[caption id="" align="alignleft" width="300"] مسلمو ميانمار.. هل هم إخواننا؟[/caption]
عدنان سليم أبو هليل
فوجئ كثيرون بتصريح الأمم المتحدة " الأخير " بخصوص ما تتعرض له الأقلية المسلمة في ميانمار من اضطهاد، ثم نقلت الأخبار ما بدا أن سفير تلك الدولة في مصر يحاول به تطويق التداعيات إذ صدّر رسالة اعتذار لم تحمل أي تفاصيل أو تعهدات بمحاسبة المعتدين – النظام الرسمي – أو بالتحقيق أو بحل الأزمة أو بمنع تكرارها.. رسالة الاعتذار هذه وبهذه الكيفية تحمل في طياتها استهانة بمن صدرت لهم واستخفافا باهتمامهم بالقضية وتستبطن اعتقادا مهينا بأن العرب يكفيهم أن يسمعوا اعتذارا إجماليا في مقابل الخبر عن الأمم المتحدة لتكون المسألة منتهية عند هذا الحد.. بعض منا يحاولون استغفال ضمائرهم عن هذه المأساة بدعوى أن في منطقتنا وحولنا من المشكلات والأزمات وصور الجثث وأخبار القصف ما يصبغ وجه الأخبار ويستولي على الاهتمام؛ فماذا تكون " ميانمار " التي ربما لا يعرفها كثيرون – كدولة – فضلا عن أن يعرفوا عن مأساة المسلمين فيها كأقلية أو كصراعات طائفية؟! وأقول:
إن ما يقع على المسلمين هناك أكثر من أن تعبر عنه كلمة " اضطهاد " التي قالها المتحدثون باسم الأمم المتحدة؛ وفي الحقيقة هو تطهير عرقي ممنهج وسياسة رسمية علنية تمارسها الدولة والنظم المتعاقبة منذ الاستقلال عن بريطانيا قبل سبعين سنة ؛ منهجية إجرامية تقع كل عشر أو عشرين سنة (1942، 1962، 1978، 1988، 1991..) وفي كل مرة كان يبتلى بها عشرات ومئات الآلاف من المسلمين المسالمين! وإلا فلماذا يُستقصدون من بين 135 عرقية وقومية ممن يتطوفون بالبوذية.. الجرائم التي يتعرض لها المسلمون هناك تشمل القتل والتهجير إلى اغتصاب النساء وسياسات القهر والإيذاء وحظر الزواج وسحق المواطنة وتفشي الأمراض ومنع التعليم والسفر والتوظيف وحق البيوت.. والهدف واضح؛ هو السيطرة على عدد المسلمين وإبقاؤهم في نسبة معينة داخل الـ 135 قومية وشعبية تتكون منها الدولة.
ليس لأحد أن ينشغل أو يتشاغل عن مأساة هؤلاء وهم إخوان لنا ومن المسلمين مثلنا وتجمعنا بهم النصرة ويفترض أن دمنا ودمهم واحد وإن سلمنا وسلمهم وحربنا وحربهم واحدة؛ هذا ما قرره القرآن الكريم في قوله تعالى (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض) وهو ما أكده رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله "المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم".. هذه القيمة الدينية والأخلاقية تصح في فرد واحد وفي مئات الآلاف إذا تعرض أو تعرضوا للعدوان.. فكيف إذا كان القتل والتهجير والاغتصاب ذريعا يطاول قومية كاملة؟ وكيف إذا كان صريحا يقر به فاعلوه دون وجل أو خجل وكانت تنقله وتصوره وتقيم فيه الحجة وسائل الإعلام؟! وكيف إذا كان العالم يصم أذنيه ويعشي عينيه عنهم وعن مأساتهم؟!
لقد قرر الإسلام في أحكامه أن من قتل شخصا واحدا ظلما وعدوانا - وبصرف النظر عن دين المقتول أو عرقه أو بلده - هو في ميزان الله تعالى كمن قتل الناس جميعا، وأن من أحياه – وبصرف النظر عن كون الإحياء ماديا أو معنويا – فكأنما أحيا الناس جميعا؛ ولأجل هذا لم يكن غريبا ولا عجيبا أن نجد الفقه الإسلامي وكتعبير عملي منه عن هذه القيمة الفكرية والأخلاقية والإنسانية يتجاوز التنظير المفاهيمي ويقرر أن الحفاظ على الحياة من الضروريات التي تتغير بسببها ولحمايتها أحكام الشريعة، ثم نجد المسلمين المحترمين الفاهمين دينهم الملتزمين بمضمونه ومفهومه يخوضون حروبا فاصلة من أجل آحاد أو عشرات قتلوا أو انتهكوا ظلما وعدوانا ؛ معركة مؤتة في صدر الإسلام كانت من أجل رجل واحد هو الحارث الأزدي رضي الله عنه قتله عامل الروم على بصرى وهي شاهد على ذلك، وفتح مكة أيضا كانت شاهدا آخر عليه إذ جاءت ردا على قتل بني بكر الذين تدعمهم قريش بضعة رجال من خزاعة غدرا وعدوانا، ومن بعد ذلك كان فتح عمورية وهزيمة الروم فيها لأجل امرأة لطمها علج منهم..
