[caption align="alignleft" width="300"]ذبح مسلمي ميانمار برعاية الحكومة... مروي محمد إبراهيم[/caption]
هل يمكن أن تكون السياسة المتهم الأول في العنف الديني, وهل تلعب الدولة دورا رئيسيا في إشعال الفتن الدينية وإخمادها؟ إن ما تشهده ميانمار من أعمال عنف مشتعلة ومستمرة ضد مسلمي الروهينجا يرتكبها المتشددون البوذيون ضد الأقلية المسلمة في ميانمار, تؤكد أن هناك جهات أكثر سلطوية وسيطرة قادرة علي تحريك الحشود لمطاردة فئة من الشعب لم ترتكب جرما سوي انتمائها لدين تعتنقه أقلية معينة.
وفي هذه الحالة, فإن الاتهام الأساسي الذي يمكن أن نوجهه للسلطة الحاكمة هو السكوت أو تجاهل زرع البذور الأولي للكراهية الطائفية.. بل وتهيئة المناخ المناسب لنموها حتي تتحول إلي وحش كاسر يصعب السيطرة عليه أو استئناسه.
فبعد مرور قرابة عام علي أسوأ أعمال عنف تستهدف أقليات الروهينجا في ولاية راخين, شهدت منطقة ميكتيلا بوسط ميانمار شهرا من العنف الدامي, في ظل تقارير تشير إلي أنها موجة من الهجمات والاعتداءات المنظمة استهدفت بيوتا ومساجد ومحلات وأماكن تجمع الأقلية المسلمة في ميكتيلا, وامتدت موجة العنف جنوبا لتحرق وتدمر كل ما هو إسلامي في مناطق مثل ماندلاي وباجو وتاتكون وغيرها من المناطق الجنوبية. وعلي الرغم من أن عدد القتلي من ضحايا موجة العنف في الشهر الماضي لم يتجاوز الـ43, أي أنه لم يتفوق علي موجة العنف التي اجتاحت ولاية راخين العام الماضي وراح ضحيتها ما لا يقل عن150 قتيلا, إلا أن شهود العيان يؤكدون أن ما اجتاح وسط وجنوب ميانمار هذه المرة عملية أكثر تنظيما تورطت فيها عناصر من خارج هذه المدن. في حين أكد البعض تورط رهبان بوذيين في تنفيذ هذه الاعتداءات اللإنسانية التي تستهدف المدنيين.
ويؤكد المراقبون أن دور الرهبان البوذيين وعداءهم الشديد للمسلمين أصبح أكثر علانية خلال الأشهر الماضية, وهو ما أثر سلبا علي المجتمع بشكل عام وأشعل الكراهية بين المسلمين والبوذيين. وعلي الرغم من معاناة ميانمار من هذا الصراع علي مدي عقود.. إلا أنه تحول إلي صراع علني وصريح عبر حدود ولاية راخين وامتد ليستهدف المسلمين في كل أنحاء البلاد.
وفقا للحقائق التاريخية, فإن النظام الحاكم في ميانمار لعب دورا رئيسيا في تأجيج العنف الطائفي. فهذا النظام العسكري ما هو إلا وليد انقلاب عام1962 الذي كان يهدف لتأكيد سلطة البوذيين في بلادهم, ورفضهم لوجود الأقلية الهندية ـ وأغلبها من المسلمين ـ التي دخلت ميانمار في ظل الاحتلال البريطاني وبالتالي فقد اعتبروا وجودهم بمثابة استمرار للوجود البريطاني. وغذي النظام هذا الاعتقاد وحرص علي تقويته ودعمه لضمان استمراره في الحكم لسنوات طويلة.
ولكن علي الرغم من أن الجيل الحالي من مسلمي ميانمار هم من مواليد هذا البلد ويتحدثون لغتها, بل وفقدوا كل علاقة لهم بأصولهم الهندية, فإنهم سقطوا ضحية للدعاية الحكومية التي وجدت أنه من مصلحتها تواصل الصراع الطائفي لكي تبقي في السلطة بدون أي ثورات أو انقلابات قد تسعي للإطاحة بها. والغريب في تجربة ميانمار, هو وقوف واحدة من أهم رموز المعارضة وهي أونج سان سوتشي صامتة في مواجهة هذه المذابح اللإنسانية. فلم تحرك ساكنا في مواجهة ما يعتري شعبها من انقسام وتفكك لا مبرر لهما. وهو الأمر الذي شكل ظلما مزدوجا للأقلية المسلمة التي تخلت عنها الحكومة والمعارضة في آن واحد, في حين تخلي البوذيون عن مبادئ السلام واللاعنف للتخلص من الاقلية المسلمة.
"الأهرام"