[caption align="alignleft" width="300"]حسن الحديدي يكتب .. دستور "مصر" يهدر دماء المسلمين في "بورما"[/caption]
أتمنى عليك قبل أن يحملك الشعور بالاندهاش من عنوان المقال على ضرب أخماس فى أسداس محاولاُ التوصل لرابط أو علاقة بين دستور "المصريين" من ناحية, ومسلمى بورما من ناحية أخرى, أن تتمهل قليلاً كى تتكشف لك حدود هذه العلاقة ومدى قوة هذا الرابط!
هناك عبارة شهيرة نعرفها جميعاً تقول أن "فاقد الشئ لا يعطيه", وأزيد عليها فى المقابل أن "مانع الشئ لا يطلبه"؛ فالأمر بديهى إذن: كيف تتنطع وتطلب من الآخر شيئاً أنت نفسك تمنعه مع قدرتك عليه؟! وانطلاقاً من هذا فإننى أتعجب كثيراً من بعض شيوخ وقادة تيارات الإسلام السياسى حيث يتباكون ويملؤون الدنيا صراخاً وطنطنة بحكاوى عما يتعرض له مسلمو بورما من تمييز واعتداءات تتطور أحيانا إلى الحد الذى يمكن معه استخدام مصطلح "الإبادة الجماعية" كما شاهدنا فى وسائل الإعلام خلال الأشهر القليلة الماضية وكما أفادت تقارير منظمات حقوق الإنسان حيث تعرّض العشرات منهم للقتل, وشُرِّد الآلاف بعد أن هُدِّمت منازلهم أو حُرِّقت على أيدى بعض المتطرفين من أتباع الديانة البوذية التى تدين بها غالبية السكان فى "بورما" أو "جمهورية اتحاد ميانمار" كما هو الاسم الرسمى لها الآن. ولا يفوتنا هنا أن نشير إلى أن ممثلين عن مختلف الديانات قد أدانوا تلك الفظائع التى تعرض لها مسلموا بورما, كما أود أن أشير أيضا إلى أن الحكومة البورمية - وهى التي قصَّرت فى حماية الأقلية المسلمة- قد وعدت بفتح تحقيق فى تلك الأحداث, وبالمناسبة هو ليس بالتحقيق الأول كما يبدو أنه لن يكون الأخير. وأعتقد أن لدى المصريين خبرة واسعة بموضوع فتح التحقيقات وتشكيل لجان تقصى الحقائق وما شابهها, والحال فى ذلك لا يختلف كثيراً عنه فى ميانمار التى ظلت منذ عام 1962 تحت حكم مجلس عسكرى إلى أن أُجريت الانتخابات فى عام 2010 وفاز فيها حزب مدعوم من العسكريين بنسبة بلغت 80% من الأصوات فى انتخابات وصفها مراقبون دوليون كما وصفتها الأمم المتحدة بأنها مزوَّرة.
الأقلية المسلمة إذن تعانى من التمييز بشتى صوره فى دولة لا تريد أن تعترف وبكل بساطة بالإسلام كديانة وبحقوق المسلمين فى العيش وممارسة شعائرهم الدينية.
وعلى نفس الدرب, وبنفس النهج تسير النخبة الحاكمة فى بلدنا الحبيبة مصر؛ فبعد إقرار الدستور الذى وضعته الأغلبية التى تمثل تيارات الإسلام السياسى بمصر والذين دافعوا عنه باستماتة, أصبحت فقط "حرية الاعتقاد مصونة" كما نصت المادة 43 من الدستور الجديد لتحل بذلك محل نص المادة 46 من دستور 1971 حيث كانت "تكفل الدولة حرية العقيدة وحرية ممارسة الشعائر الدينية", فانتقلنا بعد إقرار الدستور الجديد من مرحلة كانت فيها الدولة ملتزمة - بموجب النص الدستورى- بضمان حرية العقيدة بشكل مطلق وبلا قيود إلى مرحلة أخرى يقتصر فيها دور الدولة فقط على الامتناع عن اتخاذ إجراءات يكون من شأنها تقييد حرية العقيدة؛ إذ أن النص الجديد لا يُلزم الدولة بضمان هذه الحرية ولا بحماية المواطنين أصحاب عقيدة معينة حال وجود شكل من أشكال التمييز ضدهم أو تعرّضهم لمضايقات أو اعتداءات أو حمايتهم من أن يتم التنكيل بهم بسبب عقيدتهم.
والأمر لا يقف عند هذا الحد؛ بل يتخطاه إلى ما هو أبعد من ذلك إذا ما أكملنا قراءة المادة 43 من الدستور الجديد: "حرية الاعتقاد مصونة. وتكفل الدولة حرية ممارسة الشعائر الدينية وإقامة دور العبادة للأديان السماوية, وذلك على النحو الذى ينظمه القانون." لنجد أن الفقرة الثانية والتي تتحدث عن حرية ممارسة الشعائر الدينية تخالف بشكل فج الفقرة السابقة عليها من نفس المادة - هذا إذا ارتضينا أصلاً ما تؤديه الفقرة الأولى- بل تعد الفقرة الثانية أول انتهاك حقيقى للفقرة الأولى. فتقييد حرية ممارسة الشعائر الدينية بجعلها مقتصرة فقط على أصحاب الأديان السماوية الثلاثة هو في حد ذاته عصف بمبدأ الحرية وإخلال بمبدأ المساواة التى يزعم البعض أن هذا الدستور يكفلها للمواطنين على حد سواء.
والكارثة الأكبر تتمثل فى الفقرة الثالثة من نفس المادة بالإحالة الأمر إلى القانون لينظمه, فهو يتيح للأغلبية أياً كان توجهها - وهو معروف إلى حد كبير- أن تقهر الأقليات إذا أرادت بحكم سيطرتها على البرلمان.
ما يحدث فى بورما قد يحدث فى مصر أو على الأقل لا توجد ضمانات لعدم حدوثه، قد تكون المسألة مسألة وقت أو مجرد "فرق فى السرعات"!!!
والسؤال هو: بأى منطق يمكن لقادتنا الذين يتشدقون بالدفاع عن الإسلام وحماية حمى المسلمين فى مشارق الأرض ومغاربها, بأى منطق يمكن أن تطلب من بعض البوذيين أن يكفوا عن اضطهاد المسلمين وأن يعترفوا بالإسلام كديانة ولمعتنقيه بكامل الحرية فى ممارسة شعائرهم الدينية, بينما نحن هنا - بلد الأزهر منارة الإسلام والمدافع عنه وعن المسلمين فى كافة أنحاء الدنيا- لا نعترف بحقوق أية أقليات دينية غير أصحاب"الديانات السماوية الثلاث"؟! وعلى أى أرضية مشتركة يمكن أن يكون الحوار بين الطرفين وكلاهما لا يقبل الآخر ولا يعترف به؟!
خلاصة القول ببساطة أنه إذا كان المسلمون لا يعترفون بالبوذية لأنها ليست "ديانة سماوية"؛ فبديهى أن تكون المعاملة بالمثل وإلا فماذا يحمل البوذيين - وهم أصحاب ديانة غير ألوهية- على الاعتراف بديانة "سماوية"؟!
المصدر/ الحقوق