بقلم/ د. صالح محروس محمد محمد
وكالة أنباء أراكان ANA | شبكة ضياء
نطالع يومياً على صفحات التواصل الاجتماعي صور القتلى المسلمين الذين تنهش لحومهم الطير ويلقون أشد العذاب بسبب كونهم مسلمين في بورما ( ميانمار حالياً) رغم أنهم كانت تجمعهم سلطنة اسلامية مستقلة في أراكان ثم احتلتهم مملكة بورما البوذية . ووصل بهم الحال أن أصدرت الحكومة البوذية قانوناً جديدا للجنسية البورمية في عام 1982 حيث أصبح الروهنغيا( مسلمي بورما) بموجب هذا القانون المزعوم شعباً بلا هوية وبلا مواطنة أي ليسوا مواطنين بورميين وفق هذا القانون وذلك لإخلاء منطقتهم أراكان الغنية بخشب التاك التي تنتج منه ثلاثة أرباع إنتاج العالم منه .
تقع ميانمار ( بورما سابقاً )في الجزء الشمالي الغربي من منطقة الهند الصينية تحدها الصين من الشرق وبنجلاديش من الشمال الغربي ولاوس وتايلاند من الجنوب الشرقي وخليج البنغال غرباً .
يتكون اتحاد ميانمار من ولايات كانت حتى عام 1989 تعرف باسم بورما وكانت مملكة بوذية مستقلة منذ القرن الحادي عشر الميلادي ثم خضعت لامبراطورية المغول الإسلامية في الهند. ففي عهد الامبراطور أورانجزيب انتقل أخوه سوجا مع اتباعه إلى بورما وتوغلوا داخل البلاد وتعايشوا مع السكان ونشروا الإسلام، وكذلك وصل إلى بورما عدد من مسلمي الصين والهند وتنقل المسلمون بين يونان في الصين وماندلي في بورما .
وتجدر الإشارة إلى أن الاسلام وصل إلى بورما عن طريق التجارة رغم أن سواحلها لم تكن تصلح كمحطات للسفن بسبب تقعرها ولذلك كانت السفن كثيرا ما تختصر الطريق بالاتجاه نحو مالقا وجنوب شرق آسيا، ولعب المغول المسلمون دورا هاما في نشر الإسلام في بورما ولكن بعد انهيار دولتهم في الهند نجحت بريطانيا في إخضاع بورما للحكم البريطاني في الهند في عام 1885 حتى الحرب العالمية الثانية حيث احتلتها اليابان 1942 ونالت استقلالها 1948م .
ويدين حوالى 85% من سكان اتحاد ميانمار بالديانة البوذية و15 % مسلمون ومسيحيون وديانات أخرى واللغة الرسمية هي البورمية والعاصمة يانجون(رانجون سابقاً) وهى بلاد خصبة والزراعة فيها عماد الاقتصاد الوطني وبها غابات كثيفة حيث توفر الأخشاب وبها بعض المعادن .
يتجمع غالبية المسلمين بورما في منطقة واحدة هي ( أراكان ) التي تقع في الشمال الغربي من بورما, وكانت أراكان دولة إسلامية مستقلة في جنوب شرقي آسيا خلال الفترة من 1430 م إلى 1784 م وهي الآن تحت احتلال ميانمار البوذية المتحدة وواحدة من أربع عشرة ولاية يبلغ مجموع عدد سكانها 45 مليونا منهم 7.5 ملايين مسلم وهم يعرفون بالروهنغيا يتمركز غالبيتهم في أراكان وترجع أصولهم إلى العرب والترك والمرو والمغول والبشتون البنغاليين ويتكلمون لغة عامية تعرف بالروهنغية مع خليط من الفارسية والعربية والأردية والبنغالية ويتوزع باقي المسلمين في ولايات ومقاطعات ميانمار الأم .
وتبلغ مساحة أراكان عشرين ميل مربع تحدها بنجلاديش من الشمال الغربي وخليج البنغال من الجنوب الغربي وامتداد سواحلها عليه ثلاثمائة وستون ميلاً وهى مفصولة تماماً عن باقي ميانمار بسلسلة جبال أراكان وبها غابات تنتج خشب التاك وتنتج ثلاثة أرباع إنتاج العالم منه .
