[caption align="alignleft" width="300"]أراكان وحقوق الإنسان...محمد عبدالباقي[/caption]
تنقل لنا وكالات الأنباء، وشاشات الفضائيات، من وقتٍ لآخر، بعض التقارير المتلفزة، والتغطيات الإعلامية، والمقالات المنمقة، عن أنشطة ومؤتمرات، وتوصيات، وقرارات، منظمات المجتمع المدني، وحقوق الإنسان حول العالم، وعن حق التعايش والمواطنة، لكل الأقليات، والعرقيات، مهما كانت دياناتهم، أو معتقداتهم؛ ثم لا تلبث تلك الأخبار، أن تسوق لنا خبراً مقتضباً، أو بعضاً من صورٍ، لواحدةٍ من أكبر حروب الإبادة، والتطهير العرقي، التي يتعرض لها شعب أعزل، ينتمي لذات الوطن (في بورما)، لا لشيءٍ إلا لأنه مسلم يعيش وسط أغلبية بوذية..!!
تقع (بورما) أو ما يعرف اليوم بدولة (ميانمار) في الجنوب الشرقي لقارة أسيا، بجانب، الصين والهند، ويقع إقليم أراكان المسلم في الجنوب الغربي لبورما وتشير الإحصائيات إلى أن نسبة المسلمين تبلغ نحو(10%) من جملة السكان، يتمركزون في ولاية (أراكان) المتاخمة لدولة بنجلاديش وينتمون إلى شعب (الروهينجا).
دخل الإسلامُ إلى (أراكان) في عهد الخليفة العباسي هارون الرشيد، وصار للإسلام هناك دولة إسلامية كبيرة استطاعت أن تستمر لأكثر من ثلاث قرون ونصف، ولقد عرفت هذه الدولة ازدهاراً ثقافياً وحضارياً لم تعهده المنطقة من قبل، من ذلك أنه كان لها عملة خاصة مضروبة بالفضة مكتوب عليها " لا إله إلا الله "، ولقد تداول على حكم هذه الدولة نحو 48 ملكاً مسلماً إلى أن أسقطها البوذيون عام 1784م، حيث احتلها الملك البوذي «بوداياي» وقام بضم الإقليم إلى بورما خوفاً من زيادة انتشار الإسلام في المنطقة، ولقد أمعن في اضطهاد المسلمين وأجبر عدد كبير منهم على مغادرة الإقليم وصادر ممتلكاتهم وأراضيهم، ثم توالت على الاقليم، فصول من الظلم، والخسف، والاضطهاد، من قبل البوذيين الذين دأبوا على تدمير الآثار الإسلامية، من مساجد، ومدارس، وقتل العلماء، والدعاة، ونهب خيرات المسلمين، وتقليبهم بين شتى أنواع العذاب، ومحو كُلّ ما يخص الإسلام من حضارة أو أثر، وحرق منازلهم ومزارعهم وأُسر واعتقال كثيرٌ منهم – دون محاكمة - واستخدامهم كرقيق وعبيدٍ تارة، أو لإجبارهم على القيام بأعمال السخرة دون أجر،كشق وتعبيد الطرق، وحفر الخنادق في المناطق الجبلية البورمية، وبناء المعابد، وحرث الأرض، تارة أخرى.
لم تقتصر صور التنكيل، والاضطهاد على ذلك بل عمدت الحكومة البوذية إلى إلغاء جنسية المسلمين ا(لروهينجا (في (أراكان ) بموجب قانون المواطنة والجنسية والذي وضع في سنة 1982م، وكذا حرمانهم من حرية السفر والتنقل داخل البلد وخارجه، وتهجير المسلمين وتشريدهم وتوطين البوذيين محلهم،وكذلك مصادرة أوقاف المسلمين وأراضيهم الزراعية لصالح البوذيين.
وتتزايد يوماً بعد يوم قرارات مصادرة، ونهب أموال المسلمين ومنعهم من الاستيراد والتصدير، وممارسة الأعمال التجارية، ناهيك عن حرمانهم من الوظائف الحكومية، وحرمانهم من التعليم.
ولا زالت شاشات التلفاز، ووكالات الأنباء، تبث إلينا تقاريراً وأرقاماً تقول: أن المسلمين في بورما يتعرضون لحرب إبادة، من قبل البوذيين، خلَّفَت آلاف القتلى، وآلاف الجرحى والمخطوفين، وتدمير العشرات من القرى، وآلاف المنازل، وتشريد مئات الآلاف وتهجيرهم قسراً إلى بنجلاديش.. فما الجديد؟!!
إن حالة الصمت، وازدواج المعايير من قبل المجتمع الدولي تجاه عمليات الإبادة، والتطهير العرقي التي يتعرض لها مسلمو بورما، تلقي بالمسئولية على الدول والمنظمات العربية والإسلامية للتحرك لنجدة، ونصرة هذا الشعب المكلوم الأعزل، وتهيب بالباحثين والإعلاميين، والمثقفين، ورجالات الأحزاب، تبني تلك القضية، وحملها للمحافل، والتبصير بحق الشعب المسلم - في ( أراكان)- أن ينال حقه في التعايش السلمي، والمواطنة، كبقية شعوب الارض.