[caption align="alignleft" width="300"]بورما والولايات المتحدة.. الأولوية للمصالح...هناء دكروري[/caption]
في مشهد كان يعتبر محض خيال قبل سنوات قليلة حل رئيس بورما' ثين سين' ضيفا علي البيت الأبيض في زيارة تاريخية للولايات المتحدة هي الأولي لرئيس بورمي منذ47 عاما.
فحتي العام الماضي كانت بورما تعيش تحت وطأة العزلة والعقوبات وكان أعضاء المجلس العسكري الحاكم السابق, وفي مقدمتهم الجنرال ثين سين,محرومين من الحصول علي تأشيرات دخول للولايات المتحدة,ولكن استراتيجية' الفعل مقابل الفعل' التي اتبعتها ادارة أوباما في التعامل مع بورما منذ عام2009 ساعدت علي تحسين العلاقات الثنائية المتوترة بين البلدين.فقد اتخذت بورما العديد من الاصلاحات من أهمها الافراج عن المئات من المعتقلين السياسيين وتخفيف الرقابة والقيود المفروضة علي المواطنين واطلاق سراح' أونج سان سوتشي' زعيمة المعارضة والحاصلة علي جائزة نوبل للسلام من الاحتجاز قيد الاقامة الجبرية بمنزلها والسماح لها ولحزبها بخوض الانتخابات في.2011 وردت واشنطن علي حزمة الاصلاحات برفع الكثير من العقوبات الاقتصادية والسياسية المفروضة علي البلاد والتعاون مع الحكومة المنتخبة برئاسة ثين سين.
وتأتي زيارة ثين سين للولايات المتحدة بعد حوالي ستة أشهر من زيارة أوباما لبورما في نوفمبر الماضي ليصبح بذلك أول رئيس أمريكي يزور تلك الدولة الصغيرة في جنوب شرق آسيا أثناء توليه السلطة.وفي لفتة رمزية استخدم أوباما أسم ميانمار لأول مرة في الاشارة لبورما وهو الاسم الذي اعتمده المجلس العسكري الحاكم للبلاد في1989 ورفض المجتمع الدولي استخدامه لسنوات طويلة في إطار عدم اعترافه بشرعية المجلس.واستباقا لأي انتقاد أكد جاي كارني المتحدث الصحفي باسم البيت الأبيض أن استخدام ميانمار هو مجرد مجاملة وستبقي' بورما' الاسم الرسمي المستخدم في الوثائق.
وفي حين وصف المحللون زيارة ثين سين بأنها إنجاز كبير يحسب لأوباما علي صعيد السياسة الخارجية- التي شهدت عدة اخفاقات من جانب ادارته في التعامل مع كثير من الملفات في الآونة الأخيرة- وتتويج لاستراتيجية' اعادة التأهيل الدبلوماسي' للدول' الضالة ديمقراطيا', تعرضت الزيارة لانتقادت واسعة من جانب منظمات حقوق الانسان وبعض الاعضاء الجمهوريين بالكونجرس الأمريكي الذين نظموا مسيرة احتجاج أمام بوابات البيت الأبيض أثناء الزيارة, حيث وصفوا الزيارة بأنها سابقة لأوانها ومتسرعة و ترفع الضغط عن حكومة بورما لوقف اعمال التطهير العرقي ضد مسلمي الروهينجا ووقف انتهاكاتها لحقوق الانسان. وحذرت منظمات حقوق الانسان من ان استقبال أوباما لسين في البيت الأبيض يعطي الضوء الأخضر للأنظمة القمعية لمواصلة جرائمها ضد الانسانية.واتهمت المنظمات الادارة الأمريكية بتقديم المصالح علي حساب الاعتبارات الانسانية والمبادئ الديمقراطية.
والحقيقة أنه لا يمكن لأحد انكار أن حسابات المصالح كانت الدافع الرئيسي وراء اهتمام ادارة أوباما بتحسين العلاقات مع بورما حيث انها ستعود بالكثير من النفع علي الولايات المتحدة, وعلي بورما أيضا,علي الأصعدة الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية.