وقد تعرف أهل أراكان على الإسلام منذ القرون الأولى من الهجرة النبوية عن طريق التجار حتى استطاعوا تكوين دولة إسلامية بقيادة السلطان سليمان شاه في عام 1430 م حتى عام 1784م وامتد الحكم الإسلامي في هذه البلد أكثر 350 عاما وتعاقب عليها نحو 48 سلطانا مسلماً وكانت شعارات الدولة ونياشيها تضمنت نقوشاً عليها عبارات إسلامية كما نقشت على العملات المتداولة في زمانهم كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله والآية القرآنية (أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) سورة الشورى الآية رقم 13.
وفي عام 1784 احتلتها بورما البوذية بعدما ضعفت سيطرة المسلمين على السلطنة وامتد احتلالها إلى أن استعمرها البريطانيون في عام في عام 1885 م حتى احتلتها اليابان في الحرب العالمية الثانية 1942م وتم منحهم الاستقلال التام عام 1984م .
قام البريطانيون كعادتهم بالوقوف ضد مصالح المسلمين حيث ألحقوا سلطنة أراكان بمملكة بورما البوذية ومنذ ذلك اليوم يقوم البورميون بتنفيذ حملات تطهير عرقي ضد المسلمين الروهنغيا شبيه بتلك التي كانت تنفذ في البوسنة والهرسك وكشمير والشيشان من أجل تفريغ الأرض من سكانها وخلق ولاية بوذية تخلو من المسلمين .
وقام البوذيون في بورما منذ حصولهم على الحكم الذاتي في عام 1937م والاستقلال التام عام 1984م بذبح ما لا يقل عن 300 ألف مسلم ونفي أكثر من مليون ونصف خارج أراكان وهم يعيشون في أجزاء مختلفة من العالم بما فيها بنجلاديش وباكستان والمملكة العربية السعودية وماليزيا وتايلاند ودولة الإمارات العربية المتحدة وزادت عملية التطهر العرقي ضد المسلمين الروهنغيا بزعامة الجنرال ( ني وين ) وذلك في عام 1962 .
لم تترك القيادة العسكرية والسياسية في بورما سبيلا إلا وأتبعته لسحق المسلمين سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وثقافيا بالإضافة إلى خلق ظروف خانقة من خلال التعذيب الجسدي والإرهاب الذى يدفع المسلمين إلى هجر وطنهم أراكان ففي عام 1978 طرد أكثر من 300 ألف مواطن روهنغى بالقوة إلى بنجلاديش أثر عملية شنتها الطغمة الحاكمة الاشتراكية العسكرية ضد المسلمين في أراكان وبعد عودتهم عام 1979م أصدرت الحكومة البوذية قانوناً جديدا للجنسية البورمية في عام 1982 حيث أصبح الروهنغيا بموجب هذا القانون المزعوم شعبا بلا هوية وبلا مواطنة.
وفي عام 1988 عقب القلاقل التي كانت في بورما اضطر 300 ألف مواطن مسلم مغادرة بلادهم إلى بنجلاديش ولكن لم تحميهم بنجلاديش من المطاردة والتعذيب.
وفي عام 1994 م بدأت موجه جديدة من العنف والتعذيب ضد مسلمي بورما حيث دمرت أربع مساجد ومنازل ومحال تجارية في أكياب عاصمة أراكان وتم تعذيب المسلمين كل أنواع العذاب منها القتل العشوائي والضرب وأعمال السخرة وتعرض النساء للاغتصاب والإساءة على يد قوات الأمن ولا يسمح لهن بارتداء الحجاب .
فمنذ استقلال بورما عن الاحتلال البريطاني 1948م إلى الان عانى ولايزال يعاني مسلمو سلطنة أراكان التي كانت سلطنة إسلامية منذ 1430 م حتى 1784م بكل معانى الكلمة حتى احتلتها مملكة بورما بالقوة واتبعت سياسة الإبادة العنصرية بالقتل والتشريد لمسلمي الروهنغيا في ميانمار والتمثيل بجثثهم لمجرد أنهم مسلمون ومنذ ما يزيد عن السبعين عاماً من التعذيب حيث قاد النظام البورمي حرب تطهير عرقي ضد مسلمي بورما فأصبح لا أمان على حياتهم أو ممتلكاتهم ورغم ذلك يوجد صمت دولي ومن المنظمات الدولية عما يتعرض له مسلمو بورما من القتل والتعذيب من الدول التي تتشدق بمفاهيم حقوق الإنسان وحق الإنسان في حرية الاعتقاد وحق المواطنة.
*مدرس التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة بنى سويف المصرية