[caption align="alignleft" width="300"]ما زال دم مسلمي الروهنجيا في أراكان ينزف بشدة[/caption]
ما زال دم مسلمي الروهنجيا في أراكان ينزف بشدة
بقلم أ- عزيد عبد المجيد الأراكاني
ودخلت الإبادة الجماعية بحقهم مرحلة القتل الصامت على أيدي عصابات النظام الفاشي الحاكم في بورما
في الثالث من شهر يونيو من العام الماضي أعلنت الحكومة البورمية عن حادث جنائي وقع في ولاية أراكان غربي البلاد، فحواه أن هناك فتاة بوذية وُجدتْ مقتولة بعد تعرُّضها لحالة اغتصاب على أيدي مجهولين، وذلك في طرف قرية صغيرة تَسكنها الغالبية البوذية مِن طائفة الـ(رخين)، وفي وقت لاحق أعلنت السلطات البورمية عن إلقاء القبض على ثلاثة أشخاص تَشتبه في ضلوعهم في ارتكاب تلك الجريمة، وينتمي هؤلاء إلى الأقلية الروهنجية المسلمة في أراكان، ولم تمضِ 48 ساعة من الإعلان الحكومي، حتى قامت مجموعة من العصابات البوذية المتطرِّفة باعتراض حافلة صغيرة كانت تتجه إلى العاصمة القديمة رانجون وهي تُقلُّ مجموعة مِن دعاة جماعة التبليغ المسالمة، وارتكبت بحقهم مجزرةً وحشيةً على مقربة من بلدة تونغو؛ حيث قتلت عشرة أشخاص، ومثَّلت بجثثهم بأسلوب بربري أمام مرأى ومسمع السلطات المحلية علنًا وجهرًا، وبرَّرت الحكومة تلك الجريمة البشعة بالقول: إنها جاءت في سياق ردِّ فعلٍ عنيفٍ مِن قِبَل طائفة الـ(رخين) التي تنتمي إليها الفتاة؛ انتقامًا لمقتلها، ومِن المؤسِف أنها لم تتَّخذ أيَّةَ إجراءات توحي أنها جادة في تعقُّب الجناة والمُجرمين الذين ارتكبوا تلك المجزرة الوحشية، وذلك على الرغم من أن الجناة معروفون، مما أشعر أفراد الأقلية الروهنجية بأن هناك مؤامرة تُحاك ضدَّهم، وبل أن هناك خططًا أعدت لضربهم في هذا التوقيت، ولم تكن قصة الفتاة سِوى فبركة استخباراتية مِن قبل الاستخبارات البورمية؛ لتبرير جرائمها أمام المجتمع الدولي.
وبعد مُضيِّ قرابة أسبوع مِن وقوع تلك المذبحة البشعة، وبسبب تجاهل الحكومة البورمية وصمْتِها المُطلَق تجاهها؛ خرجَت مجموعات من المصلين عقب أداء صلاة الجمعة في تظاهرات واعتصامات سِلميَّة، مُطالِبين السلطات بالتحقيق في تلك المذبحة، وذلك في يوم الجمعة الموافق الثامن مِن شهر يونيو مِن العام المُنصرِم، وذلك في مدن "أكياب" و"منغدو" و"بوثيدونغ"؛ حيث واجهت السلطات تلك الاعتصامات والمُظاهرات السلمية بإطلاق الأعيرة النارية الحيَّة على المتظاهرين، وقُتل على أثرها عشرات مِن أبناء الأقلية الروهنجية، ولم تكتفِ بهذا، بل أوعزت إلى طائفة الـ(موغ) المستوطِنة في الإقليم مهمَّة قتل أبناء الروهنجيا وحرق بيوتهم وقُراهم بصورة منهجيَّة، وبما أن أفراد القوات الأمنية والعسكرية المُنتشِرين في إقليم أراكان مثل: الجيش، والاستخبارات، وحرس الحدود، والشرطة المحلية يَنتمون إلى طائفة الـ "رخين" المحليَّة؛ فإنهم أصبحوا طرفًا أساسيًّا في قتل الأقلية الروهنجية.