هذا الخلق (أو لنقل: هذا المفهوم الحمائي للدم والكرامة) ومع شديد الأسف تخلف كثيرا ولم يعد في معظم الأحيان فاعلا بين المسلمين في زماننا؛ وما قضية مسلمي " ميانمار " إلا واحدة من الإشارات والدلائل على ذلك.. نعم.. المسلمون في العموم يتعاطفون ويهتمون ببعضهم ومآسيهم والمأمول أن ذلك سيتوطد أكثر وأكثر في ظل ثورات الربيع العربي التي يؤمل أن تصلح الكثير من العوار الذي ينتابنا.. ولكن؛ الاهتمام لا يزال حتى الآن أقصر من أن يطال كل الشأن وكل المسلمين؟ ولا يزال أقصر من أن يحرك ويوجه الرأي العام؟ ولا يزال كثيرون حتى من المهتمين يتساءلون ماذا نستطيع أن نفعل في حين أن شبانا من الغرب لم يبلغ بعضهم سن الرشد يأتون من بلدانهم البعيدة وعلى بعد من العقيدة والمذهب والعرق يعرفون ما عليهم ويجترحون المغامرات في ذلك؟
ولنا أن نتساءل: أين الذين يدافعون ليل نهار عن حقوق الأقليات في العالم ويجيِّشون القانون الدولي معهم في سبيل تمهيد التدخل في شؤون الدول الصغيرة.. أين هم من هذه المعاناة؟ وأين الذين ينوحون ويبكون " ويمرطون " الخدود ويشقون الجيوب ويقيمون المحاكمات " المشبوهة " ضد خصومهم السياسيين بحجة انتهاك القانون الدولي إذا كان المستهدف بلدا إسلاميا؛ أين هم مما يجري هناك؟ أم أن حقوق الإنسان تتلون بتلون المصالح والأعراق ولون الشعر والعيون؟.
ولنتساءل عنا نحن: فأين إعلامنا الذي يجب أن يتبنى قضايا الأمة وأن يوصلها إلى مسامع واهتمام الناس، وأن يساهم في تشكيل رأي عام من حولها؟ وأين النخب المثقفة ودعاة الوعظ الديني الذين يتحدثون بلغة القرآن والأخوة والفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة؟ وأين نظمنا ودولنا ومنظماتنا الأهلية والرسمية؟ وأين منظمات حقوق الإنسان في عالمنا العربي والإسلامي؟ وأين جامعة الدول العربية؟ وأين منظمة التعاون الإسلامي؟ (أو منظمة المؤتمر الإسلامي)؟ وأين المبدعون والفنانون الذين يقطعون أنفسهم خوفا على (إبداعاتهم وفنونهم) من حكم الإسلام السياسي؛ أين هم وأين إبداعهم وفنهم، ولماذا لا نحس منهم من أحد أو نسمع لهم ركزا؟ وإلى متى ستستمر هذه المعانيات؟ وإلى متى سيظل النظام الحاكم هناك آمنا في جرائمه لا يحسب حساب مسلمين ولا مؤسسات دولية؟ وبماذا سيجيبون ربهم يوم القيامة أولئك المشغولون بالمنافسة على أكبر طبق بيتزا وأكبر رغيف خبز وأكبر صينية مجبوس؟.
آخر القول: على حدود بنغلاديش من جهة ميانمار يتواجد اليوم أكثر من 150 ألف مسلم من قومية الروهنجة المسلمين مطرودين من بلدهم في دفعة جديدة بعد دفعات سبقتها (وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد) فإن لم يعننا أمرهم كإخوة لنا وكمسلمين تجمعنا بهم رحم الإسلام وأخوة الدين فلا أقل من أن تجمعنا بهم الإنسانية وأخلاق المروءة.. وإلا فما دعوى الإسلام إلا كلمة تقال ودعوى بلا دليل .
المصدر / بوابة الشروق ــ al-sharq