فرفع العقوبات سيمنح الشركات الأمريكية فرصة كبري للاستثمار في بورما مما سيفيد البلدين اقتصاديا.كما يسعي الجانبان لتعزيز علاقات التبادل التجاري
أما علي الصعيد السياسي فالولايات المتحدة تريد الحفاظ علي صورتها القيادية والتأكيد دائما علي كونها' زعيمة الديمقراطية ومحامية حقوق الانسان' علي مستوي العالم وباحتوائها لبورما فإنها تؤكد دعمها وتشيجعها لمبادرات الاصلاح والتزامها بتقديم المساعدات لمواصلة طريق الديمقراطية.
واستراتيجيا تهدف الولايات المتحدة لدعم تواجدها في منطقة جنوب شرق آسيا والحد من سيطرة الصين وذلك عن طريق توطيد علاقاتها مع عدد من الدول بالمنطقة.ويري المحللون أن الانفتاح علي ميانمار,تلك الدولة الصغيرة بين الصين والهند ذات ال60 مليون نسمة,سيسدد ضربة قوية للهيمنة الصينية علي المنطقة فعلي مدي العشرين عاما الماضية كانت الصين المستثمر الأكبر في بورما والمستغل الأوحد لمواردها الطبيعية من الغاز الطبيعي والمعادن والاحجار الكريمة والأخشاب.
كما أن التقارب بين واشنطن ويانجون يأتي في وقت تعاني فيه الصين من بعض التوتر في علاقاتها مع الجارات فهناك نزاعات علي الحدود مع الفلبين وفيتنام, كما أن عدد من الدول الموقعة علي اتفاق التجارة الحرة بين الصين ودول الآسيان تسعي لاعادة التفاوض بشأن بعض بنود الاتفاق والتي يجدون أنها مجحفة وتخدم المصالح الصينية بالأساس.
ويشير الخبراء بمعهد بروكينجز إلي أن أوباما قد أحسن صنعا بخطب ود بورما في وقت يتنامي فيه تأثيرها علي دول الآسيان, حيث ستتولي رئاسة المنظمة في الدورة القادمة والتي تبدأ في2014, وتتوطد فيه علاقاتها بالجارة الهندية.كما أن بورما عضو بارز بالكثير من المنظمات الاقتصادية الآسيوية الكبري الأخري مثل الايبك
هذا فيما يتعلق بالمصالح الأمريكية أما ما ستسفيده ميانمار فهو فضلا عن الاستثمارات ستتمكن من الحصول علي قروض ومساعدات مالية من مؤسسات دولية تخضع لضغوط الولايات المتحدة.وعلي الصعيد السياسي يمنح تأييد الولايات المتحدة ثين سين,الجنرال السابق والذي انتخب لرئاسة البلاد في2011 الماضي,دفعة قوية لمواصلة الاصلاحات التي تواجه معارضة قوية من جانب الجنرالات السابقين والذين مازالوا يسيطرون علي الحكومة.كما ستسعي الحكومة البورمية للحصول علي دعم الولايات المتحدة في مجالات تطوير التعليم والرعاية الصحية ومكافحة الفقر.
ويأمل المراقبون الأكثر تفاؤلا في أن دعم الغرب للاصلاحات في ميانمار قد يدفع الحكومة إلي مزيد من الاصلاحات الاقتصادية والسياسية وتحسين سجل حقوق الانسان الخاص بها والحد من الاضطهاد العرقي والطائفي وربما تعديل دستور2008 بصورة تؤدي إلي إجراء انتخابات حرة ونزيهة.
وما بين الترحيب المتفائل والاستهجان الرافض للخطوات المتسارعة للتقارب بين البلدين يبدو أن ادارة أوباما متمسكة بقناعتها بأنه من الأسهل تحقيق الكثير من الانجازات عن طريق التعاون مع دولة' ليست ديمقراطية' وليس عن الطريق الخصومة معها.