ترجمة: سعيد كريديه
في الثاني من تشرين الثاني (نوفمبر)، اندلعت مجددا أعمال العنف في ولاية راكين، وقد أسفر اشتباكان بين النازحين المسلمين والراخين البوذيين عن وفاة شخصين على الفور ودخول البعض إلى المستشفى .اثنان منهم في حالة حرجة ثم توفيا في وقت لاحق .
وقد تمكنت منظمة أطباء بلا حدود في وقت لاحق من نقل ثلاث إصابات إلى المستشفى بعد أن تلقت مكالمة هاتفية من قادة المخيم وإذن من السلطات الصحية لولاية راكين.
كما علمت منظمة أطباء بلا حدود (MSF ) عن الحادثة الثانية وعن نقل مصابين بوذيين إلى مستشفى سيتوي في رحلة على متن قارب نظمتها طائفة راخين .
لم يتصل أحد بمنظمة أطباء بلا حدود لدعمها في عملية نقل المصابين إلى المستشفى لا قادة الطائفة ولا السلطات الصحية المحلية ولو تم الاتصال بمنظمة أطباء بلا حدود، لكنا على استعداد لتقديم الدعم الفوري كما فعلنا كثيرا في الماضي .
اتهمت منظمة أطباء بلا حدود لاحقا في تقارير وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي " بالتحيز " لصالح المرضى المسلمين وهذه الاتهامات تسييس لقانون "توفير الرعاية الصحية المنقذة للحياة" في ولاية راكين – وهو شيء توفره منظمة أطباء بلا حدود في أكثر من 60 بلدا في جميع أنحاء العالم .
وتعمل منظمة أطباء بلا حدود في ولاية راكين بناء على طلب من الحكومة لتوفير الرعاية الصحية للمجتمعات المحلية التي تجد وزارة الصحة صعوبة في الوصول إليها.
وهذه التحديات هي إلى حد كبير نتيجة للتخويف والعداء الموجه نحو موظفيها الذين يتلقون تهديداً كلما حاولوا تقديم الخدمات للمرضى المسلمين .
ببساطة، يواجه موظفو وزارة الصحة انتقاماً إذا تجرؤوا على محاولة لتوفير الرعاية الصحية للمسلمين فمثل هذه التهديدات تضعف عملية تأمين الرعاية الصحية الأساسية حتى في ولاية راكين .
وتوفر منظمة أطباء بلا حدود خدمات للمجتمعات التي تفتقد إلى الرعاية الصحية ، بما في ذلك أولئك الذين تنحصر حياتهم حاليا في مخيماتهم أو قراهم بسبب القيود المفروضة على التنقل .
نحن ننقل المرضى إلى المستشفى في حالة عدم وجود سيارة إسعاف من الحكومة ومع ذلك ، إذا لم تكن هناك عيادة تعمل في المنطقة في وقت الحالات الطبية الطارئة ، فإن منظمة أطباء بلا حدود تعتمد على قادة المجتمعات المحلية والسلطات الصحية المحلية للاتصال بنا .
هذه الخدمة متاحة لأي شخص يحتاج إلى نقل على وجه السرعة إلى المستشفى بغض النظر عن العرق أو الدين أو أي عامل آخر .
ووفقا لآداب مهنة الطب العالمي والمبادئ الإنسانية التي توجه عمل المنظمات مثل منظمة أطباء بلا حدود نحن ننظر فقط إلى احتياجات المريض عند تقديم خدماتنا .
عملت منظمات الإغاثة في راخين في تعاون وثيق مع الحكومة على مدى العام و نصف الماضي لتوفير المساعدة الإنسانية حيث هناك الحاجة إليها فتقديم هذه المساعدة هو قبل كل شيء على عاتق الحكومة ولكن لتحقيق هذا الالتزام طلبت المساعدة من المجتمع الدولي .
وعقب أعمال العنف في الثاني من نوفمبر، كررت بعض الشخصيات داخل الحكومة رأياً يقول :" إن تقديم المساعدة الإنسانية في راخين ينبغي أن يكون على قدم المساواة لأن الاحتياجات هي نفسها في جميع المجتمعات".
