بقلم: بيل ريتشاردسون*
وكالة أنباء أراكان ANA | متابعات
على مر التاريخ الطويل من العنف والتمييز المُوجّه ضد الروهنغيا -أقلية مسلمة من ميانمار-، فإن يوم 25 أغسطس/آب هو تاريخ مظلم بشكل خاص.
منذ ما يزيد عن العام، قتل جيش ميانمار الآلاف وأحرق مئات القرى وشرّد أكثر من 700 ألف شخص من الروهنغيا إلى بنغلادش، في أكبر وأسرع حركة للسكان منذ الإبادة الجماعية في رواندا. ويبدو أن نية ميانمار كانت تطهير أراكان من الروهنغيا.
عززت سفرياتي الأخيرة إلى بنغلادش من أهمية منع ميانمار من تحقيق أهدافها ومساعدة الروهنغيا بأربع طرق:
أولاً، يحتاج شعب الروهنغيا إلى المساعدة في مواصلة الضغط على ميانمار للتأكد من أن يمتلك أولئك الذين يريدون العودة إلى بلادهم طريقاً يصلح لذلك مع ضمان حقوقهم وأمنهم دون مساس.
خلال العام الماضي، لم تجرِ ميانمار إلا تغييرات قليلة حقيقية -إن وُجدت- في التنظيمات التي سمحت بالتطهير العرقي.
هناك 600 ألف من الروهنغيا لا يزالون في أراكان، منهم 125 ألفاً في معسكرات الاعتقال، وهم يعانون من انعدام حقوقهم الرئيسية أو الحصول على الخدمات الأساسية. ولم تقم ميانمار بالكثير لتنفيذ توصيات لجنة أراكان الاستشارية، وهناك مجلس استشاري يهدف إلى دعم تطبيق تلك التوصيات – استقلتُ منه في يناير/كانون الثاني – اختتم أعماله في الأسبوع الماضي بعدما لم يكن له أثر كبير.
وصول وسائل الإعلام والمساعدات الإنسانية إلى أراكان لا يزال محظوراً إلى حد كبير: فالأمم المتحدة لا تزال ممنوعة من «الوصول الفعال» على الرغم من مذكرة التفاهم المُتفق عليها مع ميانمار منذ ما يقرب من ثلاثة أشهر. وفي غضون ذلك، سعت ميانمار إلى إعادة تشكيل أراكان الشمالية، واستعادة الأراضي المحروقة من الروهنغيا من أجل الدولة، وتجريف قرى الروهنغيا التي تم إخلاؤها.
ومن ناحيته، يستطيع المجتمع الدولي – بما في ذلك جيران ميانمار وأعضاء رابطة أمم جنوب شرقي آسيا (آسيان ASEAN) – أن يفعل المزيد لتحميل ميانمار المسؤولية.
يجب على المجتمع الدولي أن يضع معايير واضحة لتطبيق توصيات لجنة أراكان الاستشارية – مع عواقب واضحة إذا لم تتم تلبيتها. سيضمن هذا ألا تقدر ميانمار على الزعم بأنها نفذت 81 توصية من أصل 88 – كما فعلت أون سان سو تشي في خطاب عام نادر ألقته هذا الأسبوع.
كذلك يجب على المجتمع الدولي أن يوضح أن ميانمار مسؤولة عن أي تأخير في عملية الإعادة إلى الوطن. ترغب بنغلادش في رؤية الروهنغيا يعودون إلى ديارهم قريباً، لكنها تدرك أهمية أن تكون أي عملية إعادة إلى الوطن قابلة للاستدامة. ولا يمكن تحقيق ذلك ما لم تبيّن ميانمار أن باستطاعتها ضمان سلامة وحقوق الروهنغيا.
ثانياً: يحتاج شعب الروهنغيا للمساعدة في ضمان العدالة.
