بقلم: خليل الفزيع
وكالة أنباء أراكان ANA | اليوم
وفقا لتقرير حرية الاعتقاد الدولي، التابع لوزارة الخارجية الأمريكية، الصادر سنة 2006، فإن حكومة ميانمار تقلل دائما من أعداد غير البوذيين في تعداد السكان، ومنهم المسلمون، ومع ذلك وحسب هذا التقرير يقدر الزعماء المسلمون أن المسلمين في ميانمار قد تصل نسبتهم إلى ما يقرب 20٪ من عدد السكان، حيث ينتشرون على شكل تجمعات متعددة، إذ يتركز المسلمون في ميانمار من أصول هندية في رانجون، بينما يوجد المسلمون من أصول الروهنغيا في ولاية أراكان غربي ميانمار، وهناك غيرهم من أصول الصين والملايو منتشرون في تجمعات جنوب البلاد.
قد وصل المسلمون إلى ميانمار في البداية عن طريق التجارة، ثم عن طريق الهجرة من الهند وغيرها، وابتداء من القرن السابع الميلادي بدأ الرحالة العرب بالوفود إلى تلك المنطقة، قادمين من مدغشقر، كما ذكرت عدة مصادر أن مسلمي ميانمار من بحارة وتجار ومستوطنين كانوا موجودين على طول الساحل الميانماري، إلى أن بدأ التجار المسلمون بالسيطرة على تلك المناطق حتى أضحوا قوة لا يستهان بها، وبنوا العديد من المساجد ومدارس تحفيظ القرآن، وكان لهم تأثيرهم الواضح في تاريخ تلك البلاد، كما كانوا عونا لميانمار في حربها مع الإنجليز، فنالوا حظوة حكام تلك الفترة.
لكن هذه الأوضاع لم تستمر على حالها عندما بدأ البوذيون في القرن الثامن عشر في فرض معتقداتهم على المسلمين، وحظر ذبح الأضاحي، ومنع عيد الأضحى، حتى تم إعدام أشهر أئمة مساجد ميانمار، بعد رفضهم أكل لحم الخنزير، والانصياع لأوامر الرهبان البوذيين، فمرت على البلاد أيام مظلمة، ورغم أن الملك بوداوبايا (1782-1819) الذي أصدر أمر قتلهم، عاد وأصدر مرسوما يتضمن اعتذاره واعتبارهم أولياء صالحين، لكن أعمال الشغب والعنف ضد المسلمين لم تلبث أن تفاقمت بشكل أدى إلى سقوط قتلى من الطرفين، ومنهم رهبان بوذيون، أوغلوا في التحريض على زيادة انتشار أعمال الشغب، وقتل المسلمين، وحرق بيوتهم، والاستيلاء على ممتلكاتهم، واستباحة نسائهم، وتجريدهم من حقوق كمواطنين.
وزاد الأمر سوءا بعد استقلال ميانمار من الاحتلال البريطاني، ووصول العسكر إلى الحكم عام 1949 فساءت أحوال المسلمين، وطردوا من الجيش، وتعرضوا للتهميش، وألصقت تهمة الإرهاب بالمنظمات الإسلامية، وقاد الرهبان البوذيون أعمال الشغب، وتوزيع الكتب والنشرات العنصرية ضد الإسلام والمسلمين، واشتد العنف في الأماكن التي يقطنها المسلمون، وتوالت أحداث اضطهاد المسلمين حتى صدرت الأوامر بتجريدهم من انتمائهم الوطني، وإعلانهم كفئات غير مرغوب فيها، وترحيلهم للمخيمات التي ترعاها الأمم المتحدة على الحدود مع الهند وبنغلاديش، حسب قرار الحكومة الصادر عام 1982 الذي يقضي بحرمان المسلمين من حقوق المواطنة والجنسية، وبهذا يفقد المسلمون في ميانمار وطنهم، دون أن تتحرك منظمات حقوق الإنسان لحمايتهم من هذا الطغيان العنصري والعرقي الذي تتولى تنفيذه حكومة ميانمار، بمساندة تامة من الرهبان البوذيين الذين يرون في الإسلام خطرا على معتقداتهم، ويرون في المسلمين تهديدا لوجودهم، مع أن ما يقوم به المسلمون هو حق الدفاع عن النفس، وقد جردتهم الحكومة من هذا الحق، بل سعت وما زالت تسعى لتجريدهم من الحق في الحياة.
وكانت المجازر الجماعية، ظاهرة ترتكب باستمرار على يد الجيش، إلى جانب ما يقوم به الرهبان والغوغاء من اعتداءات تُختلق لها الأسباب التي لا يقبلها العقل.
الباحثون، وقادة الرأي، وقادة الفكر، والإعلاميون، والسياسيون، وخطباء الجوامع.. كلهم مطالبون بكشف جرائم القتل والاغتصاب والتشريد ضد مسلمي ميانمار، وهذه الحرب بين الإسلام والبوذية جديرة باهتمام المنظمات الإسلامية التي عليها أن تواجه هذه المعضلة الكبيرة بينها وبين البوذية المدعومة من منظمات مختلفة معادية للإسلام والمسلمين.
وإذا كان الإعلام الغربي متواطئا في النظر إلى هذه الأزمة، فما هو عذر الإعلام في الدول العربية والإسلامية؟ لماذا لا يفضح المؤامرة البوذية على الإسلام؟ ولديه كل الأدوات والمبررات للقيام بهذه المهمة الخطيرة، خاصة وأن السرية لم تعد قائمة حول كل ما يجري في العالم، بعد أن أصبحت تقنيات العصر وسيلة ملهمة لاكتشاف المجهول، وما يجري للمسلمين في ميانمار ليس مجهولا على كل حال، فالحقائق لا يمكن حجبها عن الناس بشكل دائم، والأقمار الصناعية التي ترصد كل كبيرة وصغيرة على هذه الأرض، قادرة على رصد كل التحركات والتجمعات وحملات التصفية والإبادة العرقية التي تجري في مناطق المسلمين في ميانمار.
ولا شك في أن الأجهزة الاستخبارية في الغرب تعرف تمام المعرفة ما يجري في ميانمار، لكنها تتغافل عن ذلك، وتحرص على عدم الإعلان عنه، وذلك يفضح دورها في تعميق جراح المسلمين النازفة في ميانمار، وتشجيع البوذيين على ارتكاب المزيد من أعمال الإرهاب الممنهج ضد المسلمين في ذلك الجزء من العالم، وهذا ما تعودناه من الغرب في نظرته للإسلام والمسلمين الذين يشكلون ثقلا كبيرا في ميزان القوى في العالم، بحكم ما يتوفر لهم من المقومات الدينية والاقتصادية والسياسية، والمكتسبات الحضارية والتاريخية، فلا بد من وحدة كلمة وصف وهدف المسلمين؛ لإنقاذ أنفسهم، بإنقاذ مسلمي ميانمار، الذين أصبحوا مواطنين بلا وطن.