[caption align="alignleft" width="300"]تحوّل ديمقراطي في ميانمار إلى الوراء: إعداد: عمر عدس[/caption]
ما يروّجه الإعلام الرسمي في ميانمار (بورما)، ويتبناه الإعلام الغربي، هو أن البلاد تمرّ بمرحلة تحوّل ديمقراطي . ولكن ما يعانيه المسلمون هناك من اضطهاد، بصمت من الحكومة، أو تواطؤ، أو تدبير، يثير الشكوك حول طبيعة ذلك التحول، كما يقول الناشط البورمي، مونغ زارْني . .
في صحيفة آسيا تايمز، (12-7-2013) كتب زارْني: يُزمع رئيس الدولة الصّوري الحالي في ميانمار، “تين سين”، القيام بزيارة وشيكة لبريطانيا، حيث تفرش له مُستعمِرة البلاد السابقة، السجادة الحمراء . ويتم ذلك، على الرغم من تأييد “تين سين” الرسمي، لحركة ،969 وهي حركة بوذية نازية جديدة، تحتضنها وزارة الداخلية الميانمارية، بمباركة من أعلى مستويات الحكومة، منذ عشرين عاماً ونيّف .
وفي ضوء التناقض الصارخ بين الخطاب المؤيد للديمقراطية، الذي يصدُر من نايبيدو (عاصمة ميانمار)، والمروّجين له من مراكز عالمية ومحلية (من بينها، على سبيل المثال، مجموعة الأزمات الدولية)، ينبغي إعادة النظر جِدياً في عملية التحول في ميانمار، والاتجاه الذي تتخذه .
يقول الكاتب: قبل شهور، أفرط الخبراء في شؤون ميانمار، ووسائل الإعلام الأجنبي، في الحماس والإعجاب، عندما تحدّث مستشارو النظام، عن خلق إعلامٍ هو الأكثر حرّية في دول الآسيان، (رابطة دول جنوب شرق آسيا) . وقالوا إن إصلاحات الإعلام حظيت بالترحيب، باعتبارها من أهم المجالات المثيرة للإعجاب التي تجدر مشاهدتها ضمن إطار التحول الديمقراطي في البلاد . وتحدّث أصدقاء صحفيون من دول أجنبية، بتحمّس شديد عن السكنى في العاصمة القديمة يانغون، المسرفة في الغلاء الآن، والخربة في الوقت ذاته، لكي يكونوا جزءاً من الازدهار الإعلامي الواعد .
ولكن مجلس النواب، أقرّ للتو تشريعاً من شأنه فرض قيود صارمة على الإعلام المحلي،من ضمنها حظر النشر في موضوعات محدّدة بطريقة مبهمة.
ويقول الكاتب، إن ذلك ينبغي أن يوقظ مَن يحملون وجهة نظر ورْدية عن إصلاحات الجنرالات الحاكمين، والجنرالات السابقين، المقلوبة رأساً على عقب، من سباتهم . فالإعلام المحلي في ميانمار، الذي ترتبط بعض كبرى وسائله بجنرالات ذوي رتب عالية، أبعد ما يكون عن الليبرالية والتقدم، ويتجلى ذلك في تغطيته الإخبارية التي ترقى إلى درجة العنصرية في بعض الأحيان، للمذابح الأخيرة ضدّ الأقلية المسلمة، وفي تأييده الصارخ للانتخابات المزوّرة التي جرت عام 2010 .
وتكمن خلف خطاب الديمقراطية، استراتيجية متشعبة متعددة الجوانب، يتبناها جنرالات نايبيدو، الذين ما زالوا حاكمين، ومن بينهم رئيس المجلس الثوري، “تان شوي” .
ويرسم الكاتب الخطوط العريضة لتلك الاستراتيجية التي يتبعها النظام لكسب العون الدبلوماسي والاستثمارات من الغرب، بينما يحتفظ بقبضة الجيش الفولاذية على السلطة .
وفي هذا السبيل، كما يقول، تعلمت عصبة “تان شوي” أن:
- تتصرف بطريقة أذكى إزاء المصالح التجارية .
- تستغل تهوّر الغرب .
- تعالج مخاوفها الخاصة من الصين .
- تتعاون مع نخبة المعارضة، أو تفسدها، بالتلويح لها بجزرة انتخابات 2015 وإجراء تحول نحو قيادة وطنية مدنية أصيلة .
- تعبئ، مثلما فعل سلوبودان ميلوسوفيتش في البلقان، التعصب العرقي- الديني المناوئ للمسلمين، الذي تكنه الأغلبية ضدّ الفئة الأضعف في المجتمع، التي تفتقر إلى دعم حقيقي من أي قوة أجنبية .
- توكل تنفيذ الإبادة العرقية لمسلمي الروهينغيا، إلى “الراخين” المتطرفين قومياً، الذين كانوا يطالبون بمزيد من العوائد، وباستقلال ذاتي أكبر .
- تبدّد وتستبق أي مخاطر سياسية مستقبلية من الرهبان البوذيين، باحتضان خلايا حركة 969 النازية الجديدة التي أقحمتها وزارة الداخلية، في نظام الرهبان .