أثبتت ميانمار أنها غير قادرة على محاسبة الجناة. فهي تستمر في صرف النظر عن الأدلة الموثوقة والمتّسقة على الجرائم المروعة التي ترتكبها قوات الأمن التابعة لها باعتبارها «أخباراً كاذبة»، وقد عيّنت مجموعة من اللجان التي أبرأت الجهات الأمنية من جميع مخالفاتها. وأشار رئيس اللجنة الأخيرة التي تشكلت الأسبوع الماضي إلى أنها لن توجه أصابع اتهام أو لوم.
تقع المسؤولية إذاً على المجتمع الدولي.. العقوبات الموجهة ضد الأفراد والوحدات العسكرية والشرطة في ميانمار هي بداية جيدة، لكنها رمزية إلى حد كبير. ونظراً لخطورة الجرائم المُرتكبة، تستحق ميانمار أن يحيلها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إلى المحكمة الجنائية الدولية. وبينما من المرجح أن تستخدم الصين وروسيا حق الفيتو، ينبغي على الأعضاء الدائمين الآخرين في مجلس الأمن إجبارهما على استخدامه.
وبعيداً عن الإحالة إلى المحكمة الجنائية الدولية، فإن آلية المساءلة المفوضة من الجمعية العامة للأمم المتحدة، المشابهة للآلية الخاصة بسوريا، تمنح أفضل أمل في استمرار الضغط على ميانمار.
ثالثاً: تحتاج جماعة الروهنغيا – والمتضررون في المجتمعات البنغلادشية الذين كانوا أول من سارعوا إلى مساعدتهم – إلى دعمٍ سياسي ومالي مستمر.
كشفت محادثاتي مع كلا المجتمعين في الأسبوع الماضي عن نطاق احتياجاتهم. وحتى قبل العام الماضي، كانت مدينة كوكس بازار الواقعة في بنغلادش واحدة من أفقر المناطق وأقلها تطوراً في البلاد، وقد فرض تدفق الروهنغيا المزيد من الضغوط على البيئة والخدمات وسبل المعيشة في بنغلادش. في الوقت نفسه، يعبّر شعب الروهنغيا عن امتنانه لبنغلادش لفتح حدودها، لكن معاناتهم مستمرة من أجل تلبية الاحتياجات الأساسية، وتوفير دخلٍ، وتعليم أطفالهم.
وما لم تصِر الظروف في ميانمار مُهيأة للعودة، وإلى أن يتم ذلك، يجب أن يُترجم التعاطف والقلق الدولي إلى استثمارات ملموسة لدى الروهنغيا والمجتمعات البنغلادشية المُتضررة في كوكس بازار.
أخيراً، يحتاج الروهنغيا -وخاصة الموجودين في مخيمات بنغلادش- إلى المساعدة في تأمين دور بارز في عمليات صنع القرار التي ستحدد مستقبلهم.
غالباً ما كان الآخرون يتحدثون نيابة عنهم، ولكن عندما يبدأ المجتمع المدني الوليد من الروهنغيا في التبلور في بنغلادش، سيكون من حقهم أن يمثلوا ويدافعوا عن أنفسهم. كما أنهم يستحقون ممارسة سلطة أكبر فيما يتعلق بالقرارات التي تؤثر عليهم، سواء كان ذلك استقبال المساعدات الإنسانية، أو سُبل الإعادة إلى الوطن، أو الطريقة التي يتم بها تعريف العدالة والسعي إليها. إيجاد طريق بالنسبة للروهنغيا الموجودين في المخيمات للمشاركة بشكل مجدٍ في الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر القادم سيكون نقطة بداية جيدة.
شعب الروهنغيا قابل للتكيف والتحمل بشكل ملحوظ، لكن من المبكر جداً أن نطلب منهم إعالة أنفسهم. يجب أن نفعل المزيد للضغط على ميانمار من أجل الإعادة إلى الوطن والمساءلة، والاستثمار في شعب الروهنغيا والبنغال وتوفير منصات للروهنغيا للدفاع عن أنفسهم.
*سفير الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة الأسبق