ولم يتوقف الأمر إلى هذا الحد؛ بل أخذ الجيش البورمي نفسه زمام المبادَرة في تنفيذ خطة الإبادة الشاملة ضد الأقلية الروهنجية في بورما؛ وفقًا لما صرَّح به الرئيس البورمي "ثين سين" خلال لقائه مع مفوَّض الأمم المتَّحدة السامي لشؤون اللاجئين السيد "أنتونيو جوتيريس" في 12 يوليو من العام الماضي، حينما طلب منه تجميع أفراد الأقلية الروهنجية في بورما في مُعسكرات لاجئين، أو يتعرَّضوا للطرْد من البلاد، وبما أن مثل هذا التصريح بقدر ما هو يُمثِّل إهانة حقيقيَّة للقيم الإنسانية ومبادئ حقوق الإنسان الأساسية، التي من أجلها وجدت المؤسَّسات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة، فإنه فضَح - أيضًا - النيات الحقيقية لهذه الطغمة الحاكمة في بورما تجاه الأقلية الروهنجية، وعلى رأسها ثين سين، الذي ظهَر في الآونة الأخيرة أمام المجتمع الدولي بمظهر الرئيس الإصلاحي وبطل بورما الحقيقي، والذي استطاع بكل براعة وانتهازية تمرير مثل هذا التصريح الأرعن في هذا التوقيت تحديدًا للمجتمع الدولي دون أن يحاسبه أحد أو يدينه؛ لذلك أوعز إلى قوات جيشه وبالتنسيق مع عصابات الموغ المحلية بشنِّ حملات منسَّقة على بلدات وقرى الروهنجيا في أراكان؛ حيث لم تبقَ بلدة أو قرية في أرض أراكان يسكنها الروهنجيا المُسلمون إلا وتعرضت للحرق أو التهجير؛ بهدف التطهير العرقي ضدَّ الأقلية الروهنجية؛ وصولاً للهدف المنشود، وهو تشريد أبناء الروهنجيا وتهجيرُهم مِن وطنهم، ولا زالت تلك الحملات جارية على قدم وساق، وبخاصة في ظل تعتيم إعلاميٍّ قَسريٍّ فُرض على الإقليم؛ إذ تمنع السلطات البورمية وسائل الإعلام الأجنبية من الوصول إليه، ومِن ثَمَّ نقْل الأحداث منه، كما لا يوجد فيه أي من المراقبين الأجانب، وفي ظل حصار مطبَق أصلاً على الروهنجيا المسلمين منذ خمسة عقود، فإن القوات البورمية ما زالت تُمارِس بحق الروهنجيا أبشع أنواع الجرائم؛ مِن قتل وتشريد وخطف واعتقالات، وهناك خشية حقيقية لاختفاء قرابة عشرين ألف شخص بين قتيل ومفقود منذ بداية اندلاع الأزمة، بل إن هناك دلائل مؤكَّدة عن وجود مقابر جماعية لآلاف الأشخاص الذين أُعدِموا في موقعين في شمال منطقة أراكان، أحدهما في قرية تُسمى هواربيل (زيغنغ برانغ)، وبالتحديد في مكان يُسمَّى (خرولار زيري)، وهذا المكان يقع بالقرب مِن القيادة العسكرية لمنطقة منغدو (تناشوك)، والآخَر في مكان يُعرَف بالميل 10 التابع لمنطقة بوثيدونغ، كما أن هناك أكثر مِن مائة وخمسين ألفًا مِن أبناء الروهنجيا أصبحوا مهجَّرين أو مشرَّدين بدون مأوى، في مخيمات قَذِرة، تَفتقِر إلى أدنى مقوِّمات الإيواء حول مدن سيتوي وراسيدنغ وبوسيدنغ ومنغدو، فلا طعام لهم ولا دواء، وبخاصة في ظل ما تشهده المنطقة مِن أمطار موسمية غزيرة في مثل هذه الأوقات من السنَة؛ مما جعل أكثر المهجَّرين عرضة للموت، إما جوعًا أو مرضًا، كما أن حكومة بورما ما زالت تَرفُض مباشرة هيئات إغاثية دولية عملياتها الإغاثية بنفسها لإغاثة هؤلاء المشرَّدين؛ مخافة انكشاف جرائمها وممارساتها ضدَّ الروهنجيا هناك.