- تُسهّل تحوّل أيقونة الديمقراطية العالمية، “اونغ سان سو كيي”- الحائزة جائزة نوبل للسلام- إلى منافقة عالمية، على صعيد دولي، أو إلى “مسلمة وضيعة” في عيون الجمهور العنصري والرهبان البوذيين، إذا قالت أي شيء أو تصرفت أي تصرّف، انطلاقاً من المبادئ أو الأخلاق .
- توفر لنخب المقاومة المسلحة أعمالاً ومشاريع، وآفاق “تنمية” مقابل الفيدرالية .
- تخلق جيوباً من عدم الاستقرار سهلة القياد، ومناطق تخضع لقوانين الطوارئ، بإطلاق كلاب الهجوم الأيديولوجي، من أمثال فاشيّي حركة 969 بثياب الرهبان الزعفرانية اللون .
- تصور ببساطة متناهية، كل مشكلة في ميانمار، على أنها جزء لا يتجزأ من الديمقراطية، متبنية تفسيرات “فكرية” يجود بها خبراء “مجموعة الأزمات الدولية” في شؤون ميانمار، ويردّدها ساسة رابطة دول جنوب شرق آسيا، الذين يفتقرون إلى النزاهة الفكرية، ومن بينهم، على سبيل المثال، وزير خارجية اندونيسيا، مارتي ماتاليغاوا .
ويقول الكاتب، إن ميانمار، تمكنت فيما يبدو، من فعل كل ذلك، من دون أن ترخي قبضتها الصارمة على معظم المجالات الاستراتيجية للدولة، ومراكز السلطة الأخرى . وفي جوهر الأمر، يظل ما تسيطر عليه زمرة “شوي” الآن- وما كانت تسيطر عليه قبل انتخابات 2010 المزورة- على حاله تماماً . ويورد الكاتب قائمة بالمؤسسات والمجالات التي لا يملك الجيش أي استعدادٍ للتخلي عن سيطرته الاحتكارية عليها، ومنها:
الدعاية (الإعلام)، العصابات المسلحة التي يشار اليها خطأ باسم الجيش، كما يقول الكاتب، كل قطاعات الأعمال، سياسات المعارضة، العلاقات الدولية، موارد الدولة المالية، قطاع الموارد الطبيعية، كل مؤسسات الدولة التي تتمتع بأي أهمية، بما فيها النظام القضائي، والمجلس التشريعي، والدوائر الحكومية، والفرع التنفيذي، ولجان التحقيق التي تشكل للتمويه، أجهزة المخابرات، مفاوضات “السلام”، عملية الإصلاح برمتها، والدين .
ضد القانون
ويتساءل الكاتب قائلاً: مع بقاء هذا الاحتكار للسلطات على حاله، كيف يمكن اعتبار إصلاحات ميانمار خطوة نحو الديمقراطية وحكم القانون؟ ويضيف: إن التوقيت والظروف التي تهيئ لميانمار مزاولة هذه الاستراتيجية المتشعبة والمتعددة الوجوه، ملائمة تماماً . فالغرب مندفع على الصعيد الاستراتيجي، ممعن في الخضوع لهيمنة الشركات الكبرى التي يحدوها الجشع، ويتجاهل متغطرساً، أن يكون حليفاً صادقاً لشعب ميانمار المحارَب .
وما يجعل كل ذلك يبدو مثل مؤامرة كبيرة تحيكها ميانمار بتواطؤ دولي، هو أنه كذلك فعلاً . ومَن يحسبْ أن الجنرالات ظلوا في السلطة كل هذا الزمن، الذي تجاوز 50 عاماً حتى الآن، واستمروا بعد زوال أقرانهم في العالم، من دون تآمر، وتواطؤ، وتستر، وهدم وقتل، وتبديد لأي أخطار تتهدد سلطتهم، وامتيازاتهم وثروتهم، فإنه لم يقرأ تاريخ البلاد .
ويضيف الكاتب قائلاً: يعتقد كثيرون أن ميانمار، “تمضي في التحول الديمقراطي” لأن الجنرالات يُجرون الآن انتخابات، ويجلسون في البرلمان . . . ولكن الانتخابات- مع أنها من المتطلبات الأساسية للديمقراطية، يصعب أن تكون مؤشراً دقيقاً على وجود الديمقراطية .
ويقول الكاتب: إن زخارف الديمقراطية- الأحزاب السياسية، المعارضات، الإعلام الحرّ ظاهرياً، البرلمانات، الدساتير، الفصل الشكلي بين فروع السلطة في الدولة، وفوق ذلك كله، خطاب “الديمقراطية”- لا تعني بالضرورة أن البلد قد بلغ غايته . والأشكال الديمقراطية والخطاب الديمقراطي، لا تترجم بالضرورة إلى جوهر ديمقراطي أو ممارسة ديمقراطية . فهي ليست كذلك في حدّ ذاتها، خصوصاً في ميانمار التي يهيمن عليها الجيش .