[caption align="alignleft" width="300"]الاتحاد الأوروبي يجامل حكومة بورما...مجلة دير شبيغل الألمانية[/caption]
برزت بورما خلال العامين الماضيين بعد خمسين سنة قضتها تحت الحكم العسكري الوحشي بسرعة مثيرة للاهتمام. فقد حقق البلد بعض التغييرات المهمة، مثل اطلاق سراح عدة سجناء سياسيين وتراجع دور الرقابة وإزالة القيود عن المعارضة السياسية وخصوصاً حزب الرابطة الوطنية للديمقراطية بزعامة اونغ سان سو كي، المنافسة في الانتخابات للحصول على عدد متواضع من مقاعد البرلمان الخاضع لسيطرة العسكر.
من المبكر جداً القول اذا كانت بورما ستستمر في التقدم أو تتوقف لتعود الى حلقة شريرة من العنف العرقي والطائفي الذي يعرقل جهود الاصلاحيين ويزيد من نفوذ الجيش. وفي الواقع، تشير بعض الدلالات الحالية الى اتجاه معاكس مؤلم. ومع ذلك ألغى الاتحاد الأوروبي مؤخراً كل عقوباته على بورما.
الحقيقة المحبطة هي أن السلطات البورمية ومجموعات محلية قد اشتركت في حملة تطهير عرقي ضد مسلمي الروهينغا، مما تسبب في تدمير مجتمعهم. ورغم وقوع مجازر كثيرة في العام الماضي، لكن الحملة مستمرة حتى يومنا هذا من خلال القيود على حركة 125 الف شخص من الروهينغا ممن تعرضوا للتهجير. ومع رمي الجثث في مقابر جماعية وبقاء الجناة أحراراً في عنفهم ضد المسلمين، يبدو أن الوقت غير مناسب لرفع العقوبات عن الحكومة.
عندما فرض الاتحاد الأوروبي العقوبات في التسعينيات ووسعها مع مرور السنين، قال بأنها تستهدف المسؤولين عن الانتهاكات. وبازالته للعقوبات فهو يفشل في تطبيق منطقه، ويمنح المتورطين أمانا من مساءلات حقوق الانسان. فقد رفع الاتحاد الأوروبي القيود عن السفر وتجميد الأصول المالية والتجارية لمسؤولي الجيش البورمي وشركاتهم من دون التثبت من سيرة هؤلاء الأفراد وتورطهم في مذابح المسلمين، كما ألغي حظر التسليح عن بورما مؤخرا.
لن يشجع مثل هذا التحرك على سلوك أفضل والمساءلة على الجرائم. وعلى النقيض من ذلك، سيؤدي رفع العقوبات الى تنازل الاتحاد الاوروبي عن نفوذ خطير ضد الحكومة فيمنع نشطاء الحقوق البورميين من العمل لتغيير أوضاع بلدهم.
بدأت الكارثة، عندما قرر وزراء خارجية الاتحاد الاوروبي تعليق العقوبات في نيسان من العام الماضي. وقام الرئيس البورمي "ثين سين" بجولة أوروبية في آذار 2013 للضغط من أجل انهاء نظام العقوبات تماما، والتقى عدة زعماء أوروبيين كانوا يبحثون عن شريك تجاري جديد لتصريف الأزمة الاقتصادية.
نشوة غير مستحقة
لكن رغم الاشادة الدولية، لم تتغير أشياء كثيرة في بورما. فما زال الجيش يرتكب جرائم حرب ضد الانسانية، ويتمتع بحصانة من العقاب كما اتضح ذلك خلال العامين الماضيين في حربه ضد "جيش استقلال كاشين" في ولاية كاشين، متسببا بتهجير نحو 80 الف مدني، ودوره واضح في ارتكاب جرائم ضد الانسانية والتطهير العرقي ضد مسلمي الروهينغا في ولاية "اراكان".
ما زال للجيش دور رسمي في الحكم ويتمتع بحصانة كاملة من السيطرة المدنية والعدالة وأية مراقبة في شؤونه. ويحتفظ بميزانية منتفخة أثرت على حساب معالجة الفقر المدقع والمشاكل الاجتماعية الناجمة عن مآسي فترة حكمه الطويلة، ومع ذلك رفع الاتحاد الاوروبي حظر التسليح عنه ولو بشكل جزئي، كمؤشر على ضعف الثقة بالجيش.
كان من المتوقع قيام دول الاتحاد الاوروبي بمناقشة سياسية شاملة للوضع في بورما، قبل التفكير برفع العقوبات، لكن رفع الحظر التجاري جاء بسرعة كبيرة مخيبة لظنون دعاة حقوق الإنسان. إذ لا يوجد دليل على تغيير سلوك أكثر من 800 شخص وكيان ممن عوقبوا سابقاً بسبب الانتهاكات والمساعدة في ارتكاب المجازر. حيث أن الكثير من الشركات الرئيسية الموجودة في قائمة عقوبات الاتحاد الاوروبي هي وكالات تجارية وتنفع مسؤولي الجيش والمقربين منهم مباشرةً.
لقد اندفع الاتحاد الاوروبي لإلغاء عقوبات ضد مسؤولين وكيانات زاعما تحقيق بورما اصلاحات أساسية وفق معاير الاتحاد، في حين انها كانت تقليدية في معايير أزمة البلاد، مثل اطلاق سراح معتقلي الجيش السياسيين، رغم بقاء 240 منهم في السجن بحجة خطورتهم.
كما لم تتم محاسبة منتسبي الجيش على الانتهاكات ضد المناطق العرقية وضد المدنيين والتي لم تتوقف حدتها في ولاية كاشين، بينما لم تبد الحكومة المدنية سوى تحفظ ضعيف.
وهناك سياسة تقييد، أو منع، الدخول إلى مناطق النزاع العرقي والمناطق التي يقطنها 125 الف مهجّر من الروهينغا في ظروف بائسة، بينما يواجه موظفو الإغاثة عقبات ممنهجة في توزيع المساعدات الانسانية. ويحصل كل ذلك رغم مساعدات الاتحاد الاوروبي السخية.
وكان الرئيس البورمي ثين سين قد وعد نظيره الأميركي باراك اوباما نهاية العام 2012 بالسماح بانشاء مكتب دولي دائم لحقوق الانسان.
ولم يتحقق ذلك الوعد حتى الآن ولا توجد اشارة على افتتاح المكتب في المستقبل المنظور. بدلاً عن ذلك، أصبح يشار الى انتهاكات حقوق الانسان الجسيمة بمجرد "مخالفات"، ويطلق المسؤولون على الاحتجاجات المعارضة لحصانة الجيش بعبارات ملطفة مثل "المطالبات بالإلتزام بالقانون". ويعبر الدبلوماسيون عن الوضع بمصطلح "ارتباط مصالح" بين حكومة بورما وسياستها الخارجية.
لوت لايشت
مجلة دير شبيغل الألمانية
ترجمة - خالد قاسم