في بداية الأزمة برَّرت الطغمة الحاكمة في بورما أن المشكلة لا تعدو كونها نزاعًا طائفيًّا بين الرخين والروهنجيا المهاجرين غير الشرعيين، وأن الأمور أصبحَت تحت سيطرتها تمامًا - كما زعمت - وما لبث أن ظهرت النيات الحقيقية لهذه العصابة الحاكمة في بورما، المُتمثِّلة في تصريح ثين سين تجاه الروهنجيا السالف الذكر، ألا وهو تجميعهم في معسكرات مُغلَقة؛ لوضع المجتمع الدولي أمام الأمر الواقع، وحصر مِحنَة الروهنجيا في مشكلة اللاجئين فقط، وبما أن ثين سين نجح إلى حد كبير بنفسه في تحقيق ما كان يطلبه من السيد أنتوينو غيترس تنفيذه، فإنه يقوم الآن بحملة كبيرة مِن خلال آلتِه الإعلامية لتضليل الرأي العام الدولي؛ وذلك بتزوير حقائق التاريخ والجغرافيا، وبتسويق الكذبة الكُبرى في هذه المرحلة على المجتمع الدولي عن الروهنجيا، مؤداها أنهم مهاجرون غير شرعيين، وحيث إن المجتمع الدولي ما زال صامتًا تجاه هذه الممارسات العُنصرية البغيضة مِن قِبَل هذا النظام، ودم الروهنجيا ما زال يَنزف بلا توقُّف، وبخاصة على إثر المجازر الوحشية التي تجدَّدت في شهر أكتوبر من العام الماضي، حينما أقدمت عصابات الـ رخين المُتطرفين بدعم من أفراد الجيش البورمي بحرق عشرات بلدات وقرى الروهنجيا في أراكان؛ لحملهم على مغادرة أرضهم ووطنهم، وكان مِن نتائجها أن الآلاف منهم أصبحوا مشرَّدين، إن كان في داخل أراكان أو في الدول المجاورة، التي في غالبيتها لا ترحب بهم، وزد على ذلك أن عمليات الإبادة الجماعية بحق الروهنجيا في أراكان دخلت مرحلة القتل الصامت بواسطة النظام وزمرته، وبخاصة بعد أن استطاع هذا النظام امتصاص ردِّ فعل المجتمع الدولي تجاه ممارساتها ضد المسلمين الروهنجيا منذ شهر يونيو من العام الماضي، فهو الآن في ممارساته البربريَّة ضد الروهنجيا أكثر جرأة مِن ذي قبل؛ إذ لا يضع هذا النظام في حساباته أيَّ اعتبار لأيَّةِ دولة أو منظمة دولية على الإطلاق؛ لذلك فهو ينفِّذ خططه المعدَّة سلفًا بأريحيَّة كبيرة في هذا الشأن.
وأمام هذه المأساة الإنسانية الحقيقية، فإننا كأبناء الروهنجيا في عموم دول العالم نُناشد المجتمع الدولي عامة، وبخاصة الدول الغربية المحبَّة للسلام؛ لما لها مِن ثقل سياسي، ونقول لهم: إننا بقدر ما نَشكر لكم، ونُقدِّر توجهكم، وحرصكم لمساعدة الشعب البورمي لبناء دولته على أسس الديمقراطية، والعدالة، والمساواة، والحريات، وحقوق الإنسان لجميع قوميات بورما سواءً بسواء، ومنها الأقلية الروهنجية بطبعية الحال، فإننا نتحفظ بشدة منح الأموال للعصابة الحاكمة في بورما؛ لأنها لن تذهب بالتأكيد لصالح توفير الاحتياجات الأساسية للشعب البورمي المُفتقِر إلى كل شيء، بل تذهب إلى تعبئة مزيد من الموارد لقتل مزيد من الشعب البورمي، ومنه الروهنجيا، وبالأمس تغاضى العالم عن جرائم الطغمة الحاكمة بحق الإثنية الروهنجية، واليوم يشهد هذا العالم مجددًا مأساة أخرى في موقع جديد مِن أرض بورما، ألا وهو ولاية كاشين، ولولا هذا التغاضي لما تجرَّأ هذا النظام على ضرب كاشين في هذا الظرف، ومتى كان يتجرأ هذا النظام على استخدام الطائرات القتالية لمهاجمة القَرويِّين البسطاء في جبال ولاية كاشين عندما كان يئنُّ تحت العقوبات الدولية؟ وحتما سوف يفاجئ هذا النظامُ العالمَ في الغد القريب باختلاق أزمة جديدة في موقع آخر من بورما؛ لأن هذه الطغامة لا يُمكنها الاستمرار في الحكم إلا على وقع الأزمات، ونحن كأبناء شعب بورما نعرف جيدًا سلوكيات هذا النظام المُفلِس؛ فهو إن كان تخلَّص مِن بزَّته العسكرية تكتيكيًّا بإجراءات وهمية وصورية محضة، فإنه لم تتغيَّر قناعاته وسياساته فيما يتعلق بتعامُلِه مع الشعب البورمي، وبخاصة مع الأقليات، كما أن عقلية هذا النظام لا تدرك مدى التغيُّرات التي يَشهدها العالم؛ لأنه يعيش بالعقلية القديمة التي عفا عليها الزمن؛ لذلك نحث المجتمع الدولي والعالم الإسلامي بوجه الخصوص على ممارسة ضغوط حقيقية على الحكومة البورمية؛ لإحداث تغيُّرات فعلية وواقعية على المستوى السياسي في بورما، وخاصة فيما يتعلَّق بتعاطيها مع الأقليات، ومنها الروهنجيا في الدرجة الأولى، كما نُطالب الأمم المتَّحدة والدول المؤثِّرة على القرار الدولي بصفة خاصة بالتدخل عاجلاً لدى الحكومة البورمية؛ لإلجامها عن ممارسة مزيد من جرائم الإبادة ضد الأقلية الروهنجية في أراكان، كما نطالبها بالوصول إلى تحقيق مطالبنا الآتية بصفة عاجلة، وهي:
1- إنهاء كافة أشكال الظلم والاضطهاد والتمييز العُنصري؛ مِن قتل وتشريد وتهجير وخطف واعتقالات، التي تتعرَّض لها الأقلية الإسلامية الروهنجية في أراكان، على أيدي السلطات البورمية وعملائها مِن البوذيِّين الرخين المُتطرِّفين.
2- إيجاد الحل الدائم للمشكلات السياسية والاجتماعية التي تواجهها الأقلية الروهنجية في أراكان.
3- استعادة كافة الحقوق الإنسانية الأساسية للإثنية الروهنجية في بورما، وعلى رأسها حق المواطنة الأصيلة كعرق مِن أعراق بورما؛ أسوة بغيرهم مِن القوميات.
4- حمل المجتمع الدولي على اتخاذ قرار لإجراء تحقيق دولي مستقل حول المَجازِر والإبادة الجماعية وممارسات التطهير العرقي التي تتعرَّض لها الأقلية الروهنجية المسلمة في أراكان، وجلب المسؤولين عن تلك الجرائم ضد الإنسانية أمام العدالة الدولية.
5- نشر مراقبين أجانب، وبخاصة مِن قِبَل الاتحاد الأوربي في المناطق المنكوبة، والتي تسكنها الأقلية الروهنجية؛ حمايةً لها.
6- السماح للهيئات الإغاثية الدولية للوصول إلى المتضرِّرين والمحتاجين من أبناء الروهنجيا بحرية تامة، ودون أيَّة عرقلة أو تعقيدات.
7- إعادة كافة الأراضي والممتلكات التي تمَّت مصادرتها من أبناء الأقلية الروهنجية.
8- إعادة توطين كافة المُهجَّرين من أبناء الأقلية الروهنجية في بلداتهم وقراهم؛ بتأهيل تلك البلدات والقرى بتوفير المتطلبات الأساسية للحياة، وذلك بدل زجهم في مخيمات تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة بصورة دائمة.
المصدر : الألوكة
خريطة مملكة أراكان الإسلامية مِن القرن السادس عشر الميلادي إلى نهاية القرن الثامن عشر الميلادي
مصدر الخريطة: "أطلس العالم التاريخي"؛ الدكتور فالتر لايسرينغ، برلين 2011