارة البريطانية، وتزوجوا من النساء البورميات، ما أتاح لهم احتلال الأرض. هذه القصص الأسطورية انتعشت مرة أخرى، في هذه الآونة، ولا يتم تفسيرها جيدا، من جراء التأويل لإفساد الحقائق والوقائع، وحشرها حشرا في اتجاه خدمة المزاعم الواهية، تلك”.
كان التحريض على ممارسة العنف ضد الأقليات أمرا شائعا خلال أيام النظام الدكتاتوري العسكري، حينها كان المؤلفون يكتبون رسائل مملة مطبوعة، يتم تداولها يدويا.
وصول الإنترنت يسمح بانتشار التهديدات والشائعات والتشهير على نطاق غير مسبوق. قالت فيكتوار ريو من مجموعة التكنولوجيا فانديار في مقرها في يانجون إنها تعمل على الترويج لاستخدام الإنترنت “الآمن”:
“حقيقة أن موقع فيسبوك يمثل شبكة الإنترنت بالنسبة لكثير من مستخدمي المواقع الرقمية، جنبا إلى جنب مع المستويات المنخفضة من المعرفة الرقمية، تجعل الأخبار المزيفة وخطابات الكراهية المنشورة إلكترونيا، أمرا خطيرا جدا في ميانمار”.
إحدى صفحات الدعاية واسعة الانتشار عبر فيسبوك هي لوين بايين (الميدان)، وتحظى بأكثر من ثلاثة ملايين متابعة وتنشر تقارير لأخبار مزيفة، جنبا إلى جنب مع سمات أسلوب الحياة.
في الآونة الأخيرة، نشرت منشورا مزورا مدعية أن رئيس وزراء يانجون أراد تدمير اثنين من الأماكن المقدسة في معبد شويداجون، وهي أنباء من شأنها أن تثير غضب أي بوذي. انتشرت القصة بشكل رهيب، لكنها كانت مزيفة.
تبدو بعض المعلومات المغلوطة وكأنها قد قدمت لتوجد حالة من الفوضى. العام الماضي، قبل عدة أيام من الذكرى السنوية لهجمات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر)، وتم توزيع اثنتين من مجموعات الرسائل على نطاق واسع، من خلال تطبيق فيسبوك ماسنجر.
ادعت إحداهما أن المسلمين كانوا يستعدون لشن “الجهاد” في البلاد في الذكرى السنوية لأحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر)، والأخرى التي أرسلت إلى المسلمين، أفادت بأن جماعة بوذية متطرفة كانت تستعد لمهاجمة كالارس – وهو وصف عنصري للشعب ذي الجلد الداكن اللون المنحدر من جنوب آسيا.
ردا على ذلك، هاجم غوغائيون منازل المسلمين والمحال ومسجدا في مدينتي ماجواي وتونجدوينجي، قبل أن تفرقهم شرطة مكافحة الشغب.
وقد تعرض نيكي دياموند لمضايقات عبر الإنترنت وكثير من التهديدات لحياته، بعد أن ظهر في حوار جنبا إلى جنب مع هتوسان من وكالة أسوشييتد برس، انتقد خلاله الجيش للحد من إمكانية الوصول إلى وسائل الإعلام في أراكان.
صاحب المنزل طرده من شقته ويعيش الآن خلف بوابة أمن معدنية، ولديه ابنة رضيعة إضافة إلى زوجته التي تدين بالمسيحية والمسجلة كمواطنة بوذية، لكن الزوجين لم يتزوجا قانونيا، لأنهما يخافان من أن ينسف القوميون الزواج بمقتضى قانون عام 2015. كما يقول إن هنالك شخصين، يعتقد أنهما من موظفي الأمن العسكري ومن موظفي الدولة، يقتفيان أثره أينما ذهب، لكنه مصمم على مواصلة عمله. ويقول: “إن كان علينا وقف القتال، سوف نخسر كل شيء. لا يمكننا وقف ما نقوم به. إن فعلنا ذلك، لن يوقفوا هم ما يفعلونه”.
في صباح أحد الأيام، سافرت إلى سين ما كاو، واحدة من عدد من القرى التي أعلنت نفسها أنها “خالية من المسلمين”. بعد الدخول إلى عمق هذه المنطقة الريفية، تجدها مكانا يحظى بالقليل من الفرص خارج نطاق الزراعة.
استقبلني سكان البلدة بكل احترام، إن لم يكن بالقليل من الحذر والتخوف. وأخبروني أن المسلمين والمسيحيين والهندوس لا يسمح لهم بالاستقرار أو النوم أو بناء أماكن عبادة في تلك المناطق.
قال يو آيي سوي، زعيم القرية، بينما كنا نحتسي الشاي أسفل مذبح بوذي: “الجميع يستطيع زيارة المكان، لكنهم لا يستطيعون المكوث هنا. المسلمون لا يمكنهم بناء مساجد والمسيحيون لا يمكنهم بناء الكنائس”.
وفقا لشبكة حقوق الإنسان في ميانمار، هنالك نحو 20 قرية كهذه في كل أنحاء البلاد. قال يو آيي سوي: “المسلمون يرتكبون أعمالا إرهابية، ونحن نخاف من الإرهاب. وإن تزوج أحد أفراد قبيلتنا من مسلم أو مسلمة، تنتقل مواقف المسلمين نحو البوذيين. ونحن لا نحب ذلك، ولا نريده. السبب الرئيسي هو الدين.