[caption id="" align="alignleft" width="300"] الاكتشاف المتأخر لمسلمي الروهينجا في مانيمار (بورما)[/caption]
أخيراً اكتشف المسلمون أن لهم إخواناً في العقيدة في بورما التي تدعى حالياً «ميانمار».
واكتشفوا أن إخوانهم هؤلاء يعانون الأمرين من اضطهاد مزدوج شعبي ورسمي. فرجرجة البوذيين المتعصبين لا ترى للمسلمين الحنفاء مكاناً في البحر البوذي الكبير. وحكومة العسكر التي تتسلط على «مانيمار» لا ترى في المسلمين مواطنين أصليين، وتريد أن تنفيهم إلى بلد إسلامي هو بنغلاديش الذي لا يراهم أيضاً من ضمن مواطنيه.
وهكذا أصبح رعاع البوذيين يهاجمون مسلمي «الروهنجيا» العزل تحت رعاية العسكر وحمايتهم. وقد تفاقم العسف على المسلمين كثيراً خلال العام الماضي، غير أنه لم يبدأ في الحقيقة في ذلك العام وإنما هو شأن قديم متجدد.
فمنذ ستينيات القرن المنصرم ظلت أنباء اضهاد مسلمي تلك الناحية من نواحي الدنيا ترشح، ولكنها في ظل سيطرة القوى الباغية على «الميديا» يتم التحكم فيها بحيث لا تصل إلى الأسماع. ولكنها بلغت أسماع من يهمهم الأمر وليس كل المسلمين يهمهم أمر المسلمين وإنما أفذاذ منهم.
ومن هؤلاء الشاعر المرهف محيي الدين عطية، الذي أنشد حين بلغته أنباء مذابح مسلمي «الروهنجيا» في ولاية «أراكان» من دولة «مانيمار» التي كانت بورما، قصيدته التي جاء فيها:
يا ابن أمي لا تسلنا لماذا
لم نحرك سيفنا والحرابا
لم نقدم نبضنا أو دمانا
لم تنالوا كسرة أو شرابا
لم ندبج خطبة أو قصيداً
أو دعاءً مُرتجىً مستجابا
ذاك أنا مذ بُلينا بسجنٍ
ما استطعنا جيئة أو ذهابا
شُيدت أسواره من يدينا
رغبةً لا رهبةً أو عقابـا
ضعفنا أضحى جداراً غليظاً
لا نرى من يأسنا فيه بابا
جُبنُنا سجَّاننا رَغم أنَّا
نحَسبُ الحملان فينا ذئابا
شحمُنا كالقيدِ في معصمينا
محكمٌ نخشى عليه استلابا
سلَّط المولى علينا رعاةً
أنشبوا في الشَّاةِ ظفراً ونابا!
وهذا صحيح، فقد ظل المسلمون لعدة قرون مادة للعنف والقهر، واستعمرت بلادهم لأكثر من قرن، حتى أنهضهم رائد البعث الإسلامي المعاصر الثائر جمال الدين الأفغاني بصيحته الساخرة المبكتة: لو لم تكونوا حملاناً لما أكلتكم الذئاب!
وحقاً ما قال .. فلو لم يكونوا من ذوي «القابلية للاستعمار»، لما خضعوا لويلاته، كما قال الفيلسوف الجزائري الذي خضعت بلاده لثلاثين ومائة سنة حسوماً لسطوة الاستعمار الفرنسي!
ونشأ التجمع المعروف بمسلمي الروهنجيا منذ القرن الثامن الميلادي، حين هبط العرب بالقرب من بلدتي مرايك يو، وكياوكتاو، بولاية أركان، وأقاموا مستوطناتهم التي يقطنها حالياً أغلب مسلمي الروهنجيا.
وعاشوا في وئام مع المحيط البوذي العام، وبسبب تميزهم بمعرفة القراءة والكتابة واتصافهم بالأمانة، استعان بهم الملوك البوذيون، وووظفوهم في البلاط السلطاني.
ولكن تحول الحال بقدوم سنة 1785م حين غزا البوذيون ولاية أراكان وأعملوا في أهلها السيوف، وقتلوا منهم الآلاف، وفر عشرات الآلاف أخرى إلى مقاطعة شيتاكونغ التابعة لدولة البنغال، التي كان يحتلها البريطانيون.
وتم ترحيل عدد كبير من المسلمين إلى وسط بورما، بقصد تذويبهم تدريجياً في التكتل البوذي الكبير.
