بقلم: أحمد عبده طرابيك
وكالة أنباء أراكان ANA | صحيفة روزاليوسف
الأزمة التي تخيم على العلاقات بين مصر والعالم الإسلامي من جهة وميانمار «بورما سابقاً» من جهة أخري، هي أزمة مسلمي الروهنغيا وما يعانونه من اضطهاد في تلك البلاد، وإذا كانت المشكلات - أياً كانت - لا سبيل لحلها سوى الحوار والتواصل مع أطراف المشكلة، ولذلك فإن مشكلة الأقلية المسلمة البالغ عددها نحو مليون نسمة، تحتاج إلى التقارب مع حكومة ميانمار والأطراف الفاعلة في الأزمة، وإجراء حوار شامل حول مختلف جوانب المشكلة.
ترتبط مصر وميانمار بعلاقات تاريخية تعود إلى عام 1953، وذلك عندما أقامت الدولتان علاقات دبلوماسية فيما بينهما، ومنذ ذلك التاريخ تتمتع الدولتان بعلاقات طيبة، حيث يوجد مستوى متطور من التنسيق السياسي بين البلدين في المحافل الدولية، ورغم قلة الزيارات المتبادلة للمسؤولين في البلدين، إلا أنه توجد آلية للمشاورات السياسية برئاسة مساعدي وزيري خارجية البلدين، تعقد كل عامين بالتناوب في كل من عاصمتي البلدين، القاهرة ويانجون.
سارت مصر خطوات كبيرة في سبيل تسوية مشكلة مسلمي الروهنغيا، حيث تم تقديم بعض المبادرات، وتبادل عدد من الزيارات كان آخرها وفد ميانمار الذى زار مصر في أوائل يناير 2017 للمشاركة في ندوة بعنوان «نحو حوار إنساني حضاري بين مواطني ميانمار»، والتي عقدها الأزهر الشريف ضمن فعاليات «ملتقى الحوار من أجل السلام في ميانمار»، والذى يهدف إلى بحث أسباب التوتر بين الأغلبية البوذية والأقلية المسلمة، وسبل إرساء السلام في البلاد من أجل تحقيق التعايش السلمى للجميع، وخاصة في ولاية «أراكان» التي يعيش فيها أغلب مسلمي الروهنغيا.
بدأت ميانمار عهداً سياسياً جديداً بتحقيق حزب «الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية»، الذى تنتمى إليه زعيمة الأمر الواقع أون سان سو تشى الحائزة على جائزة نوبل للسلام عام 1991، فوزاً كبيراً في الانتخابات التي جرت في نوفمبر 2015، وهو الأمر الذي من شأنه أن يسهم في مسيرة البلاد نحو الديمقراطية، حيث دشنت تلك الانتخابات مرحلة جديدة ليس فقط بإنهاء حكم الحقبة العسكرية، بل من خلال رفع العقوبات التي فرضها المجتمع الدولي على البلاد طيلة العقود الماضية، فالسيدة أون سان سو تشى التي ظلت على مدار عقود طويلة تدافع عن الحرية والديمقراطية في ميانمار، تؤمن بأهمية تلك الحرية للجميع بمن فيهم مسلمو الروهنغيا، هذا إلى جانب أن مستقبل البلاد الاقتصادي سيظل مرهوناً بحالة الاستقرار السياسي والأمني في البلاد، ومن ثم فإن تسوية مشكلة الأقلية المسلمة سيكون خطوة مهمة في سبيل اندماج ميانمار في المجتمع الدولي، وتطوير اقتصادها الذى لديه قدرات كبيرة على تحقيق طفرة نوعية خلال فترة وجيزة.
تشير مؤسسات التصنيف المالي إلى أن ميانمار، التي يبلغ عدد سكانها 50 مليون نسمة، أمامها فرصة كبيرة لمضاعفة حجم اقتصادها أكثر من أربع مرات بحلول عام 2030، إذا تمكنت من تنويع مصادرها الاقتصادية، وإقامة بنية تحتية قوية، والحفاظ على استقرار سياسي، خاصة أن البلاد تمتلك موارد طبيعية عديدة، أهمها احتياطيات كبيرة من الغاز الطبيعي والأحجار الكريمة، إلى جانب توافر مساحات شاسعة من الأراضي الصالحة للزراعة، وتوافر القوى العاملة، والموارد الضرورية لتوسيع حجم اقتصادها من 45 مليار دولار في 2010 إلى أكثر من 200 مليار بحلول عام 2030، خاصة أن امكانية النمو في ميانمار تعتمد على أربعة قطاعات رئيسية، هي الطاقة والتعدين، الزراعة، الصناعة، البنية التحتية، ويعتبر قطاع الصناعة هو الأكثر أهمية، مع استعداد الكثير من الشركات للانتقال من الصين ودول آسيوية أخرى إلى ميانمار حيث انخفاض الأجور للأيدي المدربة.
جذبت ميانمار أكثر من 300 شركة يابانية في مختلف القطاعات، وذلك خلال السنوات القليلة الماضية، مع توقعات بجذب المزيد، حيث تعي طوكيو جيداً الأهمية الجيوسياسية للبلاد، في ظل التنافس بينها وبين بكين التي تدفع باتجاه زيادة الاستثمارات في البنية التحتية كونها جزءاً من استراتيجيتها لتثبيت حضورها في الدول المحاذية للمحيط الهندي.
توجد العديد من الأطر القانونية التي تحدد أوجه التعاون بين مصر وميانمار، مذكرة تفاهم في مجال الزراعة موقعة عام 1994، وبموجبها يقدم المركز المصري الدولي للزراعة 7 منح تدريبية، مذكرة التفاهم الخاصة بإنشاء آلية المشاورات السياسية بين وزارتي خارجية البلدين، والموقعة عام 2006، اتفاق التعاون الثقافي والتعليمي والفني والموقع عام 2009، كما يوجد مشروع اتفاق للتعاون الاقتصادي والفني، بين وزارة التعـاون الدولي، ووزارة التخطيط في ميانمار.
يقدم الأزهر الشريف خمس منح جامعية، ومنحتين في المعاهد الأزهرية، كما تقدم وزارة التعليم العالي منحتين جامعيتين لتعليم اللغة العربية منذ عام 2009، خاصة أن وزارة الخارجية في ميانمار تهتم بمنح تعلم اللغة العربية وهو ما يتزامن مع انفتاح السياسة الخارجية في ميانمار على العالم العربي، وذلك بافتتاح سفارة لها في السعودية، وتزايد الزيارات الرسمية وزيارات رجال الأعمال من ميانمار إلى دول الخليج العربي في السنوات الأخيرة.
تعتبر تنمية العلاقات مع ميانمار في مختلف المجالات، وخاصة السياسية والاقتصادية من أهم وسائل معالجة أزمة مسلمي الروهنغيا، فالعلاقات القوية تزيد من قنوات الحوار والتواصل بين الجانبين، والتي من شأنها الوصول إلى أسباب الأزمة ومعالجتها من ناحية، كما أن العلاقات القوية بين البلدين من شأنها زيادة الضغط على زعماء التعصب والتشدد الذين يقودون عمليات الاضطهاد ضد الأقلية المسلمة في ميانمار، مع الوضع في الاعتبار أن تكون أولويات التعاون في المجال الاقتصادي تكون مرتبطة بمعالجة أزمة مسلمي الروهنغيا، وكذلك توجيه جانب كبير من نتائج التعاون الاقتصادي، سواء التجارية أو الاستثمارية إلى المناطق التي تقطنها الأقلية المسلمة في ميانمار.