وتبين مثل هذه التصريحات عن افتقار عميق في فهم المبادئ التي تلتزم بها المنظمات الإنسانية في العمل – و أبرزها الحياد، الأمر الذي يتطلب ضرورة تقديم المساعدات الإنسانية حيث تمس الحاجة إليها دون تمييز .
ولدى الحكومة مسؤولية حصول جميع المجتمعات في ولاية راكين – بغض النظر عن وضعهم – على الخدمات الأساسية ولكن وصف الاحتياجات الطبية والإنسانية على أنها متساوية بين المجتمعات هو أمر مضلل للواقع. فجميع الطوائف في راخين لديها احتياجات لكن تلك الاحتياجات مختلفة جدا.
لقد عُزلت المجتمعات الإسلامية عن الحقول والأسواق و الخدمات المقدمة من الحكومة باستثناء خدمات الطوارئ الصحية في مستشفى سيتوي العامة كما تشرد الكثير من أفرادها وانعزلوا في مخيمات تقع على المسطحات الملحية و حقول الأرز .
وللوصول إلى الخدمات الصحية الطارئة في مستشفى سيتوي العام يجب الحصول على إذن فردي بنقل المريض من قبل مسؤولي الأمن و الصحة بمساعدة منظمة دولية، إذ لا أحد على استعداد لنقل هؤلاء المرضى .
وأنتجت هذه الحالة احتياجات إنسانية كبيرة لدى المجتمعات الإسلامية التي تعاني من نقص في المأوى وتوفير المراحيض وقلة في إمدادات مياه الشرب والخدمات الصحية على فترات متقطعة وهذه العوامل تؤدي إلى حالات وفاة يمكن تجنبها وإلى زيادة في احتمال تفشي الوباء.
لقد كان أيضاَ للمجتمعات البوذية حياة قلقة بسبب العنف و التوتر والخوف الذي أعقب أعمال العنف ولكن لم يتم تقييد تحركاتهم ، فلديهم قدرة أكبر على الوصول إلى الحقول والأسواق و الخدمات الحكومية .
لكن ولاية راخين هي واحدة من أفقر الولايات في ميانمار كما أن المجتمعات الريفية بشكل خاص تظل فقيرة للغاية مع تزايد المخاوف من انعدام الأمن الغذائي بسبب تضعضع الزراعة والتجارة و الاقتصاد المحلي .
تستطيع المجتمعات البوذية الوصول إلى المرافق الصحية الحكومية ولكن هذه لا تزال قليلة الموارد مع عدم وجود خدمة الإسعاف وجميع الطوائف في الولاية بحاجة إلى دعم كبير لمساعدتها في التغلب على عقود من الإهمال والتهميش على أيدي النظام العسكري السابق .
وقد طلبت الحكومة المركزية دعماً من المنظمات الدولية على شكل مساعدات إنسانية و تنموية ، بما في ذلك الرعاية الصحية ومع هذا الطلب لدى السلطات لديها أيضا مسؤولية لشرح دور هذه المنظمات للمجتمعات. يجب أن تدعم بدلا من تسييس المبادئ التي توجه عملنا .
فإذا اعتبر توفير الرعاية الطبية أنه منحاز فإنه منحاز للمرضى وهو التحيز الذي تستند إلى الحاجة الطبية بغض النظر عن أي عامل آخر .
منظمة أطباء بلا حدود ترى المرضى فقط ، ولا شيء آخر . هذا كان ولا زال دائما المبدأ الأساسي لمنظمتنا وهو أحد الأسباب التي تجعلنا قادرين على العمل في بعض الأماكن الأكثر تحديا في العالم وتوفير الرعاية الصحية للناس الذين هم بحاجة إليها حقا لأكثر من 40 عاما .
إن منظمة أطباء بلا حدود تدعو الحكومة و المجتمعات المحلية من الراكين للعمل جنبا إلى جنب مع المنظمات الدولية لتفسح المجال لجميع المرضى الذين يحتاجون إلى الوصول إلى الخدمات الطبية الطارئة من الحصول على وسائل النقل والرعاية التي يحتاجون إليها ، بغض النظر عن خلفياتهم.