وفي غضون حكم البريطانيين لبورما ازداد التوتر بين المسلمين الأراكانيين والبوذيين، كما ازدادت هجرة البوذيين إلى تلك الولاية. وأثناء الحرب العالمية الثانية اضطر البريطانيون إلى التخلي عن بورما، بسبب توسع اليابانيين في أراضيها، ولكنهم قاموا بتسليح بعض مسلمي الروهينغا للتصدي لليابانيين، فتعرضوا إلى مذابح مريعة على أيديهم.
ومنذ وقوع بورما في حكم العسكر في سنة 1978م ظل الروهينغا يعانون من انتهاكات حقوقهم، حيث أنكرت الحكومة صفتهم باعتبارهم مواطنين، وجردتهم من حق امتلاك الأراضي، وفرضت ضرائب مالية على عقود الزواج لديهم، وأجبرتهم على أن يوقعوا على تعهدات بألا تنجب الأسرة المسلمة أكثر من طفلين. وتصاعد الاضطهاد الموجه نحوهم ليشمل تشغيلهم سخرةً في مشروعات البنية التحتية، وفرض قيود على تنقلاتهم، وزيادة الضرائب عليهم بسكل تمييزي عن بقية سكان البلاد.
وشنت عليهم حملات ترويع وقتل واغتصاب وتهديم للمساجد، فاضطر أكثر من ربع مليون منهم إلى الهرب إلى بنغلاديش بين عامي 1991 -1992م.
وقد اتهمت وحدات الجيش والشرطة في مينامار باستهداف الروهينجيا من خلال اعتقالهم والإفراط في قمعهم وتعذيبهم.
وفي عام 2009م فرَّ أكثر من مائة ألف من الروهينجيا إلى تايلاند، حيث مورس ضدهم الاضطهاد والنبذ مجدداً، فطردوا إلى عرض البحر، ليلتقفهم اليم اللجي، ولكن أنقذتهم، بفضل الله تعالى، الحكومة الأندونيسية. ويومها اعترف وزير الوزراء التايلاندي الأول، بلغة دبلوماسية كذوب، بجرم حكومته، قائلاً: ربما كانت هناك بعض الحالات التي تم إرغامها فعلاً على المياه العالية، ولهذا أعرب عن أسفي لحدوث أية خسائر، وسأعمل على تصحيح أي خطأ. ولم يصحح أي خطأ، لأنه في مطلع عام 2013م وصلت سفينة أخرى، تحمل عشرات الروهنجيا، قبالة الساحل التايلندي، فأمرت كرة أخرى بالرجوع إلى عرض البحر، ولم يسمح لهؤلاء البائسين بالرسو على البر التايلندي.
وفي يوليو 2012م صنفت حكومة مينامار المسلمين على أنهم من سلالة العرقية البنغالية، وحرمتهم حق التقدم لنيل الجنسية، الذي تطالب به أكثر من ثلاثين ومائة من الجماعات العرقية في ميانمار. ومن الغريب أنه قد تآمرت على مسلمي الروهنجيا حتى جماعات حقوق الإنسان، والجماعات المنادية بالديمقراطية، من رهبان مينامار، الذين عملوا على قطع المساعدات الإنسانية الدولية الموجهة لإطعام جوعاهم وعلاج مرضاهم. وقد استيقظت منظمة «أسيان» التي تضم دول جنوب شرق آسيا للتعديات الجسيمة التي تحدق بالروهنجيا، وتبعتها بعض الدول الإسلامية في طليعتها تركيا ــ أردوغان، وقامت بالضغط على الحكومة العسكرية التي تشرف على قهر مسلمي ماينمار. وفي زيارته القادمة إلى «مانيمار» نرجو أن يتمكن البروفيسور إحسان الدين أوغلو، مدير منظمة التعاون الإسلامي، من استخدام أداة الضغط القوية الضخمة بين يديه، وهي منظمته العتيدة، التي تضم في عضويتها ثلاثاً وخمسين دولة مسلمة و «1.7» مليار مسلم. وهو آخر تعداد لمسلمي العالم صدر الشهر الماضي. هذا وإن كنا نظن أن عددنا أكبر من ذلك بكثير. وآية ذلك أننا مازلنا نكتشف بين الحين والحين أرخبيلاً يضم عدداً وفيراً من المسلمين المجهولين.
المصدر/ مركز الخدمات الاعلامية