شهور مضت ؛ بل سنة ؛ وربما تزيد .. وهم على هذا الحال البائس داخل بلادهم ، التي بدت غربية عنهم ، وغدو فيها .. غرباء عنها .. دخلاء عليها !
أسر كاملة .. بكل أفرادها .. يعيشون في العراء .. تحت أعشاش لاتقيهم من حر الشمس ، ولا من قطر السحاب ، ولامن لذعات الشتاء القارسة !
قوتهم أوراق الشجر .. يشربون من الطين والكدر .. لاتزورهم منظمات ، ولاتصلهم معونات ؛ إلا فيما ندر !
أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله !
كانو يعيشون حياة هانئة مستقرة إلى حد ما .. رغم المضايقات المستمرة لهم من قبل الحكومة البورمية ، وطائفة الموغ البوذية .
وفي لحظة حقد جنوني .. انتهى كل شيء .. أحرقت بيوتهم .. دمرت مساجدهم .. سممت آبارهم .. صودرت أملاكهم ، وقتل الكثير منهم رجالاً ونساء .. شيوخاً وأطفالاً .. سجنوا الشباب وعذبوهم .. ساقوا الفتيات واغتصبوهن .. بقروا بطون الحوامل .. ذبحوا الأطفال كالشياه .. ومن بقي منهم تحت وطأة الخوف والتهديد نزحوا إلى ملاجيء تسمى مجازاً "مخيمات" !
انقطعوا فيها عن العالم كله ، وعن كل شيء فيه ؛ إلا عن ثلاث .. رافقوهم ، وصحبوا أنفاسهم ، وصاروا جزءاً لايتجزأ من حياتهم .. ثالوث وحشي لاينفك عنهم .. يذكرهم بحجم مأساتهم .. يتركهم أشباحاً وبقايا بشر !
إنه الثالوث الأخطر في حياة الإنسان : الفقر والمرض والجهل ؛ ولكن زائراً جديداً يقبل عليهم بكل عنفوانه وضراوته .. يحل بينهم دونما استئذان .. يزيد ألمهم آلاماً .. يضاعف من معاناتهم .. يزيدهم فقراً ومرضاً وجهلاً !
هنا طفل يرتجف ، وتلك امرأة ترتعش ، وهناك شيخ يهتز ويضطرب !
أيها الشتاء القارس :
ألا ليتك ترحم وإن البشر لايرحمون !
ألا ليتك تعطف وإن البشر لايعطفون !
ألا ليتك ترأف وإن البشر لايرأفون !
ألا أيها الشتاء القاسي :
إن لم يسعك إلا أن تزورهم ، فتذكر أنهم يرتجفون من الخوف والهلع طيلة أيام عامهم ، فلاتزدهم ببرودتك القارسة رجفة إلى رجفتهم ، ورعباً إلى رعبهم . وهبهم وسط ظلماء الياس أملاً ينفذ بصيصه إلى أعماق نفوسهم !
إبراهيم حافظ
الروهنجيا أمانة