فاينانشال تايمز – ثاين ساين، رئيس جمهورية ميانمار، سيتسلم المطرقة في الأسبوع المقبل من سلطان بروناي. هذه المجاملة الصغيرة لغرفة المحكمة تأتي مليئة بالمعاني. فهي تمثل من الناحية الشكلية رئاسة ميانمار لرابطة دول جنوب شرقي آسيا، لكن معناها لا يقل عن عودة الاعتراف بميانمار ضمن عصبة الدول المحترمة.
اعتاد العالم تقريباً على حقيقة تحول ميانمار المذهل منذ أن تخلص زعماء الأمة المنبوذة سابقاً، التي كان اسمها بورما من أزيائهم العسكرية. بعض الناس يمكن أن يتوقفوا ليتعجبوا من أن العملية التي بدأت بحماسة في 2011، تظل تبدو متماسكة وأن البلاد لم تعانِ رجعة على الطراز المصري إلى الوضع الذي كان قائماً في السابق. مع ذلك لا يزال كل شيء كئيباً في أحدث ديمقراطية بدائية في العالم.
مشكلات ميانمار كثيرة على نحو لا يحصيه العد. كثير منها، مثل الفقر والصحة السيئة، والافتقار إلى الأساسيات مثل المياه الجارية إلى البيوت أو الكهرباء، موجود منذ زمن طويل، وهي نتيجة لسنوات من سوء الحكم من قبل حكومة تسلطية. لكن كثيراً من المشكلات هي مشكلات جديدة، أو على الأقل أصبحت مرئية من جديد. بعد أن رُفِع بسطار ”الحذاء الثقيل” الدكتاتورية، أطلت هذه المشكلات برؤوسها إلى حيز الضوء.
أكثر المشكلات وضوحاً هي العنف المجتمعي، خصوصاً من الأغلبية البوذية ضد الأقلية المسلمة. حين كانت الدكتاتورية هي المسيطرة في ”الأيام الخوالي الطيبة” كنا نتخيل الرهبان الذين يرتدون أثواباً بلون الزعفران أنهم كانوا جميعاً ضد الحكومة القمعية.
لكن الآن أصبحت الصورة قاتمة أكثر من ذي قبل. كشف بعض الرهبان عن أنفسهم وظهروا متطرفين. لا شك أن العداوة كانت تختمر منذ زمن بعيد بين الأغلبية البوذية، التي تشكل 90 في المائة من السكان، والأقلية المسلمة. والآن مع حرية التعبير وتراجع القمع من الدولة، كشفت هذه العداوات عن نفسها بصورة صارخة.
ربما تكون هناك أيضاً يد خفية تحرك الصراع. يقول كياو زوا موي، رئيس تحرير النسخة الإنجليزية من مجلةThe Irrawaddy: ”ما نحتاج إليه هو حرية التعبير، وليس حرية التعبير عن الكراهية”.
تركز العنف في ميانمار على ولاية راكان، موطن أقلية الروهينجيا المسلمة، التي يعتبرها كثير من أهل ميانمار أنها تتألف من دخلاء من بنجلاديش. لكن العنف المجتمعي انتقل إلى أجزاء أخرى من البلاد توجد فيها تجمعات للمسلمين، بما فيها ميكتيلا في وسط ميانمار، حيث قُتل 50 مسلماً في آذار (مارس).
بل إن العنف انتقل إلى الخارج، حيث أدت فكرة اضطهاد المسلمين إلى إثارة رد فعل عكسي. فقد أبلغت جماعة الأزمات الدولية عن حالات قتل للبوذيين في ماليزيا وحتى تهديدات بالجهاد ضد ميانمار.
لكن الأمر الأكثر أهمية حتى بالنسبة إلى مستقبل ميانمار الوجودي هو صعوبة العثور على حل سياسي للتوترات العرقية التي ظهرت منذ الاستقلال في 1948. من المحتمل أن تكون هناك أنباء طيبة للغاية في أن الحكومة ترجو التوصل إلى وقف عام لإطلاق النار في البلاد بحلول الشهر المقبل، حيث أضيفت ولاية كاتشين أخيراً إلى القائمة.
لكن حتى مع ذلك، يشعر كثيرون بالقلق من أنه في غياب دستور جديد لتوزيع السلطة للولايات التي ستكون منفصلة، فإن المركز سيخفق في الصمود لفترة طويلة. إن التخلي عن السلطة بالقدر اللازم للعملية لن يأتي بسهولة إلى حكومة مدعومة بالعسكر الذين كان منطقهم خلال سنوات من الحكم التسلطي، هو الحؤول دون أن تتحطم وتتمزق البلاد المؤلفة من جماعات عرقية ولغوية مختلفة. هناك قضية ثالثة تحيط بالمحاولات الرامية إلى إنشاء ما يمكن أن يسمى سيادة القانون والحوكمة السليمة. في هذا المجال انتقلت ميانمار من حكومة تنهب ثروات البلاد إلى مشاع للجميع. هناك الآن على ما يقال حوافز أكثر لتطويع القانون ودفع الرشاوى، على اعتبار أنه للمرة الأولى منذ عقود هناك إثارة حول الآفاق الاقتصادية للبلاد. أصبحت الخلافات على الأراضي شرسة في الوقت الذي تقوم فيه شركات التطوير والبناء – التي تسعى لإنشاء طريق أو معمل أو مركز تسوق أو منجم – بطرد المقيمين منذ فترة طويلة بعيداً عن الأرض.
هذا يجعل الحياة غير مريحة للشركات الأجنبية التي ترجو أن تمارس أعمالاً في البلاد. غياب البنية التحتية – المادية والمؤسسية – يعني أن يظل كثير من المستثمرين المحتملين غير مطمئنين للوضع، رغم أن بعض الشركات الكبيرة، بما فيها تيلينور وستاندارد تشارترد وكوكا كولا وجنرال إلكتريك أنشأت فروعاً لها هناك.
عامل الشك الكبير الأخير هو وتيرة التحول السياسي نفسه. ستجري الانتخابات في 2015. السؤال المهم هو ما إذا كان العسكر سيتفرجون في الوقت الذي تصبح فيه أونج سان سو كيي رئيسة للجمهورية، وهو أمر ستحصل عليه بالتأكيد إذا كانت الانتخابات عادلة. كذلك لا بد من تغيير الدستور من كونه دستوراً يشتمل على عنصر مضحك، وهو أنه لا يجوز للأشخاص الذين لهم أطفال أجانب أن يتولوا منصب الرئاسة. وحتى لو سُمِح لسو كيي وحزبها ”الرابطة الوطنية للديمقراطية” بتسلم مقاليد السلطة، من غير الواضح مدى قدرتهم على التصدي للمشكلات التي لا تحصى والتي انفلتت من عقالها.
تظل ميانمار واحدة من أكثر تجارب العالم لفتاً للأنظار في التحول الديمقراطي السلمي. إذا اختلت الأمور، فإن قضية الديمقراطية ستعاني في كل مكان. وإذا استطاعت التغلب على المصاعب، فستكون منارة مشرقة. ينبغي أن يراقب العالم الوضع بعناية.